جانب من تحضيرات الجيش الروسي للاحتفال بعيد النصر عام 2008 / صورة: Getty Images (Getty Images)
تابعنا

أحيت الحرب الروسية-الأوكرانية المخاوف من وقوع حرب نووية، ولو أنّ التركيبة الأمنية الدولية الدقيقة التي أُقيمت بعد الحرب العالمية الثانية بدأت بالانهيار منذ سنوات.

ولو كانت تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين غامضة وغير واضحة بشأن استخدام السلاح الذري، فإنها خرقت اتفاقاً ضمنياً قائماً على ضبط النفس وأفسدت مفهوم الردع.

ويقول مساعد الأمين العامّ السابق لحلف شمال الأطلسي كاميل غراند: "هذه هي المرة الأولى منذ بداية العصر النووي التي تستخدم فيها قوة نووية واقع امتلاكها لهذا السلاح وتشنّ حرباً تقليدية مستظلّة بالقوة النووية".

وأضاف غراند أنه رغم أنّ استخدام السلاح لا يزال يبدو "مستبعداً"، كنا نعتقد أنّ مثل هذا الموقف يمكن أن يصدر عن دول مارقة".

واستدرك: "ولكن فجأة تتصرّف إحدى القوّتين النوويتين الرئيسيتين العضو في مجلس الأمن الدولي، وفق (استراتيجية قرصنة)، وهذا أمر جديد ومقلق".

ولا يزال مفهوم "المحرّمات النووية" الأخلاقي والاستراتيجي بشأن عدم استخدام السلاح الذرّي، الذي تبلور بعد القصف الأمريكي لهيروشيما وناغازاكي عام 1945، قائماً، لكن الخطاب حوله ليس كذلك.

فخلال 2022 لم تتردّد قنوات تليفزيونية روسية في استحضار احتمالات توجيه ضربة نووية إلى باريس أو نيويورك، فيما أكّد دبلوماسي روسي سابق أنّ بوتين "سيضغط على الزرّ" إذا اعتبر أنّ روسيا مهدّدة بالاختفاء.

وكانت الصحوة قاسية بالنسبة إلى الديمقراطيات التي عاشت طويلاً على "مكاسب السلام"، لدرجة أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن حذّر في أكتوبر/تشرين الأول من "كارثة" نووية محتمَلة، الأمر الذي يعكس الشعور السائد الآن بأنّ العالم يرقص على بركان.

تفكيك المعاهدات

في 2007 كتب توماس شيلينغ، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد والخبير الأمريكي في المسائل الاستراتيجية: "الحدث الأكثر إثارة في نصف القرن الماضي هو حدثٌ لم يحدث"، ملخّصاً بذلك هشاشة التوازن الذي كان العالم يستند إليه منذ هيروشيما وناغازاكي عام 1945.

وقبل أوكرانيا بوقت طويل بدأت التركيبة الاستراتيجية العالمية تتداعى، في أوروبا، وأيضاً في آسيا والشرق الأوسط.

وفي رأي المؤرّخ والخبير الفرنسي في مسائل منع الانتشار النووي ونزع السلاح بنيامين أوتكوفرتور، كانت الاضطرابات قائمة منذ بداية العقد الأول من القرن 21.

ويمثّل انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في 2002، التي طالما كانت حجر الزاوية في التوازن النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بداية تفكُّك معاهدات مراقبة أو نزع السلاح الموقَّعة بين الخصوم السابقين خلال الحرب الباردة.

ومن بين هذه المعاهدات معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى الموقَّعة عام 1987 التي تلاشت عام 2019 بعد الانسحاب الأمريكي ثم الروسي منها.

ويقول كاميل غراند: "على مستوى نزع السلاح، إنه الخراب، بصرف النظر عن نيو ستارت"، الاتفاقية الأخيرة من نوعها التي تربط الولايات المتحدة وروسيا.

كوريا الشمالية وإيران

بالإضافة إلى تفكُّك المعاهدات، شكّل انسحاب كوريا الشمالية، الأحادي الجانب عام 2003 من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، أيضاً علامة على المخاطر المتزايدة. فقد ازداد نشاط بيونغ يانغ في مجال الصواريخ البالستية بشكل خطير، مع عدد قياسي من إطلاق الصواريخ في الأشهر الأخيرة، فيما تتوقّع واشنطن وطوكيو وسيول تجربة نووية سابعة وشيكة في البلاد.

وكانت كوريا الشمالية أعلنت في سبتمبر/أيلول عقيدة جديدة تنصّ على أنها لن تتخلّى أبداً عن السلاح الذرّي، مؤكدة استخدامه لأغراض وقائية.

وقال الباحث في مركز "كارنيغي" تشونغ مين لي خلال ندوة لمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس عُقدت مؤخراً: "سنشهد أزمة خطيرة للغاية في آسيا". وفي معرض حديثه عن مخاوف الدول غير النووية في المنطقة بشأن مصداقية المظلّة الأمريكية قال: "إذا تخيّلتم الردع النووي كبالون مملوء بالماء، فإنّ هذا البالون بات فيه ثقب الآن، والماء يخرج منه".

وكل ذلك دون أخذ الزيادة السريعة في القدرات النووية الصينية في الاعتبار، الأمر الذي يُقلِق الخبراء.

فوفق تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، يمكن للصين أن تملك ألف رأس حربي نووي في غضون عقد من الزمن، وهو ما يوازي عدد الرؤوس النووية التي ينشرها الأمريكيون.

في الشرق الأوسط تتصدّر المسألة الإيرانية المخاوف، إذ يُشتبه منذ 20 عاماً بأنّ طهران تسعى للحصول على القنبلة الذرية. وتعثّرت المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى لإحياء اتفاق أُبرِمَ عام 2015 وينصّ على تقييد البرنامج النووي الإيراني في مقابل رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية.

مخاطر الانتشار

ما مستقبل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، الأداة الحيوية للأمن الدولي؟ يعكس مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقدته الأمم المتحدة في أغسطس/آب، الاضطرابات الجارية.

فقد منعت روسيا إعلاناً مشتركاً للدول الموقّعة الـ191 في اللحظة الأخيرة، وتحدّث مصدر دبلوماسي فرنسي عن "خطاب نووي عدواني غير معتاد" من جانب روسيا وحتى "ازدرائها" بمعاهدة حظر الانتشار النووي.

وقال المصدر: "شهدنا قطيعة في الموقف الروسي الذي كان تاريخياً داعماً لمعاهدة حظر الانتشار النووي".

وأشار المصدر إلى موقف الصين "الصاخب للغاية"، وقد انخرطت في "إدانة قاسية للغاية لأوكوس"، التحالف العسكري في المحيطين الهندي والهادئ بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، الذي يتمحور خصوصاً حول تسليم كانبيرا غواصات تعمل بالطاقة النووية.

وشجبت الصين تحالفاً "يعزّز الانتشار" النووي، ولكنّ المصدر أشار إلى أنها "لم تُزِل الشكوك بشأن الغموض الذي يحيط بعقيدتها النووية الخاصة، ولا بشأن سرعة زيادة حجم ترسانتها".

أكثر من أي وقت مضى، يُطرَح السؤال عن خطر تسارع انتشار الأسلحة النووية، في حين أنّ دولة خالية من الأسلحة النووية مثل أوكرانيا، تعرضت لحرب من جارتها.

ويقول الرئيس السابق لقسم القوات النووية في هيئة الأركان العامة الفرنسية للجيش جان لويس لوزييه: "يمكن لدول مثل اليابان أو كوريا الشمالية أن تطرح على نفسها سؤالاً مشروعاً، حول امتلاك القنبلة". ويضيف: "الأمر نفسه ينطبق على الشرق الأوسط، خصوصاً الجزيرة العربية وتركيا ومصر".

وتملك تسع دول حالياً السلاح النووي، وهي الأعضاء الخمس في مجلس الأمن الدولي، وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً