الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون خلال اجتماعه بالأطراف الليبية في باريس (Reuters)
تابعنا

لم يعد خفياً على أي من الأطراف، سواءً كان داخلياً أو خارجياً فيما يعرف بالأزمة الليبية، تواجُد فرنسا بقوة على الأرض، على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي.

وبالنظر إلى التواجد التاريخي لشركة توتال النفطية في ليبيا، والتي تُشغل أكثر من حقل نفطي في ظل صراع دائم مع غريمتها إيني الإيطالية، فإن فرنسا كانت أحد الرؤوس الكبرى في الصراع الليبي، لكن على إثر صعود الرئيس إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم لم تعد هذه الشركة هي الدلالة الوحيدة على نفوذ الفرنسيين في ليبيا.

يُقرأ الصراع الحالي على العاصمة طرابلس بعد قرار خليفة حفتر السيطرة عليها، من عدة أوجه، أهمها ما نقلته مجلة فورين بوليسي، أن حسابات فرنسا في شمال أفريقيا تغيرت بعد أحداث الجزائر، إذ أفادت أن تحركات حفتر تأتي ضمن محاولة فرنسية لحسم ملف ليبيا وسط تخوفات من مصير الجارة الجزائر.

فرنسا: شبح حفتر

بعد نجاحه في إنجاز لقاء وُصف وقتها بالتاريخي، بين فايز السراج رئيس الوزراء الليبي في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وخليفة حفتر اللواء المتقاعد الذي يسيطر على الشرق، بتاريخ 25 يوليو/تموز 2017، قالت مجلة فورين بوليسي حينها إن الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون نجح في أن يجعل من حفتر رقماً جديداً في المعادلة الليبية.

نبرة ماكرون المؤيدة لحفتر جاءت متسقة مع السياسة الفرنسية السابقة في ليبيا، فمنذ بداية 2015 كانت فرنسا تدعم حفتر عن طريق إرسال خبراء وعملاء سريين وقوات خاصة إلى شرق ليبيا، وهو ما اعترف به اللواء المتقاعد في فبراير/شباط 2017 في مقابلة مع إحدى الصحف الفرنسية، عندما أقر أن فرنسا تقوم بتوفير الدعم لنظامه "لدواعٍ أمنية وأخلاقية".

هذا الموقف أكدته بعد أشهر فقط الحكومة الفرنسية عندما أعلنت عن مقتل ثلاثة من جنودها قرب بنغازي في عملية استطلاع بالشراكة مع قوات حفتر.

في حكومة ماكرون، لم يبق من عهد سلفه فرنسوا هولند سوى وزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، وأطلقت عليه مجلة فورين بوليسي لقب "بطل حفتر في باريس".

خلال السنوات الخمس التي كان فيها في منصب وزارة الدفاع، وحسب المجلة ذاتها، كان لودريان وسيلة فرنسا لاستهلال حقبة جديدة، والانتقال من السياسة الخارجية المتحفظة التي واكبت حقبة جاك شيراك (1995-2007)، إلى أخرى أشد حزماً وتدخليّة في السنوات الأخيرة، وهو ما تأكد مع سلوكيات الرجل الداعمة لحفتر لوجيستياً واستخباراتياً.

ظِل الجزائر ينعكس على طرابلس

يتزامن هجوم حفتر على الغرب الليبي مع أحداث كبرى تمر بها الجارة الجزائر، إذ أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استقالته، بعد احتجاجات كبيرة شهدتها البلاد، الجزائر المرتبط تاريخياً وثقاقياً واقتصادياً بفرنسا، يخرج عن صمت طويل وهو ما أقلق باريس، التي تفاعلت مع الأزمة ببيان محتشم للخارجية.

عبد السلام الراجحي، مدير مركز إسطرلاب للدراسات الاستراتيجية، أكّد أن جانباً كبيراً من تحرك حفتر هو استغلاله للأوضاع غير الواضحة في الجزائر.

الراجحي، في حديثه لـTRT عربي، شدد على أن حفتر لا يتحرك إلا بضوء أخضر فرنسي وبمعية الإمارات ومصر، مشيراً إلى أن فرنسا تريد أن تضمن منطقة نفوذها في شمال أفريقيا، خاصة في ظل مخاوفها من مآلات الجزائر.

جانب كبير من تحرك حفتر هو استغلاله للأوضاع غير الواضحة في الجزائر التي طالما رفضت أي دور له خارج الشرعية الدولية

عبد السلام الراجحي - مدير مركز إسطرلاب للدراسات الاستراتيجية

وذكّر الراجحي بالدور الجزائري في المحادثات الليبية، وخاصة رفضها لأي دور يلعبه خليفة حفتر خارج الشرعية الدولية، وهو أحد الخلافات القائمة بين فرنسا والجزائر.

إلا أن عدم وضوح الرؤية في قصر الإيليزيه لما يحصل في قصر المرادية –قصر الرئاسة الجزائري– عجّل في خطوة حفتر، حسب رأي الراجحي، والذي يرى أنها خطوة متهورة قد تؤدي إلى خسارة اللواء المتقاعد الشرق، وتحجم من دور فرنسا في الملف الليبي.

تكسير العظام

عرّف تقرير فورين بوليسي التدخل الفرنسي المنحاز لطرف دون آخر في ليبيا بأنه أحد أسباب تمدد الصراع الوطني داخل البلاد، مشدداً على أنه ونتيجة لذلك، قد يزداد التدخل الأجنبي في ليبيا وسيصعب على البلاد تجنب هذه المرحلة الانتقالية.

في هذا السياق، أسند الراجحي الوجود الفرنسي بجانب حفتر إلى أطماع تاريخية في الغرب الليبي، والتي رفضتها حكومة الوفاق الوطني لمرات، وهي متعلقة "بأكبر ثروة نفطية على طول 350 كيلومتراً في الحدود مع الجزائر" وتحديداً في ولاية فزان.

ليس هذا وحده، بل رأى الراجحي، الأكاديمي الليبي، أن هناك تهديداً أمريكياً لعرش فرنسا في شمال أفريقيا، وهو ما أدى إلى البحث عن بدائل خارج الدائرة الأمريكية.

تحالف اليمين الشعبوي، الذي يقوده ترمب في الولايات المتحدة وسالفيني في إيطاليا، انعكس في شمال أفريقيا بين الجزائر وليبيا، الأمر الذي أدى إلى استنفار فرنسا لحفتر في ليبيا من أجل إثبات سيطرتها على المنطقة مع إبقاء عين كبيرة مفتوحة على الجزائر

عبد السلام الراجحي - مدير مركز إسطرلاب للدراسات الاستراتيجية

وأشار الراجحي إلى أن صراع إيطاليا –الحليف الأول لواشنطن– مع فرنسا، خاصة في ليبيا والذي تسبب في عدة مواقف أهمها استدعاء السفير الفرنسي في روما لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، هو أهم المؤشرات على النفوذ الأمريكي القوي في المنطقة.

ورأى الراجحي أن "ما حصل في الجزائر يعد ترجيحاً للكفة الأمريكية فيها، خاصة أن فرنسا كانت ممثلة بالمخابرات الجزائرية ودائرة الرئاسة التي يقودها سعيد بوتفليقة، فيما تبحث واشنطن عن قدم لها عبر المؤسسة العسكرية".

وعن جوهر الصراع، فإن تحالف اليمين الشعبوي، الذي يقوده ترمب في الولايات المتحدة وسالفيني في إيطاليا، انعكس في شمال أفريقيا بين الجزائر وليبيا، الأمر الذي جعل "صقور فرنسا الجدد"، حسب تعبير واشنطن بوست، يستنفرون حفتر في ليبيا من أجل إثبات سيطرتهم على المنطقة مع إبقاء عين كبيرة مفتوحة على الجزائر، كما يرى مدير مركز إسطرلاب للدراسات، عبد السلام الراجحي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً