يثير ملف السيارات جدلاً كبيراً في الجزائر في ظل وقف واردات المركبات الجديدة منذ 2017 / صورة: AA (AA)
تابعنا

تسابق السلطات الجزائرية الزمن لإعادة إطلاق مصانع لتجميع وتركيب السيارات في البلاد، وفق تصورات جديدة، في محاولة تهدف إلى إصلاح ما أفسدته مشاريع سابقة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

ووقعت وزارة الصناعة الجزائرية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022 اتفاقاً مع شركة "فيات" الإيطالية لإقامة مصنع للسيارات بولاية وهران غربي البلاد.

ولفت بيان للوزارة إلى أن التوقيع جرى بمقرها في الجزائر العاصمة بحضور السفير الإيطالي جيوفاني بولييزي، وسفير الجزائر لدى روما عبد الكريم طواهرية، دون الكشف عن القيمة المالية للمشروع.

وأشار البيان إلى أن التوقيع جاء بعد "مشاورات تمت في الأيام القليلة الماضية بين الطرفين.. يندرج المشروع في إطار الرفع وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين البلدين".

ومن المنتظر أن تخرج أولى سيارات هذا المصنع في ديسمبر/كانون الأول المقبل، حسبما صرح به للصحافة المحلية، والي وهران سعيد سعيود.

ومنذ سنوات، يثير ملف السيارات جدلاً كبيراً في الجزائر في ظل وقف واردات المركبات الجديدة منذ 2017، والمستعملة منذ 2005، وفشل مشاريع التركيب والتجميع التي أُطلقت في حقبة الرئيس بوتفليقة.

فيما تشهد السوق المحلية ندرة كبيرة في السيارات الجديدة والمستعملة، وغلاءً في الأسعار فاق كل التصورات حسب جمعيات حماية المستهلك.

وقبل أيام، وجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالترخيص لاستيراد السيارات المستعملة لأول مرة منذ 2005، ضمن قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، التي لا يتعدى عمرها 3 سنوات.

أخطاء سابقة

حسب متابعين فإن مسلسل السيارات في الجزائر بدأ عام 2014، بأخطاء متتالية لحكومات الرئيس الراحل بوتفليقة.

وكانت الانطلاقة بطرح السلطات لدفتر شروط جديد يتعلق باستيراد المركبات الجديدة التي وجب توفر معايير معينة فيها للسلامة والأمن، ما تسبب في وقف دخول المركبات إلى البلاد لعدة أشهر.

وفي نهاية 2015 وفي ظل الصدمة النفطية التي أعقبت أزمة 2014 وتهاوي أسعار الخام، أقرت السلطات إجراءات في قانون الموازنة تقضي بإخضاع استيراد السيارات الجديدة لتراخيص مسبقة تسلمها وزارة الصناعة، في محاولة للحد من نزيف النقد الأجنبي.

وبلغت واردات الجزائر من السيارات في 2013 نحو 650 ألف مركبة، بتكلفة فاقت 7 مليارات دولار، هي الأعلى في تاريخ البلاد حسب السلطات.

وعقب تقليص الاستيراد اعتباراً من 2016، أطلقت الحكومة مشاريع لتركيب وتجميع السيارات في عدة ولايات مع شركات عالمية أوروبية وآسيوية في خطوة قالت حينها إنها تهدف إلى جعل الجزائر بلداً مُصنِّعاً للسيارات في غضون سنوات.

بالمقابل، استفاد أصحاب المصانع من عدة امتيازات منها إعفاءات ضريبية وجمركية لمدة 5 سنوات، والحصول على أراضي إقامة المصانع بشكل مجاني من الدولة، مع اشتراط نسبة إدماج محلية معينة.

لكن بمرور السنوات، لم تقدر المصانع التي جرى إطلاقها على بلوغ نسب إدماج محلية مقبولة، واستمر استيراد أجزاء السيارات كاملة تقريباً، وتحول الملف لدى الجزائريين إلى مصدر للتندر في إطار ما عرف بـ"مصانع نفخ العجلات".

واستعمل هذا المصطلح "نفخ العجلات" للدلالة على أن المصانع تستورد أجزاء السيارات كاملة من الخارج، وفقط تنفخ العجلات في الجزائر فقط.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، قال الرئيس تبون، إن تجاوزات بالجملة حدثت في مصانع تركيب السيارات في الماضي تسببت في ضياع 3.2 مليار دولار، في إشارة إلى حقبة بوتفليقة.

وأشار تبون إلى أن هذه التجاوزات أدت إلى تسويق سيارات جزائرية للمواطن بسعر أعلى من تلك المستوردة.

مفاوضات مع شركات عالمية بتصورات جديدة

وتجري وزارة الصناعة الجزائرية مفاوضات مع 4 مجمعات عالمية لصناعة السيارات لم يُكشَف عنها، باستثناء علامة فيات الإيطالية التي تُعدُّ فرعاً لمجمع "ستيلانتيس" العالمي الذي يضم شركات إيطالية وفرنسية وأمريكية.

في 9 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أكد وزير الصناعة أحمد زغدار في تصريحات للصحافة المحلية أن الحكومة بصدد التفاوض مع شركات عالمية لإقامة صناعة محلية حقيقية.

ولفت زغدار إلى أن السلطات أفرجت مؤخراً عن قانون استثمار جديد، يتضمن إجراءات تحفيزية معتبرة ستسهم في إقامة مصانع للسيارات.

وسبق للمسؤول ذاته أن قال إن البلاد تسعى لإطلاق مشاريع في قطاع السيارات وفق خطوات صحيحة وسليمة، ونسبة إدماج مقبولة.

وزاد في تصريحات صحفية: "التوجه الجديد مفاده السماح لشركات عالمية بدخول السوق الجزائرية لبيع منتجاتها في العام الأول، ينتهي بالشروع في عملية التركيب، والانتهاء بصناعة حقيقية بحلول العام الثالث".

وقال: "جميع المشاريع السابقة للسيارات (في إشارة لحقبة بوتفليقة) لم تصل نسبة الإدماج فيها إلى 3%، وهو أمر غير مقبول.. الاستراتيجية الجديدة لا تطلب نسبة إدماج في السنة الأولى لكنها تصل في العام الثالث إلى نسب مقبولة".

نشاط التركيب والتجميع حصرياً لشركات مصنِّعة

في هذا السياق، يرى الصحفي المتخصص في قطاع السيارات بجريدة المجاهد الحكومية (ناطقة بالفرنسية) محمد منداسي، أن استراتيجية حكومات الراحل بوتفليقة مُنيت بفشل ذريع.

وأوضح منداسي في حديث إلى الأناضول أن رئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال (مسجون حالياً بتهم فساد)، راهن على وكلاء سيارات كانت مهمتهم تقتصر فقط على الاستيراد وتسويق وخدمة ما بعد البيع لا أكثر دون أي خبرة في تصنيع المركبات.

ويعتقد أن السلطات فضلت التريث فيما يتعلق بملف السيارات حتى صدور قانون الاستثمار الجديد، الذي تقول السلطات إنه تضمن إجراءات تحفيزية غير مسبوقة.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً