كيف تعيد روسيا ترتيب أوراقها في ليبيا؟ (AP)
تابعنا

تتجه روسيا لإعادة ترتيب أوراقها في ليبيا، بعد أن وضعت في ما سبق بيضها كله في سلة الشرق الليبي، وتسعى حالياً لفتح سفارتها بطرابلس، في ذروة حربها بأوكرانيا.

وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده "تعتزم استئناف عمل سفارتها في طرابلس في المستقبل القريب"، وأنه سيجري "تعيين سفير روسي هناك، سيُعلَن عنه قريباً" .

وفي 20 سبتمبر/أيلول الجاري قبِل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتماد السفير الليبي امحمد المغراوي، بعد نحو 10 أشهر من تعيينه في هذا المنصب.

روسيا بين حكومتين

ما يثير المفارقة أن روسيا تعترف بحكومة فتحي باشاغا، منذ اليوم الأول من اعتمادها من مجلس النواب بطبرق، في مارس/آذار الماضي، إلا أن إعادة فتح سفارتها في طرابلس يعني ضمنياً اعترافها بحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

ولا يمكن لروسيا الاعتراف بحكومتين في بلد واحد، إلا إذا كان "وراء الأكمة ما وراءها"، ولا يوجد أي تطور ملحوظ بشأن تحسين علاقاتها بحكومة الوحدة في طرابلس.

فلا تبادل للزيارات بين المسؤولين في الحكومة الروسية ونظرائهم في حكومة الوحدة الليبية، ولا حتى اتصالات هاتفية بين بوتين والدبيبة، أو على الأقل بين وزيرَي خارجية البلدين، فالعلاقات "السياسية" إلى وقت قريب كانت باردة إلى متوترة.

وحكومة الدبيبة، على ضعفها، تمكنت من توجيه سهام مؤلمة إلى روسيا في الأمم المتحدة، إذ كادت تكون ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي صوّتَت لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان.

فلم يسبق أن قطعت روسيا جميع حبالها مع طرابلس، مثلما يجري اليوم، حتى في أوج خلافاتها مع الغرب الليبي، عندما دعمت هجوم قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر، على طرابلس في 2019، حدثت اتصالات مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، الذي زار موسكو، في يناير/كانون الثاني 2020 في أوج الحرب.

ففي الوقت الذي يسعى فيه الغرب لعزل روسيا عن المجتمع الدولي، تحاول موسكو فكّ تطويقها دولياً من خلال تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية، وتشكيل عالم متعدد الأقطاب، وليبيا جزء من هذه الاستراتيجية.

في هذا السياق قال بوتين، لدى قبوله أوراق اعتماد السفير الليبي، إن "روسيا مهتمة بحل الصراع الذي طال أمده في ليبيا، وتعوّل على استئناف عملها بها في جميع المجالات، فالنظام العالمي يتغيّر حالياً، والعالم يتجه نحو التعددية القطبية".

وتسعى روسيا لتحييد حكومة الوحدة الليبية من صراعها مع الغرب، وفتح قنوات تواصل معها، بخاصة أنها تحظى بالاعتراف الدولي والأممي.

كما أن حكومة الدبيبة تتحكم في إيرادات النفط، إذ ارتفعت صادرات النفط الليبية إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً، ما وضعها كثاني أكبر مصدر للنفط في إفريقيا بعد تراجع إنتاج نيجيريا.

كما تحتلّ ليبيا المرتبة الرابعة إفريقياً في تصدير الغاز الطبيعي، بعد الجزائر ونيجيريا ومصر.

بالتالي تشكل ليبيا رقماً له ثقله في أزمة الطاقة العالمية والصراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي حول إمدادات الغاز والنفط، بخاصة في الشتاء المقبل.

وموسكو حريصة على أن تكون لها سفارة في منطقة آمنة بطرابلس، على غرار المنطقة الخضراء في بغداد، أو مجمع للسفارات، يُشيَّد مقر سفارتها وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار سلامة العاملين فيها، بخاصة أنها اضطُرّت إلى إغلاق مقرّ سفارتها في 2014 بسبب التدهور الأمني.

واقع جديد

ورغم النفوذ القوي لروسيا في شرق ليبيا وجنوبها، عبر شركة فاغنر، وتحالفها مع حفتر، فإن استمرار اعتراف المجتمع الدولي بحكومة الوحدة، وعدم تَمكُّن حكومة باشاغا من دخول طرابلس وإسقاط الحكومة المنافسة، خلق أمراً واقعاً لا مفرّ منه.

وتمكُّن حكومة الدبيبة، من الانتصار عسكرياً في جميع المواجهات مع الكتائب الداعمة لحكومة باشاغا في طرابلس، بل وطردها من مقراتها وسط العاصمة وحتى على أطرافها، أبرز أن قوة وحيدة أصبحت تتولى فرض الأمن في طرابلس، بدل كتائب متعددة الولاءات.

هذا الواقع الميداني أظهر أن من الصعب إسقاط حكومة الدبيبة عسكرياً، ناهيك بإسقاطها سياسياً، وتَجلَّى ذلك من خلال تَمكُّن وزيرة خارجية حكومة الوحدة من رئاسة مجلس وزراء الجامعة العربية بالقاهرة رغم اعتراض مصر وانسحاب وفدها من الاجتماع.

فحكومة الدبيبة، أصبحت تحظى بالتفاف تحالف قوي لكتائب المنطقة الغربية، وتأييد عربي ودولي، بخاصة من الجزائر، حليفة روسيا، التي لا يمكنها القفز على هذا الواقع.

لذلك فموسكو مضطرة إلى التعامل مع المعطيات الحالية في طرابلس، دون أن يعني ذلك تخليها عن دعم حكومة باشاغا، وهذا ما تجلى في تأكيد موسكو أنها ستفتتح قنصلية لها أيضاً في مدينة بنغازي (شرق)، مركز قيادة قوات حفتر.

زيارة عقيلة صالح

ما يدفع روسيا أيضاً إلى فتح سفارتها في طرابلس، سعيها للعب أدوار سياسية في حل الأزمة الليبية، أو على الأقل إدارتها بشكل يخدم مصالحها واستراتيجيتها في المنطقة.

فطرابلس شهدت في السنوات الأخيرة عدة حكومات، تغيّرت إما بتفاهمات سياسية مثل حكومتي الوفاق والوحدة، وإما عبر القتال على غرار حكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل، وإما بالضغط كالحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، أو حتى عبر المحكمة الدستورية مثل حكومة أحمد معيتيق.

فالاستقرار الحكومي ليس صفة تتمتع بها طرابلس، لذلك تعوِّل روسيا على تغيير ما، تساهم فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتولي شخصية قريبة منها رئاسة الحكومة أو رئاسة المجلس الرئاسي.

وفي هذا الصدد يُتداول إعلامياً على لسان نواب في البرلمان الليبي، أن عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق، ماضٍ في خطة جديدة يتولى خلالها رئاسة المجلس الرئاسي مقابل إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الانتخابات الرئاسية ثلاث سنوات.

ورغم نفي مجلس النواب هذه الادعاءات، فلا أحد ينكر أن صالح ترشح لرئاسة المجلس الرئاسي في فبراير/شباط الماضي، ضمن قائمة تضمّ أيضاً باشاغا مرشحاً لرئاسة الحكومة.

ولا يُستبعَد أن تبحث زيارة صالح لموسكو، التي لم يحدَّد تاريخها بعدُ، خيارات الحلّ السياسي بين الشرق والغرب الليبيين، وأن يسعى لحشد دعم روسيا والدول المؤثرة لمشروع جديد، يُحضَّر بكثير من التكتم.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً