عملية نبع السلام التركية انطلقت لطرد التنظيمات الإرهابية من شمالي سوريا (وزارة الدفاع التركية)
تابعنا

يبدو جلياً تغير الموقف الأوروبي تجاه عملية نبع السلام التي نفذتها تركيا شرق نهر الفرات، بعد قبول أكبر بلدين في العالم، روسيا وأمريكا، بشرعية العملية، التي واجهت رفضاً في بدايتها من تلك الدول، ضاربة بعرض الحائط أهداف العملية الواضحة متمثلة في تطهير شمال سوريا من التنظيمات الإرهابية التي أمعنت في إذلال وتهجير المدنيين، وإنشاء منطقة آمنة تضمن عودة اللاجئين السوريين بأمان.

وسجّل التاريخ اتفاقَي تركيا مع أمريكا وروسيا بخصوص سوريا على أنهما نجاح سياسي ودبلوماسي، حسب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الذي قال إن "إرهابيي PKK/YPG سينسحبون 30 كيلومتراً من الحدود التركية نحو الجنوب بما في ذلك القامشلي"، مبيّناً أن "الجهود التي تبذلها تركيا منعت الإرهابيين من إقامة دولة لهم شمال سوريا".

والثلاثاء استضافت مدينة سوتشي قمة تركية روسية انتهت بالتوصل إلى اتفاق حول انسحاب تنظيم YPG الإرهابي بأسلحته عن الحدود التركية إلى مسافة 30 كلم خلال 150 ساعة.

وزارة الدفاع التركية

لم تعد لشنّ عملية عسكرية جديدة غير نبع السلام ضرورة، وذلك بموجب الاتفاق المتوصَّل إليه بين تركيا وروسيا بشأن سوريا، وستبدأ جهود مشتركة بين الدولتين في هذا الصدد

وأشار جاوش أوغلو إلى أهمية الاتفاقين المبرمين مع واشنطن وموسكو في إطار المطالب المشروعة لأنقرة، وذلك لتبديد المخاوف الأمنية لبلاده، متطرقاً إلى ردود الأفعال السلبية على العملية بقوله: "ردود الأفعال على نبع السلام كانت أكثر من تلك التي استهدفت عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، ونحن رددنا عليها، وقد تزايدت بسبب إحباطنا مكيدة كبيرة حيكت ضدنا ومنعنا الإرهابيين من إقامة دولة".

من جانبه أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأربعاء، بصفقتين رئيسيتين أبرمتهما تركيا مع واشنطن وموسكو بهدف إنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية-السورية. وقال ترمب في تغريدة عبر توتير، إنه نجاح كبير على الحدود التركية السورية؛ تمّ إنشاء منطقة آمنة".

ولفت الرئيس الأمريكي إلى أن "تنظيم PKK/YPG انسحب من المنطقة، والعمليات القتالية انتهت". ونوّه بـ"ضمان اعتقال إرهابيي داعش الذين أطلق تنظيم PKK/YPG سراحهم، وهو ما كان الشاغل الرئيسي للمجتمع الدولي خلال عملية نبع السلام التركية".

وشكر الرئيس الأمريكي نظيره التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، قائلاً: "شكر خاصّ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعمل جيداً لصالح بلده، وسألتقيه قريباً". وأضاف: "تركيا عضو في الناتو، وطورنا معها علاقات مميَّزة في عهد الرئيس أردوغان".

وقال ترمب إنه آن الأوان لتنسحب قوات بلاده من سوريا، وعلى دول المنطقة مساعدة تركيا وسوريا على حفظ أمنهما، مشيراً إلى أنه وجه وزير الخارجية إلى رفع جميع العقوبات عن تركيا.

تَبدُّل المواقف

أزعج منع تركيا للإرهابيين من إقامة دولة، عدة بلدان، على رأسها إسرائيل وفرنسا، في وقت حاولت فيه دول أوروبية على رأسها بريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا، إصدار قرار يعوق عملية نبع السلام، خلال اجتماع مغلق، عبر عضويتهم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لكنها فشلت في ذلك بسبب الرفض الروسي-الأمريكي.

كما أعلنت كل من فرنسا وألمانيا تعليق بيع الأسلحة لتركيا على خلفية العملية العسكرية نبع السلام التي تشنّها أنقرة شمال شرقي سوريا. وسبق أن قررت هولندا وقف جميع رخص تصدير الأسلحة إلى تركيا بصورة مؤقتة، وقالت إنها ستراقب تطورات الأوضاع في سوريا.

هذه الانتقادات والإجراءات جاءت في أثناء توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق لتعليق العملية العسكرية، يقضي بأن تكون المنطقة الآمنة في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، وانسحاب العناصر الإرهابية من المنطقة، ورفع العقوبات عن أنقرة.

وردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الانتقادات التي وجّهها عدد من الدول العربية والقوى الغربية، قائلاً إن "على الاتحاد الأوروبي أن يستيقظ من النوم، فالعملية العسكرية التي ننفذها ليست استعمارية. إذا وصفتموها بذلك فسنفتح أبوابنا ونرسل إليكم اللاجئين الموجودين على أراضينا".

وتابع "الدول التي تتكلم الآن لا تعلم أنها صدّرت الإرهابيين إلى تنظيم داعش، الذي جاء من فرنسا وألمانيا وهولندا، ونحن أرسلنا هؤلاء الإرهابيين إلى الأماكن التي أتوا منها".

وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، بأن بلاده لا تريد للاشتباكات أن تندلع مجدَّداً شمالي سوريا، فإن وزيرة الدفاع الألمانية، آنيغريت كرامب كارنباور، عادت واقترحت إنشاء منطقة آمنة تحت رقابة دولية شمالي سوريا.

وأكدت وزيرة الدفاع أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وافقت على المقترح، وأنهم نقلوه إلى حلفائهم الغربيين، مشيرة إلى أنها ستطرح المقترح خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي "ناتو" في بروكسل الخميس، ولفتت إلى أن هذه المبادرة تُعَدّ منطقية من أجل أوروبا.

وزيرة الدفاع الألمانية - آنيغريت كرامب كارنباور

الوضع في سوريا أثّر بشكل خطير على المصالح الأمنية لأوروبا وألمانيا، اللتين اتخذتا موقف المتفرج حتى الآن إزاء الوضع هناك

وأضافت: "تكمن الإجابة عن ماهية هذا الحل، في إنشاء منطقة آمنة تحت رقابة دولية بما فيها تركيا وروسيا بهدف خفض التوتر هناك، ونهدف هنا إلى مواصلة الكفاح ضدّ الإرهاب وإرهابيي داعش، وغاية أخرى تتمثل في مواصلة العملية الدستورية التي بدأت مجدَّداً بعد قرار الأمم المتحدة".

في ذات السياق انتقد نائب رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديمقراطي في البوندستاغ، يوهان فيدفول، الموقف الأوروبي والألماني، إذ يرى ضرورة مساعدة تركيا للتغلب على أزمة اللاجئين، وتقديم دعم مالي مدروس لها.

كما أشار سياسيون آخرون في الائتلاف الحاكم الألماني خلال تصريحات لـDW، إلى "تخوفات من تدهور العلاقات الألمانية مع تركيا، وتعزيز العزلة السياسية بين الطرفين"، فيما عبّر خبير السياسية الخارجية في الحزب الاشتراكي نيلز شميد، في حوار مع صحيفة هاندلسبلات، عن تفهُّمه المخاوف التركية.

ووفقاً للاتفاق التركي-الروسي المُبرَم بسوتشي الثلاثاء، فإن المنطقة الآمنة تبدأ من نهر الفرات بما فيها عين العرب وشرقي القامشلي، وتمتد حتى الحدود العراقية. وسيُخرَج الإرهابيون وأسلحتهم من الحدود السورية-التركية حتى عمق 30 كلم خلال 150 ساعة.

وستبدأ تركيا وروسيا تسيير دوريات مشتركة غرب وشرق منطقة عملية نبع السلام بعمق 10 كلم، باستثناء مدينة القامشلي عقب انتهاء مهلة الـ150 ساعة.

وكان رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، أكد استعداد بلاده للعمل مع كل الشركاء الذين يشاطرون أنقرة رؤيتها حول سوريا، مشدداً على أهمية التنفيذ العملي بهذا الصدد، مشيراً إلى أن الاتفاقين (الروسي والأمريكي) لهما نتائج إيجابية جلية حول إرساء السلام والاستقرار في سوريا.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً