مسؤولون فلسطينيون وصفوا قرار الحكومة الإسرائيلية بـ"القرصنة" (AP)
تابعنا

يستمر الاحتلال الإسرائيلي في التضييق على الشعب الفلسطيني باستخدام وسائل عدة تحرمه من أبسط حقوقه، ونظراً لتحكمه في مناحي الحياة في الأراضي المحتلة كافة، يُمعن قادته في سَنّ القوانين التي تضر بالفلسطينيين، والتي كان آخرها مصادقة المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي "الكابنيت"، على مقترح لوزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينيت، باقتطاع 149 مليون شيكل من الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، وهو المبلغ الذي صرفته السلطة خلال عام 2018، كمخصصات للأسرى الفلسطينيين.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يبحث فيه الاحتلال الإسرائيلي ملف التهدئة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ووسط التضييق الذي يفرضه على إجراء انتخابات فلسطينية، إذ يمنع إجراءها في القدس المحتلة، وهو شرط عقدها بالنسبة للسلطة الفلسطينية.

طالما استمرت السلطة الفلسطينية في دفع رواتب الأسرى، سيتم خصمها من أموال الضرائب الخاصة بهم حتى آخر شيكل. ولن تكون هناك تنازلات في الحرب من أجل حماية المواطنين الإسرائيليين

نائب وزير الجيش الإسرائيلي - آفي ديختر

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تأتي تنفيذاً لقانون أقره الكنيست أواخر العام الماضي، إلا أنها "قد تؤثر سلباً على العلاقات مع السلطة الفلسطينية"، حسب ما قاله المحلل السياسي في القناة 13 الإسرائيلية باراك رافيد.

ونوه رافيد إلى أن اقتطاع أموال المقاصة "قد يؤدي لاضطرابات ميدانية"، مشيراً إلى أنه "يتعين على الحكومة أن تقرر نوع العلاقة التي تريدها مع السلطة الفلسطينية".

عقوبات جماعية

تصرفات الاحتلال الإسرائيلي تأتي كعقوبة جماعية على الشعب الفلسطيني، إذ إنه يرفض أي تعاون أو اعتناء بعائلات الأسرى والشهداء من قبل السلطة الفلسطينية.

وتعود قيمة الاقتطاع من عائدات الضرائب للحسابات التي أجرتها إسرائيل العام الماضي، لحجم المعاشات التي دفعتها السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى، حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، التي أكدت في تقرير لها أن الاقتطاع سيؤدي إلى تجدد الأزمة مع السلطة الفلسطينية.

وبحسب الصحيفة، يعتقد الوسطاء الدوليون أن هذه الخطوة ستشعل الأزمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، كما فعلت عندما اتخذت إسرائيل قراراً مماثلاً في تموز/يوليو 2018 سعت بموجبه إلى الاقتطاع من أموال الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية كل شهر، زاعمة أن "السلطة الفلسطينية كانت تستخدم هذه الأموال لدعم الأنشطة الإرهابية، من خلال تخصيص رواتب للأسرى وعائلاتهم". وفق الادعاءات.

هذا التصرف أجبر السلطة في المرة السابقة على رفض تلقي المبلغ المتبقي من المال، لتدخل في أزمة مالية عميقة كادت أن تؤدي إلى انهيار اقتصادي كامل في الضفة الغربية، وحاولت الأمم المتحدة ومصر وأعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي إيجاد حل عن طريق التخلي عن تقديم المساعدات المالية لأهالي الأسرى والجرحى، لكن لم يُقبل هذا الحل بعد.

غضب فلسطيني

هذه الخطوات غير القانونية والمتكررة لن تثني القيادة عن مواصلة القيام بواجباتها تجاه الأسرى وعائلات الشهداء

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية- حنان عشراوي

وستصل الأموال المقتطعة إلى 650 مليون شيكل، ما يعيد الفلسطينيين إلى مربع جديد للأزمة التي حاولت السلطة تجاوزها، حيث جاءت المؤشرات الاقتصادية على عكس كل التوقعات، وارتفعت وتيرة النمو المحلي الإجمالي مع نهاية عام 2019 بنسبة 1.9%، إذ كان متوقعاً لها دولياً أن تصل إلى 2.7% سالب.

من جانبها اعتبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي في بيان لها، أن قرار الكابينيت الإسرائيلي، "سرقة منظمة ومتعمدة لأموال ومقدرات الشعب الفلسطيني، وابتزاز مالي وسياسي يعكس نهج دولة الاحتلال القائم على تجريم جميع أشكال المقاومة، وإلصاق تهمة الإرهاب بأبناء شعبنا وشيطنته وإنزال عقوبات جماعية بحقه".

وكرد فعل عملي على تلك الخطوة، قال وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، إن السلطة ستواصل صرف مخصصات أسر الشهداء والأسرى مهما كان الثمن، مشيراً إلى أن "القيادة تدرس الخطوات الواجبة للرد على هذه القرصنة".

أوضاع داخلية متوترة

يأتي هذا القرار بعد اتفاق بين حركتي فتح وحماس على إجراء انتخابات، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لمصالحة فلسطينية داخلية، ومع ذلك، "أغلق الباب أمام صناديق الاقتراع عندما طلبت السلطة الفلسطينية من إسرائيل السماح لسكان القدس الشرقية بالتصويت في الانتخابات، إذ "لم تستجب إسرائيل بعد لطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأمين حق التصويت للمقدسيين"، حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

ويمكن التنبؤ بسهولة بعدم رغبة إسرائيل بحدوث الانتخابات في القدس من خلال القمع المنهجي لأنشطة الفلسطينيين في القدس الشرقية خلال السنوات الأخيرة، حسب الصحيفة.

من جانب آخر، تسعى إسرائيل هذه الأيام لتثبيت التهدئة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وهو الملف الرئيسي على طاولة الكابينيت في اجتماعه الأخير، وهو الأمر الذي يعكس القيود السياسية في إسرائيل، حسب ما قاله الكاتب الإسرائيلي عاموس هارئيل في مقال له بصحيفة هآرتس، فبرأي الكاتب "قبل حوالي شهرين من الانتخابات، يحتاج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى شرعية واسعة لأعماله في غزة، وهو ما يعكسه تجنيده وزراءَ متطرفين مثل بينيت ووزير النقل بيزاليل سموتريتش، لينزع فتيل بعض الانتقادات المتوقعة بشأن تقديمه تنازلات لحماس".

وتعتبر أموال المقاصة المصدر الرئيس للإيرادات المالية الفلسطينية، بنسبة 63% من مجمل الإيرادات، وبقيمة شهرية متوسطها 700 مليون شيكل.

وفي 17 شباط/فبراير الماضي، قررت الحكومة الإسرائيلية، خصم 11.3 مليون شيكل شهرياً، من عائدات المقاصة، كإجراء عقابي على تخصيص السلطة مستحقات للأسرى وعائلات الشهداء، ما دفع الأخيرة لرفض تسلم كل أموال المقاصة.

ومنذ أكثر من عقدين، تقتطع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، شهرياً، مبالغ تصل قيمتها لأكثر من 5 ملايين دولار في بعض الأحيان، من أموال المقاصة، تقول إنها بدل تحويلات طبية فلسطينية لإسرائيل أو بدل ديون كهرباء.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً