قرار البرلمان العراقي إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد يثير غضباً أمريكياً (Reuters)
تابعنا

تتوالى الأحداث الساخنة في الشرق الأوسط بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، و8 آخرين، في قصف جوي أمريكي في بغداد، لتتطور التهديدات من التوعد بالرد إلى خطوة عملية اتخذها البرلمان العراقي الذي صوَّت بالأغلبية الأحد، على قرار يطالب الحكومة بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي على أراضي البلاد، وتقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن ضدّ الولايات المتحدة لـ"انتهاكها سيادة العراق".

هذا القرار جاء بعد توصية رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، البرلمان باتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد، معتبراً أن "عملية الاغتيال كانت عملية اغتيال سياسي، أثارت جدلاً قانونيّاً واسعاً حتى في الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها"، وتساءل: "كيف يمكن للعراق أن يقبل وقوع هذه العملية على أرضه ويعتبرها بمثابة عمل يخدم البلاد؟".

وبنظر الحكومة العراقية تتوقف البلاد أمام خيارين، أولهما العمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد بإجراءات عاجلة، وثانيهما العودة إلى مسوَّدة قرار كانت مطروحة أمام مجلس النواب قبل مجيء حكومة عبد المهدي، ينصّ على أن شروط وجود القوات الأجنبية في العراق تنحصر في دورها بتدريب القوات الأمنية العراقية ومساعدتها على ملاحقة عناصر داعش الإرهابي".

الحكومة العراقية ذهبت إلى الخيار الأول على الرغم من الصعوبات المترتبة عليه، فهو برأيها الأفضل للعراق لإعادة تنظيم علاقات صحيحة وصحية مع أمريكا وغيرها من الدول على أساس الاحترام المتبادل واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

تملك بغداد قبل وقوع عملية الاغتيال أداوت ضغط وضبط كثيرة، لكننا فقدنا جزءاً مهماً منها، وأبو مهدي المهندس لعب دوراً كبيراً في السيطرة على الفصائل المسلحة ومنعها من ارتكاب انتهاكات

عادل عبد المهدي - رئيس الوزراء العراقي

هذه الخطوة أثارت غضب الولايات المتحدة، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس إن بلادها "تشعر بخيبة أمل إزاء الإجراء الذي اتُّخذ في مجلس النواب العراقي "لبدء العمل على إنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق"، مضيفة أنها تنتظر "مزيداً من التوضيح بشأن الطبيعة القانونية" للقرار.

من جانبه، شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تصريحات للصحفيين على أن القوات الأمريكية لن تنسحب بشكل كامل من العراق ما لم يُعوَّض الجيش الأمريكي عن النفقات الباهظة التي دفعها في قاعدة جوية هناك.

شرعية القرار وصعوبة التطبيق

يوضح القانوني والباحث السياسي أيمن خالد لـTRT عربي قانونية خطوة البرلمان العراقي ومدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع قائلاً: "من صلاحيات البرلمان العراقي تشريع مثل هذه القوانين والمطالبة بتنفيذها، ولكن المشكلة تكمن في ارتباط العراق بمعاهدات غير متكافئة يطلق عليها معاهدات الإذعان التي تقام في أثناء الحروب، يوقّع فيها الطرف القوي مع الطرف الضعيف فيُملِي الأول على الأخير أشياء كثيرة وصعبة".

ويضيف: "بموجب اتفاقية 2008 ربطت الولايات المتحدة العراق بموادَّ وفقرات قاسية جدّاً، لذلك أصبح من الصعب على الحكومة العراقية تنفيذ هذا القرار ولو امتلكت الطرق القانونية لاتخاذه وإقراره، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لديها قوانين أعلى من الاتفاقية هي محاربة الإرهاب وملاحقة من يعبث بالمصالح الأمريكية".

ويمثّل الباحث السياسي لكلامه قائلاً: "يوم احتلال العراق دخلت أمريكا من باب آخر بعيد عن الشرعية الدولية، وقالت إن العراق يهدِّد السلم الدولي، ثم طلبوا في النهائية من المنظمة الدولية أن يكونوا دولة محتلة لينفّذوا قانون الاحتلال".

ويجيب خالد عمَّا إذا كان قرار البرلمان العراقي مُلزَماً إخراج القوات الأجنبية قائلاً: "الحكومة العراقية لا تنفّذ من طرف واحد، هي تحاول نقض الاتفاقية، ولهذا الأمر إجراءات قانونية قد تطول لسنوات خلال التباحث بين الطرفين، وهناك إجراءات من بينها إخطار الطرف الآخر وإبداء الأسباب الموجبة للأمر ومناقشة إذا ما كان القرار صحيح أم لا، لذلك ففي الموضوع القانوني إشكاليات كبيرة".

ويرجح خالد أن واشنطن قد تحاول الالتفاف على مباحثات إنهاء الاتفاقية، مبرِّرة بأنه لا يجوز إدخال أي جهة أجنبية معادية للولايات المتحدة إلى العراق وفق الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، والعراق أدخل قاسم سليماني الذي تعتبره واشنطن عدوّاً، الأمر الذي يشير إلى عدم خرقها أي قانون.

وعن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في تنفيذ القرار يقول الباحث السياسي: "القرارات السيادية يأخذها من ينوب عن الحكومة، لذلك لا مشكلة في أن تتخذ حكومة تصريف الأعمال في العراق قراراً كهذا، ولا مشكلة قانونية في ذلك".

وكانت الخارجية العراقية استدعت الأحد سفير واشنطن ماثيو تولر وأبلغته إدانتها الضربات الجوية الأمريكية التي أدت إلى مقتل سليماني، وطالبت واشنطن بـ"منع استخدام أراضي العراق في تنفيذ اعتداءات على دول الجوار".

يمثل اغتيال سليماني انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق ولجميع الأعراف والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول

وزارة الخارجية العراقية

وشدّد وكيل وزارة الخارجية العراقية في خطابه مع السفير الأمريكي على أن "ما حدث من اعتداءات يخالف ما اتُّفق عليه من مهامَّ للتحالف الدولي، الذي ينحصر دوره في محاربة تنظيم داعش الإرهابي وتدريب القوات الأمنية العراقية، بالتنسيق مع الحكومة العراقية".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً