الرئيس السوداني عمر البشير (AFP)
تابعنا

ما المهم: برزت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، بصفتها محطة جديدة في سكة التناقضات التي يسير عليها الرئيس السوداني منذ عدة أعوام، والتي حولته في غضون فترة بسيطة من عرّاب لحركات سياسية إقليمية مثل حركة حماس، إلى مقرب من السعودية في نهايات عام 2014، وقطع علاقاته السياسية مع خصمها إيران، ثم انضمّ إلى عملية عاصفة الحزم في اليمن.

وتأكيداً لاندراج الزيارة السورية في خانة تقلّبات سياسات الرئيس البشير، يقول رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني، إنّ "أحداً لم يكن يتوقع مثل هذه الخطوة".

المشهد: بين نهاية 2015 والمرحلة الحالية زار الرئيس السوداني مختلف العواصم الإقليمية المتصارعة، وأعاد الحياة مؤخراً إلى العلاقات مع النظام المصري، كما طوّر في الوقت نفسه علاقاته بعواصم أوروبية وبالولايات المتحدة، وهي خطوات تذهب في اتجاهات متناقضة، لم يستطع أيّ رئيس عربي أو إقليمي القيام بها كما فعل البشير.

في ذات السياق، ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنّ الزيارة العربية الثانية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد زيارته إلى سلطنة عُمان في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، ستكون إلى السودان، وهو الأمر الذي نفته الخرطوم رسمياً.

ملخص هذا المشهد كان قد شرح أطّره الصحفي السوداني السر السيد أحمد، حين كتب قبل عامين أنّه على الرغم من أنّ "محكمة العدل الدولية اتَّهمت البشير بجرائمَ ضدّ الإنسانية، ها هو ذا يخلص سمعته، لترى فيه الولايات المتحدة رجلاً تصلح مجالسته، وتعتبر أوروبا بلاده ذات فائدة في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وحتى إسرائيل تشير إلى التطوُّرات الإيجابيَّة للنظام القائم".

وأضاف الصحفي في مقال نشره في مجلة أوريان 21 "السودان لا يزال هو نفسه الذي يحكمه عمر البشير، لكنّ الجديد يتمثل في نوعية القضايا التي أصبحت تؤرق الدول الغربية، فضلاً عن أن السودان بموقعه الجيوسياسي، أي بحدوده المشتركة مع سبع دول، وتواصله مع العالمين العربي والإفريقي، أصبح نقطة تركيز استراتيجية".

أما عن مشهد الزيارة الأخيرة إلى دمشق، بوصفها باتت محورية في تقلبات الرئيس البشير، فيعتبر المحاضر في الجيوسياسة في جامعة فرساي الفرنسية جلال حرشاوي، في حديث لـTRT عربي، أنّ "أحداثاً عدة وقعت منذ 2015، جعلت السودان دولة مناسبة من منظور دول الخليج المحافظة، أي الإمارات والسعودية"، لافتاً إلى أنّ "روسيا فهمت ذلك بشكل جيد للغاية، وتستخدم الخرطوم لوجستياً وجيوسياسياً ورمزياً".

الخلفية والدوافع: يعتقد المحلل السياسي السوداني فيصل محمد صالح، في حديث لـTRT عربي، بأنّ الرئيس السوداني يحاول عملياً البحث عن مخارج لأزمات التدهور الاقتصادي المستمرة، مشيراً إلى أنّ هذا هو السبب الذي يقف خلف صورة السياسات الخارجية التي تبدو مرتبكة ومتخبطة.

ويتفق الكاتب عثمان ميرغني نسبياً مع هذا التوصيف، ويتابع في سياق حديثه لـTRT عربي "السياسة الخارجية السودانية لا تقوم حالياً على ثوابت أو استراتيجية مدروسة، بل تعتمد على المبادرات التي دائماً ما يقررها الرئيس بمعزل عن مؤسسات الدولة".

وبالعودة إلى زيارة دمشق يظهر أنّ البشير قد استثمرها ضمن تقاطع خليجي روسي أوسع؛ إذ يقول الباحث الروسي في شؤون الشرق الأوسط ألكسي خلبنيكوف، في حديث لـTRT عربي، إن "واقع وصول الرئيس السوداني بطائرة روسية إلى سوريا يقول الكثير"، مشيراً إلى أن "فكرة موسكو واضحة، وتتمثل في إظهار الوضع الطبيعي الجديد لناحية أنّ الأسد بات مقبولاً، فالسودان عضو في الجامعة العربية التي استُبعدت منها سوريا، ولها أيضاً ارتباط وثيق بالسعودية، وتحرّك كهذا يندرج في سياق نشاطات أخرى تشير إلى أنّ المصالحة جارية بين وزيري خارجية البحرين وسوريا، والقرار الإماراتي بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق يسير كما هو مخطط له".

ما التالي: حين يُسأل كُتاب سودانيون أو متابعون للشأن السوداني عن طبيعة خطوات الرئيس السوداني المقبلة، فهم غالباً ما يشيرون إلى عدم التمكن من قراءة مساراتها. إلا أنّ عثمان ميرغني يلفت إلى أنّ من يدّعون صداقة الرئيس البشير "ينظرون إليه يأعين الريبة، لكثرة تقلباته بين المحاور".

TRT عربي
الأكثر تداولاً