من المرتقب أن تكون احتجاجات هذا الأسبوع نوعاً من الردّ الشعبي على التطورات السياسية التي شهدتها الجزائر مؤخراً (Reuters)
تابعنا

تتصادف جمعة الاحتجاجات العشرون ضد رموز نظام بوتفليقة في الجزائر، مع احتفال البلاد بالذكرى الـ57 لنهاية الاحتلال الفرنسي عام 1962. كذلك فإنها تأتي قبل موعد انتهاء الفترة الانتقالية في 9 يوليو/تموز الجاري، والتي حدّد الدستور مدتها بـ90 يوماً.

وكان المجلس الدستوري وهو أعلى هيئة قضائية في الجزائر، ألغى الانتخابات التي كانت مقررة في 4 يوليو/تموز "لاستحالة" تنظيمها، وهي حالة "لم ينص عليها الدستور". هذا الوضع اللادستوري أعطى زخماً للحراك، ما دفع السلطة إلى مطالبة المتظاهرين بالابتعاد عن "المطالب غير الواقعية التي من شأنها إطالة أمد الوضع الحالي".

حالة الاختناق السياسي، واستمرار الاحتجاجات التي من المرتقب أن تصل إلى أوجها، الجمعة، جعل السلطة تبحث عن مخرج للأزمة، باقتراح الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، الأربعاء، تشكيل هيئة حوار من أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية، واعداً بأن الدولة بما فيها الجيش ستلتزم الحياد التام خلال العملية.

الجُمعة الـ20.. زخم تعبويّ وشحن هوياتيّ

بدأ المحتجون في الخروج للجمعة العشرين منذ بداية الحراك الشعبي في البلاد في 22 فبراير/شباط الماضي، التي تتزامن هذا الأسبوع مع الذكرى الـ57 لعيد الاستقلال والشباب. ويرتقب أن تكون احتجاجات هذا الأسبوع نوعاً من الردّ الشعبي على التطورات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخراً.

وتعيش البلاد في حالة تأرجح دائم في موقف السلطة التي تتراوح بين استفزاز الشارع من جهة، ومحاولات التهدئة من جهة أخرى. يظهر ذلك جلياً في حملة الاعتقالات التي طالت عناصر في الحراك الشعبي بعد صدور أوامر تتعلّق بمنع رفع الرايات والأعلام "غير الوطنية" خلال المسيرات، في إشارة إلى الأعلام الأمازيغية.

صدور أحكام بالسجن في حق عدد كبير من المعتقلين، جعل، حسب موقع TSA الجزائري، بعض القوى السياسية بما فيها الأحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء "البديل الديمقراطي"، تحوّلها إلى وقود لحشد مسيرات الجمعة العشرين.

ودعت أحزاب البديل، في بيان الثلاثاء، إلى "التظاهر بشكل جماعي للمطالبة بالرحيل النهائي للنظام، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي، ووقف جميع التدابير القمعية واحترام الحريات الديمقراطية".

من جهتها، دعت مبادرة "الاتفاق من أجل حماية الوطن" الجزائريين للخروج بقوة يوم الجمعة إلى الشارع تنديداً "بالاعتقالات وبكل أنواع التجاوزات والتضييق السياسي والإعلامي"، مطالبين "السلطة القائمة باتخاذ كل الإجراءات والقرارات في اتجاه التهدئة، كتعبير حقيقي عن فتح الحوار للخروج من الانسداد السياسي السائد".

دعوة غير واضحة للحوار

لم يعطِ الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح في خطابه، الأربعاء، تفاصيل عن روزنامة الحوار، غير إشارته إلى أنه "ستجري قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قِبل شخصيات وطنية مستقلّة، ذات مصداقية وبلا انتماء حزبي أو طموح انتخابي شخصي".

والتزم بن صالح هذه المرة بأن "الدولة بجميع مكوناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية، لن تكون طرفاً في هذا الحوار، وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا المسار"، وستكتفي فقط "بوضع الوسائل المادية واللوجستية تحت تصرف الفريق" الذي يقوم به.

ويعتبر هذا الالتزام استجابةً لأحد المطالب الرئيسية للحركة الاحتجاجية، التي طالبت بتشكيل مؤسسات مستقلة عن رموز "النظام" الحاكم منذ عقود لإدارة المرحلة الانتقالية، غير أن الحراك لا يزال مرتاباً من نوايا السلطة.

في هذا الصدد، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر نور الدين بكسي، إن "الشكوك ستبقى" حتى "تجسيد" مقترحات بن صالح. فعلى الرغم من "الخطاب الإيجابي وخارطة الطريق المعقولة"، فإن بكسي عاب على الحوار "غياب آليات ووسائل" إطلاقه، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

من جهته، قال رئيس جمعية "تجمّع - عمل - شباب" عبد الوهاب فرساوي، إنّه يفضّل الانتظار ليرى "الشخصيات التي ستُختار"، بما أن الحركة الاحتجاجية ترفض كل من له علاقة "بالنظام".

هناك أزمة ثقة بين المحتجين والسلطة الحاكمة، إذن، كما يوضح الباحث الاجتماعي ناصر جابي، الذي يقول إن "الشعب لم يتراجع وهو ينتظر ليعرف الأسماء".

واعتبر جابي الذي كان أحد الداعين لتظاهرات كبرى، الجمعة، أن من بين إجراءات التهدئة وحسن النية التي يمكن اتخاذها: وقف اعتقال المتظاهرين، وفتح التلفزيون الحكومي لمشاركة المحتجين في النقاش، حسب ما نقلته عنه وكالة الصحافة الفرنسية.

مستقبل حُكمٍ مُبهم

سبق لبن صالح أن أعلن أن "الوضع الاستثنائي" يفرض عليه "مواصلة تحمل مسؤولية رئاسة الدولة حتى انتخاب رئيس جديد".

لذلك سيبقى في الحكم بعد التاسع من يوليو/تموز، "خارج أي إطار" دستوري، كما أشارت المؤرخة كريمة ديرش الباحثة في مركز البحث العلمي بفرنسا، في حديثها لوكالة الصحافة الفرنسية.

وبالنسبة للمحتجين والعديد من المراقبين، فإن الرئيس الانتقالي ليس هو الحاكم الفعلي، بل الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش، الذي أصبح في واجهة اللعبة السياسية بعدما لعب دوراً مفصلياً في إزاحة بوتفليقة ودفعه للاستقالة.

واعتبرت ديرش أن السلطة لا يمكنها أن "تصمد طويلاً" في هذا الوضع الحالي، وأشارت إلى أن السلطة اعتقدت أن فترة انتقالية من ثلاثة أشهر كافية "لإقناع الحركة الاحتجاجية بالحل الانتخابي في أقرب الآجال".

تقدير السلطة كان خاطئاً إذن، و"إذا استمر المأزق فإن الجزائر يمكن أن تدخل مرحلة أكثر توتراً" كما حذرت الباحثة.

وأضافت ديرش أنه في حال رفض اقتراح بن صالح للحوار، لا يزال بإمكان رئيس الأركان الفريق قايد صالح قبول "إنشاء هيئة مستقلة تتولى الرئاسة المؤقتة"، معتبرة أن "هذا السيناريو معقول، إذ سبق أن تنازلت السلطة ولم تتردد في إزاحة الرئيس وفريقه"، لكنها تداركت بالقول إن "النظام لا يريد التفاوض بأي ثمن"، محذرة من أن السيناريو الآخر "هو العنف".

فبالنسبة إلى الحركة الاحتجاجية فإن المراقبين "العارفين بأمر البلد يرون أن المسيرات أظهرت محدوديتها"، لذلك "يجب الآن إيجاد حل سياسي"، لكن تتبقى أمامها معرفة "كيفية التفاوض على خارطة الطريق"، كما خلصت كريمة ديرش.

صدرت أوامر من السلطات تتعلّق بمنع رفع الرايات والأعلام "غير الوطنية" خلال المسيرات، في إشارة إلى الأعلام الأمازيغية (Reuters)
لم يعطِ الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح في خطابه، الأربعاء، تفاصيل عن روزنامة الحوار (AFP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً