شروط ليبرمان (يسار) دفعت نتنياهو (يمين) إلى إعادة الانتخابات السابقة (Reuters)
تابعنا

يعقد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الأحد، مشاورات مع الأحزاب الفائزة بانتخابات الكنيست التي جرت الثلاثاء الماضي، في مسعى إلى اختيار مرشَّح يلقي على عاتقه مهمة تشكيل الحكومة القادمة، في ظلّ تعثُّر مساعي التوصل إلى اتفاق بين حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو الذي حصل على 31 مقعداً، وتحالف أزرق-أبيض الذي يتزعمه بيني غانتس وحصل على 33 مقعداً.

وما زال المشهد السياسي في إسرائيل غير واضح حتى بعد إعلان نتائج الانتخابات، التي بدت شبيهة بنتائج الانتخابات السابقة، والتي أعيدت بدعم كبير من نتنياهو بعد فشله في تشكيل ائتلاف حكومي، وذلك بسبب رفض زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" أفغيدور ليبرمان الدخول في ائتلاف مع أحزاب اليمين المتدينة، "إلا إذا خضعت للشروط كافة".

وعلى الرغم من سعي نتنياهو إلى إعادة الانتخابات للخروج من "مأزق ليبرمان"، فإن صناديق الاقتراع وضعته أمام المشهد ذاته، حتى بات ليبرمان من جديد "بيضة القبان" التي من شأنها أن ترجح كفة نتنياهو أو غانتس، وتسهم في تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل وبلورته.

حتى اللحظة ما زال ليبرمان يرفض الحديث عن قضية الائتلاف، واكتفى بالقول إنه "يدعم تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها جنباً إلى جنب مع تحالف أزرق-أبيض والليكود"، لكنه نفى أن يكون قد خطط لتزكية غانتس أمام الرئيس الإسرائيلي لقيادة المرحلة القادمة، مشيراً إلى أن القرار سيصدر بعد اجتماع كتلة حزبه مساء الأحد.

ولا يرفض ليبرمان، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الدخول في ائتلاف مع نتنياهو الذي يُعَدّ شريكاً طبيعيّاً له، كونه زعيم "كتل اليمين"، لكنه عاد ووضع شروطاً كثيرة على الطاولة، "قد يعجز نتنياهو عن تلبيتها".

الخارطة الحزبية التي جاءت فيها الانتخابات الإسرائيلية، تمنح معسكر اليمين بزعامة نتنياهو 55 مقعداً، إذ فاز الليكود الذي يتزعمه بـ31 مقعداً، وفازت أحزاب اليمين الحريدية بـ17 مقعداً، بينما فاز تحالف "يمينا" اليميني بـ7 مقاعد، ولا تعد هذه المقاعد كافية لتشكيل حكومة في إسرائيل، إذ ينص القانون على ضرورة حصول المرشح لرئاسة الوزراء على ما يزيد على 61 مقعداً من أجل تشكيل ائتلافه، وهو ما لا يتحقق لنتنياهو دون ليبرمان.

معسكر اليسار وسط في إسرائيل الذي يمثّله بيني غانتس، حقق 44 مقعداً فقط، إذ فاز تحالف أزرق-أبيض بـ33 مقعداً، وحصل حزب العمل على 6 مقاعد، في حين فاز المعسكر الديمقراطي بـ5 مقاعد، ولم يُعرف موقف القائمة العربية المشتركة التي حصلت على 13 مقعداً حتى اللحظة، وعلى كل حال يبقى من المستحيل على غانتس تشكيل أي حكومة دون الرجوع إلى ليبرمان أو الرضوخ لمطالبه.

مَن ليبرمان؟

تطلق وسائل الإعلام الإسرائيلية على ليبرمان لقب "صانع الحكام"، وذلك بسبب إفشاله كل جهود نتنياهو لتشكيل حكومة سابقة، وكذلك بسبب الفرص التي أمامه الآن للتحكم في مصير نتنياهو، وكذلك في اختيار رئيس وزراء لإسرائيل.

وأفغيدور ليبرمان يبلغ من العمر 61 عاماً، مهاجر من مولدوفا ويعيش في مستوطنة نوكديم اليهودية قرب بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، يُعرف بتطرُّفه الشديد وعدائه للعرب، واتُّهم أكثر من مرة بالعنصرية، بخاصة خلال الانتخابات الإسرائيلية التي عُقدت في 2013، إذ تركزت حملته يومها على العداء للعرب، وكانت تحت شعار "فقط ليبرمان يتحدث العربية"، وشدّدَت على ضرورة إجراء عملية تبادل أراضٍ وسكان مع السلطة الفلسطينية، وهي خطة يسعى من خلالها لضمّ نحو 200 ألف من الفلسطينيين حَمَلة الجنسية الإسرائيلية إلى الضفة الغربية لتغيير الواقع الديموغرافي.

تشير وكالة رويترز إلى أن ليبرمان بدأ حياته حارساً لملهىً ليلي في إسرائيل، وتَدرَّج في حياته إلى أن بات أحد أقطاب حزب الليكود بزعامة نتنياهو، قبل أن يستقيل ويشكّل حزبه اليميني المتطرف "يسرائيل بيتينو" عام 1999 ليتودد إلى الإسرائيليين الذين يتحدثون الروسية، بأجندته العلمانية ولهجته المتشددة ضدّ الفلسطينيين.

وهاجرت عائلة ليبرمان إلى إسرائيل عام 1978، وتعلم اللغة العبرية وخدم في الجيش الإسرائيلي، قبل أن يحصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية والعلوم السياسية من الجامعة العبرية في القدس.

وخلال دراسته في الجامعة العبرية عمل حارساً في ملهىً ليلي في القدس المحتلة، قبل تعيينه مديراً عامّاً لهذا الملهى بعد عام من بدء عمله.

واستقال ليبرمان من حزب الليكود عام 1997 بعد اتهامه الحزب بتقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين.

سياسة التطرف

ويشتهر ليبرمان، بمواقفه السياسية المتطرفة، بخاصة ضد الشعب الفلسطيني، ويعلن رفضه القاطع إقامة دولة فلسطينية، ويرفض الانسحاب من أي أرض فلسطينية محتلة.

ويقيم زعيم "يسرائيل بيتينو" بشكل دائم في مستوطنة يهودية، ويؤيّد تعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وكان بادر في نوفمبر/تشرين الأول 2018 إلى مشروع قانون يفرض عقوبة الإعدام على فلسطينيين معتقلين بتهمة قتل أو المشاركة في قتل إسرائيليين.

كما يرفض ليبرمان عملية السلام مع الفلسطينيين، ويقول إنه "لا شريك فلسطينيّاً للسلام".

وسبق أن طرح فكرة تبادل السكان والأراضي مع الفلسطينيين، من خلال نقل سكان عرب يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى أراضي السلطة الفلسطينية.

وقال ليبرمان في تصريحات سابقة إنه "لا يوجد أي سبب ليبقى معنا سكان مدينة أم الفحم الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم فلسطينيون". ويقول عن فلسطينيي 48 الذين لا يوالون إسرائيل إنهم "يستحقون قطع رؤوسهم بالفأس".

ولما كان ليبرمان في صفوف المعارضة، أطلق تصريحات نارية في 16 إبريل 2016، قال فيها إنه في حال تولِّيه منصب وزير الدفاع، فسوف يغتال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس خلال 48 ساعة من توليه المنصب.

وعقب هذه التصريحات بنحو شهر ونصف، تحديداً في 30 مايو/أيار 2016، انضمّ ليبرمان لحكومة نتنياهو، وتَسلَّم منصب وزير الدفاع، واستمر بهذا المنصب حتى نوفمبر 2018، دون أن ينفّذ الوعد الذي قطعه على نفسه، وهو ما عرّضه لكثير من السخرية.

وعقب استقالته من منصب وزير الدفاع، اتهم ليبرمان نتنياهو بمنعه من تنفيذ وعده باغتيال هنية، وقال في تصريحات صحفية إنه عندما كان وزيراً للدفاع قدّم أكثر من مرة خططاً رسمية لتصفية هنية، لكن نتنياهو كان "الطرف الذي أحبط كل هذه الخطط".

شروط صانع الحُكام

وبدا ليبرمان مختالاً في اليوم التالي للانتخابات، إذ أدرك جيداً أنه بات المرشح لاختيار رئيس حكومة في إسرائيل، وقال للصحفيين "النتيجة واضحة، كل ما قلناه خلال الحملة الانتخابية أصبح حقيقة واقعة، يوجد خيار واحد فقط، حكومة وحدة وطنية، حكومة ليبرالية موسعة، وسوف نقولها ثانية، لن ننضمّ إلى أي خيار آخر".

ولدى صدور معلومات تشير إلى أن حزبه يتوجه لتزكية بيني غانتس لتشكيل الحكومة، سارع ليبرمان إلى نفي ذلك، وكتب على فيسبوك "لكل المهتمّين، أنا لم أتحدث مع نتنياهو أو غانتس، ولا أنوي التحدث إلى أي منهما حتى بعد اجتماع الأحزاب يوم الأحد".

לאחר ספירת כמעט 100% מקולות הבוחרים ולפני תחילת הפגישות אצל נשיא המדינה כמה עדכונים: 1. שמעתי בתקשורת ש"כחול לבן"...

Posted by ‎Avigdor Liberman - אביגדור ליברמן‎ on Friday, 20 September 2019

يشير يوني بن مناحيم، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، في تصريح لوكالة الأناضول، إلى أن ليبرمان أصبح الآن "صانع ملوك، فبيده المفتاح للائتلاف الحكومي الجديد".

وأضاف "ليبرمان يحاول الآن أن يفرض شروطه على الليكود برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض".

وقال "إذا ما أصر ليبرمان على مواقفه من الانضمام إلى حكومة يمينية برئاسة نتنياهو، فلا أستبعد إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل".

وعلى الرغم من أن شروط ليبرمان كانت وراء فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة السابقة مما أدى إلى إعادة الانتخابات، فإنه ما زال مصرّاً عليها.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن ليبرمان قوله "نحن لا نجلس مع القائمة العربية في حكومة واحدة، وما زلنا أيضاً متمسكين بنفس شروطنا السابقة".

ويرفض ليبرمان العمل إلى جانب الأحزاب اليهودية المتطرفة التي انضمت دوماً إلى الائتلافات الحاكمة بقيادة نتنياهو، والتي كان لها تأثير في الحياة اليومية في إسرائيل، بما في ذلك الزواج والطلاق.

ونال موقف ليبرمان العلماني الواضح دعما من علمانيين آخرين بينهم مهاجرون مثله من الاتحاد السوفييتي السابق لا يُعتبر كثيرون منهم يهوداً وفقاً لأحكام الشريعة المتشددة، حسب يوسي بن مناحيم.

ويقول إنه لا يستبعد نتنياهو كحليف سياسي أو يقلّل من شأن زعيم ما زال مؤيدوه يعتبرونه "ساحراً".

ويسعى ليبرمان لفرض شروطه على غانتس ونتنياهو من أجل دعم أحدهما في الحكومة المقبلة، على الرغم من أن احتمالات دعمه حكومة غانتس تصبح مستحيلة في حال قررت القائمة العربية المشتركة دعمه.

وأهم شروط ليبرمان حسب صحيفة يديعوت أحرونوت هي التمسك بقانون يفرض التجنيد الإجباري على اليهود المتدينين الذين يُعفَون من التجنيد عادةً، وهو الشرط الذي يحرج نتنياهو الذي لا يستطيع تلبيته بسبب إصرار اليهود المتدينين الذين يشكّلون قوة كبيرة في معسكر اليمين تضاعف قوة ليبرمان، على منع التجنيد.

كما يشترط ليبرمان السماح بتحريك سكة القطار والمواصلات العامة يوم السبت في إسرائيل "كي لا تتحول إلى دولة دينية"، وكذلك عدم الجلوس مع العرب في حكومة واحدة.

وأمام هذه الشروط وفي ظل احتدام المشهد السياسي في إسرائيل، يترقب الجميع هناك، بخاصة صنّاع القرار، موقف حزب "يسرائيل بيتينو" من رئيس الوزراء القادم، إلا في حال استطاع نتنياهو وغانتس التوصل إلى تشكيل ائتلاف حكومي واسع، وإخراج ليبرمان من اللعبة وإلقائه في صفوف المعارضة.

ليبرمان معروف بمواقفه المتطرفة ضد الشعب الفسطيني (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً