إعلان الجيش وتسارع الأحداث في البلاد وضع حدّاً لمسلسل حُكم استمرّ ثلاثين عاماً (Reuters)
تابعنا

أدلى وزير الدفاع السوداني الفريق ركن عوض بن عوف ببيان بثّه التلفزيون الرسمي، الخميس، أعلن فيه "اقتلاع النظام"، والتحفظ على رئيس البلاد عمر البشير "في مكان آمن".

كما أعلن بن عوف تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان تُجرى في نهايتها انتخابات.

ترافق ذلك مع أنباء عن اعتقال الاستخبارات السودانية لعدد من الوجوه البارزة المقربة من البشير، وإجراء قيادات الجيش مشاوراتٍ مكثفة لتشكيل مجلس حكم انتقالي.

يأتي ذلك بعد احتجاجات بدأت منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، وتكثّفت بشكل كبير الأسبوع الماضي، لتصل إلى حد إقامة اعتصام واحتجاجات يومية أمام مقرّ قيادة الجيش ومقر إقامة البشير في العاصمة الخرطوم.

إعلان الجيش وتسارع الأحداث في البلاد يضعان حدّاً لمسلسل حُكم استمرّ ثلاثين عاماً، بدأ منذ الانقلاب الذي قاده البشير عام 1989، بدعم من قوى سياسية تحت مسمى "ثورة الإنقاذ الوطني".

انقلابٌ ناجح وسلسلة انقلابات فاشلة

عام 1987 عُين عمر حسن البشير الذي كان وقتها برتبة عقيد ركن في الجيش السوداني، قائداً للواء الثامن مُشاة، قبل أن يقوم في 30 يونيو/حزيران 1989 بانقلاب عسكري بعد أن أصبح برتبة عميد، على حكومة منتخبة بقيادة الصادق المهدي.

قاد البشير ومجموعة من الضباط الانقلاب الذي كان مدعوماً ومُنسقاً مع حزب الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي، وتولى البشير بذلك منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

تعرض البشير خلال فترة حكمه لمحاولات انقلابية للإطاحة به، كان أبرزها ما سميّ "حركة رمضان" في 24 أبريل/نيسان 1990 بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، ثمّ محاولة فاشلة عام 1992 بقيادة العقيد أحمد خالد، ونُسبت إلى حزب البعث السوداني.

تلت ذلك محاولة انقلابية في مارس/آذار 2004 اتُّهم بها حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي بعد خلاف مع البشير حول استفراده بالسلطة، وصولاً إلى الانقلاب الذي أُفشل في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

صراعات سيادة في الجنوب ودارفور

عانى البشير منذ تسلمه الحكم من ثقل تركة تعود إلى ما بعد الاستقلال عن بريطانيا، تمثّلت في نزاعين في الجنوب وفي إقليم دارفور غربي البلاد.

بعد استتباب الحكم داخلياً، دخل البشير في هدنة مع جناح من مسلحي جنوب البلاد، ووقع اتفاق سلام عام 1996 مع مجموعة رياك مشار، التي كانت انشقت عن القائد الجنوبي الأشهر جون غرنغ.

في أغسطس/آب 2003 توصل البشير إلى اتفاق آخر مع الحركة الشعبية لتحرير السودان تمت من خلاله تسوية مسائل تتعلق بالسيادة والجيش، قبل أن يوقع عام 2005 اتفاق سلام وتقاسم سلطة بين الشمال والجنوب، وإعطاء الأخير حكماً ذاتياً.

الحكم الذاتي أدى بعد عدد من التجاذبات الدولية والإقليمية إلى إعلان حكومة الجنوب إجراء استفتاء في 9 يناير/كانون الثاني 2011 لصالح الانفصال وإنشاء دولة جنوب السودان.

غرباً، لم يكن الوضع أهدأ بالنسبة للبشير الذي خاض مواجهات عسكرية متكررة في النزاع حول إقليم دارفور. نزاعٌ أدى عام 2011 إلى إقرار مجلس الأمن عقوبات اقتصادية على السودان، وحظر السفر على بعض المسؤولين في الحكومة، لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

وفي 4 مارس/آذار 2009 أصدرت في حق البشير مذكرة اعتقال من طرف المحكمة الجنائية الدولية، لارتباطه بجرائم الحرب التي ارتُكبت في دارفور.

وبعد عدد من الحروب واتفاقات السلام بين البشير وحركات دارفور المسلحة، كان أبرزها اتفاق الدوحة، نظمت الحكومة في أبريل/نيسان 2016 استفتاءً لتحديد الوضع الإداري لدارفور، خرج بنتيجة الإبقاء على الوضع الإداري القائم الذي يقسم بموجبه الإقليم لخمس ولايات، الأمر الذي لم ينه الصراع ونقله إلى ولايات غربية أخرى أبرزها جنوب كردفان.

وفي مارس/آذار 2018، قرر البشير تمديد وقف إطلاق النار في مناطق الصراع الثلاث مع حركات التمرد المسلحة غربي وجنوبي البلاد، لثلاثة أشهر انتهت في 30 يونيو/حزيران 2018.

حراك "تسقط بس"

شهد السودان احتجاجات شعبية واسعة في سبتمبر/أيلول 2013، منددة بارتفاع أسعار المحروقات، والمواد الغذائية، وسوء الأوضاع الاقتصادية، لكنها هدأت بعد قمع شديد للنظام، وقتله ما لا يقل عن 200 متظاهر.

ترشّح البشير لمنصب الرئاسة في انتخابات عام 2015، وفوزه جعل البلاد في حالة احتقان وصلت أقصاها نهاية عام 2018 بعد رفع سعر الخبز ثلاثة أضعاف.

بدأت المظاهرات الأخيرة في 19 ديسمبر/كانون الثاني في بورتسودان وعطبرة والنهود، قبل أن تتسع وتشمل عدة مدن أخرى وصولاً إلى العاصمة، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، ثمّ تحوّلت إلى دعوات لإسقاط نظام عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ 30 عاماً.

في 20 ديسمبر/كانون الأول، رفع المتظاهرون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقُتل ثمانية منهم في مواجهات مع القوات الأمنية، وتجددت التظاهرات في 21 ديسمبر/كانون الأول في مدينتي الخرطوم وأم درمان، ليظهر بعد ثلاثة أيام البشير للمرة الأولى واعداً بـ"إصلاحات جدية".

في 25 ديسمبر/كانون الأول، أكدت منظمة العفو الدولية أنّ 37 متظاهراً قتلوا بالرصاص منذ بدء الحراك، فيما تحدث البشير عن "خونة وعملاء ومرتزقة" يقومون بـ"تخريب" مؤسسات الدولة.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2019، طالب نحو 20 حزباً سياسياً بتغيير النظام، وفي الخامس من الشهر ذاته عزل البشير وزير الصحة بعد ارتفاع أسعار الأدوية.

وأعلن البشير في 14 يناير/كانون الثاني أن الاحتجاجات لن تؤدي إلى تغيير النظام، وبعد أيام سحبت السلطات اعتمادات كانت ممنوحة لمراسلين وصحافيين في وسائل إعلامية أجنبية.

في 22 فبراير/شباط، أعلن البشير حال الطوارئ وأقال الحكومة، وفي الـ24 من الشهر نفسه، أدى رئيس الحكومة الجديدة محمد طاهر أيلا اليمين الدستورية، بينما لم يتراجع المتظاهرون عن المطالبة برحيل البشير.

وفي الأول من مارس/آذار، سلّم البشير رئاسة حزب المؤتمر الوطني إلى أحمد هارون، وتراجعت وتيرة التظاهرات بسبب حالة الطوارئ والاعتقالات، لكنها تواصلت في الخرطوم وأم درمان.

في السادس من أبريل/نيسان، تجددت التعبئة بين المتظاهرين الذين تجمعوا بكثافة أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم للمرة الأولى، وفي الثامن من الشهر نفسه طالب المحتجون بفتح "تواصل مباشر" مع الجيش، من أجل "تيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة".

وقبل أيام، أكد وزير الدفاع أن الجيش لن يترك البلاد تغرق في "الفوضى"، وفي التاسع من أبريل/نيسان، أطلقت عناصر من القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المعتصمين قرب مقر القيادة العامة للجيش، وقال شهود إن الجيش أطلق عيارات في الهواء لإبعاد القوى الأمنية.

في اليوم نفسه، أمرت الشرطة قواتها بـ"عدم التعرض للمدنيين والتجمعات السلمية"، وأشارت إلى أهمية "التوافق على انتقال سلمي للسلطة".

وصباح 11 أبريل/نيسان، كانت البلاد تترقب بث بيان الجيش، والذي جاء بشكل مفاجئ وغير متوقع، إذ استيقظ الشعب على مشهد مختلف، لم يسبق أن استيقظ على مثله منذ ثلاثة عقود.

قاد البشير ومجموعة من الضباط انقلاب 1989 (Reuters)
خاض البشير مواجهات عسكرية متكررة في النزاع حول إقليم دارفور (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً