الرئيس التركي وصف ماكرون بأنه "ميّت دماغياً" (AP)
تابعنا

تتصاعد الأزمة بين فرنسا ودول أخرى خاصة بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة بخصوص حلف شمال الأطلسي الذي وصفه بأنه "ميت دماغياً"، وانتقاده لعملية نبع السلام العسكرية التركية في منطقة شمال سوريا، الأمر الذي أجبر قادة بعض الدول على الرد عليه، وفتح ملف التدخلات الفرنسية في العديد من دول العالم وما سبّبه هذا التدخل من أزمات إنسانية.

في البدء رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ماكرون واصفاً إياه بأنه في "حالة موت دماغي"، تلاه رد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي اعتبرت حلف الناتو الركيزة الأساسية للدفاع عن أوروبا، ثم رد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على تصريحاته قائلاً إنها "مقرفة وإهانة كبيرة لأعضاء الناتو وللحلف الذي أدى مهمة عظيمة".

لا أحد بحاجة إلى الناتو أكثر من فرنسا، لذلك فإن تصريحهم خطير جداً، وإنني أنظر إلى ماكرون وأقول له إنه بحاجة إلى حماية أكثر من غيره

الرئيس الأمريكي- دونالد ترمب

ولفت حديث الرئيس الأمريكي عن فرنسا إلى الأزمة التي تمر بها باريس، والتي برزت بوضوح بعد مظاهرات السترات الصفراء وكيفية التعامل معها من قبل السلطات الفرنسية، والتي وضعت نقطة سوداء في تاريخ فرنسا، إذ قال ترمب "إنه تصريح مقرف جداً. أعتقد كذلك أن لديهم نسبة بطالة عالية، وفرنسا تعاني اقتصادياً أيضاً".

عقوبات أمريكية

بعد أن أقرت فرنسا ضرائب على عمالقة الإنترنت الأمريكيين، مثل غوغل وأمازون وفيسبوك وآبل، هددت واشنطن بفرض عقوبات على السلع الفرنسية بنسبة 100% ووصفتها بالتمييزية، الأمر الذي دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الثلاثاء، بالتوعد لواشنطن "برد أوروبي قوي" على تهديداتها، في حال أقرت رسوماً جمركية في وقت تزداد حدة نزاع تجاري وضريبي على صلة بالإنترنت.

وقال لومير لإذاعة راديو كلاسيك: "إن الرسوم التي هددت واشنطن بفرضها على منتجات فرنسية على غرار النبيذ واللبن والجبنة غير مقبولة"، مشيراً إلى أن بلاده تواصلت مع الاتحاد الأوروبي لضمان وجود رد قوي.

ويمكن أن تطال زيادة الرسوم النبيذَ والأجبان، اعتباراً من منتصف يناير/كانون الثاني، بعد أن اعتبر تقرير صادر عن مكتب الممثل التجاري الأمريكي أنّ الضرائب الفرنسية المعروفة برسم "غافا" وهو الحرف الأول من اسم كل شركة من الشركات الكبرى غوغل وأمازون وفيس بوك وآبل، تعاقب المجموعات الرقمية الأمريكية العملاقة، حسب فرانس24.

تساؤلات مشروعة لتركيا

أثارت تصريحات ماكرون ضد عملية نبع السلام التركية في شمال سوريا الكثير من الانتقادات التي فتحت ملفات فرنسا في إفريقيا ومالي وليبيا وغيرها من الدول، بالإضافة إلى تاريخها الاستعماري وشركاتها المشبوهة في سوريا.

"يتعين سؤال الرئيس الفرنسي عن طبيعة وجود بلاده في القارة الإفريقية وما الغاية من عملياتكم التي نفذتموها دون قرارات أممية؟"، هذا ما قاله المتحدث باسم العدالة والتنمية التركي، عمر جليك الذي أكد أن ماكرون، "آخر من يحق له الحديث عن تطلعات تركيا من حلف شمال الأطلسي"، مشدداً على أنه يتوجب على ماكرون تقديم إجابة وافية عن السؤال حول ما تفعله فرنسا في مالي.

يجب على الرئيس الفرنسي أن ينظر إلى بلده الذي ينفذ عمليات في جميع أنحاء إفريقيا من أجل حماية مصالحه الاستعمارية، ضارباً بالقانون الدولي عرض الحائط

المتحدث باسم العدالة والتنمية التركي- عمر جليك

وتحاول فرنسا الحفاظ على دورها العسكري في إفريقيا ضمن استراتيجية جديدة تضمن لها النأي بجنودها عن ساحة القتال والخسائر البشرية من جهة، وإلقاء العبء المالي في الحرب التي تخوضها منذ سنوات ضد الجماعات المتطرفة على غيرها، إذ أعلنت السعودية التبرع بـ100 مليون دولار للمساعدة في جهود مكافحة المتطرفين في منطقة الساحل الإفريقية، فيما أعلنت الإمارات مساهمتها بـ30 مليون دولار.

وأوضح جليك أن ماكرون أكثر من أدلى بتصريحات ضد عملية نبع السلام، وفي الوقت ذاته أكثر من استضاف قياديي التنظيم الإرهابي، مشدداً على أن تصريحاته محاولة لإنعاش ماضي فرنسا الاستعماري في سوريا عبر جُمل برّاقة.

وأشار جيلك إلى أن ماكرون هو أكثر الأشخاص انزعاجاً من العمليات التي أعاقت إنشاء دويلات إرهابية شمالي سوريا، وأنه أيضاً الأكثر استضافةً للقيادات الإرهابية.

من جهته، تساءل الرئيس التركي عن الاتفاقية التي تخوّل فرنسا دخول سوريا، موضحاً أن تركيا لديها حدود مشتركة مع سوريا على طول 911 كيلومتراً، وأن "اتفاقية أضنة" تمنح تركيا الحق في دخول سوريا لمحاربة الإرهاب.

فرنسا تتجاهل مخاوف تركيا في سوريا، وتحاول في الوقت ذاته أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا البلد

الرئيس التركي- رجب طيب أردوغان

وانتقدت الرئاسة التركية، تصريحات الرئيس الفرنسي؛ إذ قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن إن "ماكرون يواصل كسر الكؤوس كأساً تلو الأخرى، ولا يزال يطلب الشاي وهو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي رفض بدء مفاوضات انضمام شمال مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أن الأخيرة حققت كافة طلبات الاتحاد بما في ذلك تغيير اسم البلاد إلى جمهورية شمال مقدونيا".

في السياق ذاته، قلل وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، من تصريحات ماكرون، قائلاً إنها "لن تجد صدى"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى بعض الأطراف في تأسيس دولة إرهابية شمالي سوريا، وأن عملية "نبع السلام"، قوضت تلك الخطة.

نكافح الإرهاب في شمال سوريا، وحُماة تلك المنظمة الإرهابية تتم استضافتهم في القصر الرئاسي الفرنسي باستمرار، وينبغي لماكرون إدراك أن تركيا حليف في الناتو، وعليه أن يقف بجانب الحلفاء

وزير الخارجية التركي - مولود جاوش أوغلو

لافارج وجرائم ضد الإنسانية

سبق ووضح الرئيس التركي أن السبب الوحيد وراء قيام تركيا بعملية نبع السلام في شمال سوريا، "هو قلب تلك المناطق على رؤوس من يريدون تأسيس دولة إرهاب"، مؤكداً اكتشاف الجيش التركي تحصيناتٍ وأنفاقاً ضخمة في المنطقة، وتساءل "من أين حصل هؤلاء الإرهابيون على الإسمنت لبناء كل تلك الأنفاق؟".

واستدرك: "إنه مصنع لافارج العائد للفرنسيين، على فرنسا دفع ثمن هذا أولاً، فحكومتها تدعم المنظمات الإرهابية وتحتضنها".

وأثيرت قضية مصنع لافارج سابقاً، في مقالَين نُشرا في صحيفتي "لوموند" و"ليبراسيون" يومي 23 و24 أبريل/نيسان بعنوان من "كان على علم بأنشطة مجموعة لافارج في سوريا؟" وأثار المقالان جدلاً كبيراً، إذ كشف مقال "ليبراسيون" علمَ الاستخبارات الفرنسية بأنشطة عملاق صناعة الإسمنت في سوريا، في حين أشار مقال "لوموند" إلى الاهتمام الذي توليه السلطات القضائية للمساهم الرئيسي في الشركة، مجموعة بروكسل لامبير.

وتخضع مجموعة "لافارج" الفرنسية، التي اندمجت مع مجموعة "هولسيم" السويسرية عام 2015، لتحقيق قضائي منذ العام 2017 لتمويلها فصائل مسلحة سورية من بينها تنظيم داعش الإرهابي، لضمان استمرار عمل مصنعها في بلدة جلابية أثناء الحرب، مما عرّض حياة موظفيها السوريين للخطر، ولا يزال حتى الآن سبعة من كبار موظفي المجموعة رهن التحقيق، حسب فرانس24.

وكان القضاء الفرنسي ألغى تهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية في سوريا" الموجهة إلى مجموعة "لافارج" لصناعة الإسمنت، فيما أبقى على تهم تمويل الإرهاب وانتهاك حظر وتعريض حياة عاملين سابقين في مصنعها بسوريا للخطر"، حسب وكالة الأناضول.

وفي ليبيا، تدعم فرنسا مليشيات حفتر سراً وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً علناً، وسياسة فرنسا في ليبيا غير مفهومة؛ فهي تبدو أحياناً مع الجهود الأممية من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة، وتؤكد دعمها لحكومة طرابلس وتستقبل السرّاج وتبحث معه عن حل للأزمة، في وقت تُعتبر فيه باريس من أبرز الدول الداعمة لخليفة حفتر الذي يشن عملية عسكرية على العاصمة، ويقصف قوات الحكومة التي يعترف بها المجتمع الدولي.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً