إسرائيل لم تنفِ ارتكابها جرائم حرب خلال ردها على المحكمة الدولية  (AA)
تابعنا

قبل أسبوع واحد فقط، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية نصّ قرار صادر عن قاضي المحكمة العليا يستحاق عميت، مدعوماً بتوصية من القاضي ذائع الصيت ميني مزوز والقاضي ألكس شطاين، وهو قرار يكشف في فحواه عن عدم تعامل السلطات الإسرائيلية بجدية مع شكوى قدمها مواطن فلسطيني من سكان الضفة الغربية، وادعى فيها أن أشجار زيتون في أرضه تعرضت للقطع، في حين أحرقت مساحات واسعة من القمح في حقله الخاص.

القضاة الإسرائيليون أشاروا إلى أن السلطات لم تُحرّك ساكناً إزاء هذه الشكوى سوى فتح محضر تحقيق فيها، ولعل هذه قضية واحدة من بين مئات القضايا التي تتعامل فيها السلطات الإسرائيلية بتجاهل مطلق إزاء شكاوى يقدمها فلسطينيون يتعرضون لانتهاكات بالضفة الغربية وقطاع غزة.

الأسبوع الماضي، أعلنت محكمة الجنايات الدولية في لاهاي أنها بصدد التحقيق بجرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وعلى الفور وقبل صدور أي تصريح من القيادات الإسرائيلية، نشرت الصحف الإسرائيلية نتائج "تحقيق" جيش الاحتلال في الحادثة التي عُرفت باسم "مجزرة عائلة السواركة" في قطاع غزة.

وكان الاحتلال استهدف منزلاً يتبع عائلة السواركة في دير البلح في غزة قبل نحو شهرين، ما أدى إلى مقتل 9 من أفراد العائلة بينهم 5 أطفال وامرأتان.

وزعم جيش الاحتلال في محضر التحقيق أن المنزل قُصف لتحديده كبنك أهداف للجيش بسبب نشاط عسكري شهده خلال العام الماضي، مشيراً إلى أنه أجرى تحقيقاً لتوضيح الأسباب التي منعت الجيش من التعرف على وجود مدنيين في الموقع الذي استهدفه خلال جولة التصعيد". وادعى الاحتلال أنه "جرى تقديم عدد من التوصيات لتقليل احتمال تكرار مثل هذه الأحداث الاستثنائية".

ويأتي نشر تحقيق الجيش على شكل محاولات إسرائيلية استباقية لتبرير انتهاكها حقوق الإنسان في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ وضعت المحكمة الدولية الاحتلال أمام أسئلة صعبة للغاية، يسعى قادته إلى التهرب منها عبر تبرير أفعالهم تارة، والتشكيك في مصداقية المحكمة واتهامها باللا سامية ومعاداة الشعب الإسرائيلي تارة أخرى.

تشير صحيفة "يسرائيل هيوم" إلى أن تل أبيب تأخذ الموضوع على محمل الجد، إذ قرر نتنياهو فرض السرية التامة على المناقشات المتعلقة بالأمر بهدف عدم الكشف عن تحركات إسرائيل المستقبلية بشأن هذه القضية الحساسة.

وتقول إن إسرائيل منذ إعلان المحكمة الجنائية عن قرارها، وهي في حالة نقاشات واسعة على المستوى السياسي بشأن مواجهة التعامل مع قرار المدعية العامة في المحكمة. وتشير الصحيفة إلى أنّ نتنياهو قرر نقل جميع المناقشات حول القضية إلى المجلس الوزاري الأمني المصغر وفرض السرية على محتوى هذه النقاشات.

إحاطة مثيرة ورواية ضعيفة

على الفور وبعد أن أعلنت المحكمة الدولية قراراها، دُعي الإعلاميون الأكثر تأثيراً على صعيد محلي ودولي في إسرائيل إلى ما يُعرف بـ"إحاطة" خاصة، يُدعى إليها عادة من أجل إرشاد الإعلاميين إلى آليات الرد على مواقف دولية أو محلية وماهية الرد الإسرائيلي عليها.

الإحاطة التي وصفتها الكاتبة في صحيفة "هآرتس" نيعة لينداو بأنها كانت مفاجئة وسريعة، دعا إليها كل من نائب المستشار القضائي للشؤون الدولية روعي شيندورف ومستشار وزارة الخارجية طال بيكر، اللذين أكدا خلال الجلسة ما كان قد صدر عن مكتب رئيس الحكومة من رد قال فيه إنه "لا توجد أي صلاحيات قانونية للمحكمة الدولية للتحقيق فيما يتعلق بالشؤون الإسرائيلية الفلسطينية".

تقول الكاتبة لينداو: "يبدو مثيراً جداً للاهتمام، لم يقولوا إن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب، بل شددوا فقط على أن المحكمة فاقدة للأهلية".

الاعتراف بالاحتلال

وتشير إلى أن نائب المستشار القضائي قال خلال جلسة تلقين الإعلاميين إن "الفلسطينيين يسعون لكسر الأطر المتفق عليها مع الإسرائيليين، وهم من خلال توجههم إلى المحكمة الدولية يدفعون هذه المحكمة إلى إصدار قرارات متعلقة بمسائل سياسية يجب حلّها من خلال مفاوضات بين الجانبين وليس من خلال مسار قضائي".

تقول الكاتبة: "عن أي مسار سياسي خيالي كانوا يتحدثون؟ أين يجري الخوض فيه بالضبط؟ إسرائيل خلال السنوات الماضية كانت ترفض التوصل إلى أي حل سياسي أكثر من الفلسطينيين، وهي التي دفعتهم إلى التوجه للمحكمة الدولية، لأنه لم تتبقَّ لديهم أية حلول أخرى".

تضيف لينداو: "المسؤولون الإسرائيليون يدّعون أيضاً أن فلسطين ليست دولة ذات سيادة، وبناءً على ذلك لا يمكنها التوجه إلى المحكمة الدولية، كذلك لا يحق للمحكمة أن تحقق في مثل هذا الأمر، وهنا يتعيّن على الإسرائيليين أن يعترفوا بأحد الأمرين: فإما يوجد احتلال ولا توجد دولة، أو توجد دولة ولا يوجد احتلال!".

تقول الكاتبة: "الفلسطينيون لا يستطيعون بطبيعة الحال الادعاء من جانب واحد بأنهم محتلون وأن إسرائيل هي من تسيطر على الأمور كافة، وكذلك لا يستطيعون القول إن لديهم دولة ذات سيادة، ولكن إسرائيل نفسها من تجعلهم في مثل هذه الحيرة، عندما تحمّلهم مسؤولية كل ما يجري في الضفة الغربية من جهة، وتمنعهم من التحكم بشكل رسمي في تلك المنطقة من جهة أخرى، هل قررت إسرائيل مؤخراً إن كانت السلطة الفلسطينية دولة أم تحكم منطقة محتلة؟".

وتوضح: "مجرّد اعتراف إسرائيل بأن فلسطين ليست دولة ذات سيادة، فإنها بذلك تعترف بأن الضفة الغربية هي منطقة محتلة".

وتشير الكاتبة إلى أنه قد آن الأوان الذي يجب أن تقرر فيه إسرائيل وهي في خضم مساعيها لإقناع المحكمة الدولية ببراءتها "هل الفلسطينيون مستقلون أو محتلون؟، وهل ستبدأ إسرائيل بضم الضفة الغربية أو إجراء مفاوضات وتقديم تنازلات؟".

جرائم يومية.. باب الهروب مغلق

بدوره، يقول الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي إن "دولة إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو متهمان حالياً بارتكاب جرائم حرب، والاثنان أيضاً يسعيان للتهرب من هذه التهم من خلال وصم المؤسسة القضائية التي تحقق فيها بصفات مختلفة".

ويضيف في مقال: "الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل كدولة أشد من تلك الموجهة إلى نتنياهو كرئيس وزراء، ولذلك فإن تهرُّبها من القانون سيكون صعباً للغاية".

ويعتقد ليفي أن المواطنين الإسرائيليين لا يعلمون شيئاً عن الجرائم التي تُرتكب من يوم إلى آخر، أخبروهم فقط بأن جيشهم هو الجيش الأخلاقي الوحيد في العالم، وابتلعوا ذلك الطعم بكل سهولة، حتى تحوّل كل من يسمي الأمور بأسمائها في إسرائيل إلى لا سامي".

ويقول إن "احتمال إجراء إسرائيل تحقيقاً داخلياً بجرائمها ليس قائماً، ولذلك لم يعد أمل سوى في المحكمة الدولية، هناك حيث تُقام المحاكمات لمرتكبي جرائم الحرب الذين لا تحقق دولهم في جرائمهم ولا تُحاسبهم عليها، وإسرائيل مثل تلك الدول".

ويوضح: "هل يوجد حقاً من يظن أنه وخلال الحرب على غزة عام 2014 لم ترتكب جرائم حرب؟ حتى في اليوم الأسود في رفح؟ هل يوجد من يظن مجرد الظن أن السيطرة بالقوة على أراضي مواطنين وبخسهم حقوقهم لا يعد تعدياً فاضحاً على القانون الدولي؟ هل يوجد رجل قانون واحد عاقل يمكنه القول إن قتل المئات من المتظاهرين السلميين قرب الجدار العازل في قطاع غزة ليس جريمة حرب؟

يقول ليفي إن "الحديث لا يجري فقط حول جرائم حرب ارتكبت في الماضي، الجرائم مستمرة حتى الآن وبقوة حتى خلال كتابة هذه الأسطر، ولا حل في الأفق لوقفها سوى بإسقاط من يرتكبها، إسرائيل لن تفعل ذلك من تلقاء نفسها فقط المحكمة الدولية يمكنها فعل ذلك، عندما يخشى الوزراء وقيادات الجيش السفر، ساعتها فقط سيفكر قائد تلك الطائرة مرتين قبل أن يطلق الصواريخ على غزة ويقتل المواطنين هناك".

لماذا لا تنكر إسرائيل جرائمها؟ 

ويشير إلى أن الطريق لا تزال طويلة، ذلك أن إسرائيل لا تزال ماضية في تهديداتها للمجتمع الدولي، "ولكن إنجازاً واحداً تحقق بفعل هذه المحكمة، إسرائيل لم تنكر ارتكابها للجرائم، ولم تسعَ إلا إلى التشكيك في قانونية المحكمة الدولية وأحقيتها بفتح تحقيق".

ويؤكد أن المؤسسات القضائية في إسرائيل وكذلك النيابة العسكرية لا تتعامل بجدية مع الجرائم التي ترتكب في حق الفلسطنيين، "النيابة العسكرية الإسرائيلية مجرد مقبرة لملفات جرائم الحرب، وإسرائيل تستهين بالقانون الدولي منذ عشرات السنين ولا تدفع ثمن أفعالها، ولكن وقت الحساب قد اقترب على ما يبدو".

أين حدود إسرائيل؟ 

في معرض رده على قرار المحكمة الدولي، قال المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبليت إن "القرار مرفوض، إسرائيل دولة قانون وديمقراطية، ملتزمة بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية، وقائمة على مؤسسات قضائية قوية ومتجذرة، لا مكان لدينا لأي تدخل من قِبل المحكمة الدولية".

تقول صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في مقال لهيئة التحرير تعليقاً على تصريحات المستشار القضائي: "ندعوه فقط إلى توضيح مسألة غاية في الأهمية، ما حدود دولة إسرائيل؟ وهل السكان من غير اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية يتمتعون بهذه الديمقراطية؟ وكذلك الحقوق مثل حقهم في اختيار حاضرهم وشكل مستقبلهم؟ أو المشاركة في الانتخابات، أو الحصول على الحق في المحاكمات المنصفة والعادلة؟".

إسرائيل تضيّق الخناق على الفلسطينيين وتحيط الضفة الغربية بجدار عنصري فاصل (AFP)
الغارات الإسرائيلية تقتل المئات من الأطفال في غزة  (AA)
المحاكم الإسرائيلية لا تتعامل بجدية مع شكاوى المواطنين الفلسطينيين  (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً