أذربيجان تنتصر وأرمينيا تقر بالهزيمة في إقليم قره باغ المحتل (AA)
تابعنا

منذ ثلاثة عقود يستمرّ الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، إذ يرزح نحو 20% من أراضي أذربيجان، بما فيها إقليم قره باغ تحت الاحتلال الأرميني، وهي حقيقة تؤكّدها 4 قرارات من مجلس الأمن الدولي وقراران من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتطالب جميعها بانسحاب قوات الاحتلال الأرمينية من قره باغ وسبع مناطق أخرى محتلة، متجاورة في أذربيجان.

وخلال الصراع في منطقة ناغورني التي تقع في قره باغ المحتل الذي امتد أكثر من 30 عاماً، أصبح أكثر من مليون أذربيجاني مشردين داخلياً، في حين قتل 20 ألف شخص في عمليات عسكرية وأصيب 50 ألف آخرون بجروح، حسب أرقام أذربيجانية رسمية.

كما فُقد ما لا يقل عن 4 آلاف أذربيجاني خلال النزاع، ولا يزال مصيرهم مجهولاً، فيما أسرت القوات الأرمينية أكثر من ألفَي أذربيجاني وأخذتهم رهائن.

وأدت جولة الصراع الأخيرة التي بدأت بعدما شن الجيش الأرميني هجمات على مناطق سكنية حدودية في أذربيجان في 27 سبتمبر/أيلول 2020، ما أدى إلى مقتل 11 مدنياً وفق مكتب المدعي العام في أذربيجان، إلى تفجير الأوضاع على الحدود بين البلدين، وكان الرد بإطلاق الجيش الأذربيجاني عملية في قره باغ، تمكَّن خلالها من تحرير العديد من المدن والقرى في الإقليم المحتل.

وخلال الاشتباكات التي استمرت بشكل يومي وعلى مدار 24 ساعة، توصلت أذربيجان وأرمينيا إلى وقف إطلاق نار "مؤقت" لأغراض إنسانية في إقليم قره باغ ثلاث مرات، لكن أرمينيا كان تخرق تلك الهدن في كل مرة، وقد أقرت إحداها على أساس بيان رؤساء دول مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 1 أكتوبر/تشرين الأول، وبيانات الرؤساء المشاركين لمجموعة مينسك في 5 أكتوبر/تشرين الأول، ووفقاً لإعلان موسكو في 10 أكتوبر/تشرين الأول، لكن أرمينيا خرقت الهدنة بعد أقل من 24 ساعة باستهدافها بالصواريخ مدينة كنجة، ثاني أكبر المدن الأذربيجانية من حيث السكان، موقعة 10 ضحايا و35 جريحاً.

وخلال الفترة ما بين 27 سبتمبر/أيلول و9 نوفمبر/تشرين الثاني، قُتل 93 مدنياً وأصيب 407 آخرون بجروح مختلفة الخطورة. كمذلك فإن 3326 بيتاً و120 مبنى كثيرة الشقق و504 منشآت مدنية أصبحت غير صالحة تماماً، جراء تعرُّضها للقصف الصاروخي والمدفعي المكثف من قِبل قوات الاحتلال الأرميني، حسب وكالة الأنباء الأذربيجانية.

جرائم الأرمن.. قنابل فسفورية وتخريب للآثار

وخلال جولة الاشتباكات الأخيرة التي امتدَّت نحو شهرين، نفذت القوات الأرمينية ما وُصف بأّنه "جرائم حرب" بحق المواطنين الأذربيجانيين في قره باغ، واستخدمت أسلحة محرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض، كما استهدفت المدنيين بقنابل عنقودية، وعمدت إلى تخريب الآثار في المنطقة، في مسعى لتحريف التاريخ.

وقال رئيس وقف الثقافة والتراث التركي الدولي غوناي أفندييف، إن تخريب أرمينيا التراث الثقافي والطبيعة في إقليم قره باغ الأذربيجاني، هو نتيجة لا إنسانية لعدوانها.

وأعرب أفندييف في بيان له، عن قلقه إزاء استهداف القوات الأرمينية للآثار التاريخية والطبيعة في قره باغ، موضحاً أن الآثار التاريخية في المنطقة ليست لأذربيجان وحدها، وإنما للعالم التركي وسائر الشعوب.

واعتبر أن "نسب الكنائس المسيحية الألبانية إلى الأرمن وإهانة الآثار الدينية الإسلامية وتخريب الميراث الطبيعي الثري عبر حرق الغابات الغنية بالحيوانات والنباتات هي نتائج للعدوان غير الإنساني لأرمينيا".

وأكد أن الوقف يدين بشدة الأعمال الإجرامية الهادفة إلى محو الآثار التاريخية في المنطقة، داعياً المجتمع الدولي لعدم الصمت إزاء هذا العدوان.

وخربت القوات المحتلة الهياكل المعمارية القيّمة، كما دمرت عمداً الآثار التاريخية والطبيعة ونهبتها واستخدمتها لأغراض أخرى، وبذلك تكون قد ألحقت ضرراً كبيراً بالتاريخ الثقافي للعالم.

كما نشرت أذربيجان سابقاً مقاطع مصورة تظهر قيام محتلين أرمينيين بتربية الخنازير في مساجد وتحويلها إلى حظائر في قره باغ.

أسلحة محرمة دولياً

وفي ذروة الاشتباك، كشفت وزارة الدفاع الأذربيجانية بحصولها على معلومات استخبارية، إحضار أرمينيا كمية كبيرة من القنابل الفسفورية إلى منطقة الاشتباكات.

وحذرت الوزارة في بيان، من إمكانية استخدام أرمينيا قنابل الفوسفور في الصراع المتواصل في إقليم قرة باغ المحتل.

وأوضح البيان، أن وحدات الفوج الثالث التابع للفرقة 37 من الفيلق الأول في الجيش الأرميني في محور مدينة خوجافند غربي أذربيجان، الواقعة تحت الاحتلال الأرميني، أحضرت كمية كبيرة من القنابل الفوسفورية، حسب معلومات استخبارية أذربيجانية.

وكشفت الوزارة أن القوات الأرمينية استخدمت قذائف تحوي الفوسفور الأبيض، في قصف المناطق السكنية المدنية.

تجنيد مرتزقة

وخلال جولة الصراع الذي هُزمت في نهايتها أرمينيا، سعى الجيش الأرميني لتجنيد مرتزقة أجانب، هذا بالإضافة إلى دعوة الشعب الأرميني لحمل السلاح والانضمام إلى مليشيات مسلحة تعمل تحت عباءة الجيش.

وكان السفير الأذربيجاني في اليابان غورسل إسماعيل زادة، كشف أن بلاده تملك أدلة على تجنيد إرهابيين من دول مختلفة من الشرق الأوسط ضمن الجيش الأرميني.

وأوضح السفير في ندوة حول التطورات الأخيرة المتعلقة بالمعارك الدائرة في قره باغ المحتل أن السياسة العسكرية لأرمينيا باتت أعنف عقب زيارة رئيس الوزراء نيكول باشينيان إلى الإقليم العام الماضي.

وأكد إسماعيل زادة أن الجيش الأرميني انتهك القانون الدولي، مضيفاً: "جرى تجنيد إرهابيين من دول مختلفة من الشرق الأوسط في الجيش الأرميني وجعلهم يقاتلون، ولدينا أدلة على أن العديد من اللبنانيين والسوريين وبعض الإرهابيين يقاتلون إلى جانب أرمينيا ضد أذربيجان".

من جانبها، قال وزارة الدفاع التركية إنه يجب على أرمينيا سحب الإرهابيين والمرتزقة، وإنهاء احتلالها لأراضٍ أذربيجانية من أجل السلام بالمنطقة.

إعلان النصر

وبعد كل تلك المعارك وتكبيد الجيش الأذربيجاني للقوات الأرمينية خسائر فادحة استسلمت أرمينيا، إذ أعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان فجر الثلاثاء أنّه وقّع اتفاقاً "مؤلماً" مع كلّ من أذربيجان وروسيا، لإنهاء الحرب في إقليم قره باغ الذي تحتلّه أرمينيا.

وقال باشينيان في بيان على صفحته في موقع فيسبوك: "لقد وقّعتُ إعلاناً مع الرئيسين الروسي والأذربيجاني لإنهاء الحرب في قره باغ"، واصفاً هذه الخطوة بأنّها "مؤلمة بشكل لا يُوصَف، لي شخصياً كما لشعبنا".

بدوره أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف النصر في المعارك التي خاضها جيش بلاده مع قوات الاحتلال الأرمينية في قره باغ، وإجبار رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان على توقيع اتفاق يقضي بتسليم 3 محافظات محتلة.

وفي خطاب متلفز للشعب الأذربيجاني فجر الثلاثاء، أعلن علييف أيضاً وقفاً نهائياً للاشتباكات في قره باغ بين بلاده وأرمينيا، بموجب الاتفاق الجديد الموقَّع الذي بدأ سريانه منتصف ليل الاثنين-الثلاثاء.

كما لفت إلى أنّ الاتفاق ينصّ على نشر قوات حفظ سلام روسية في قره باغ لمدة 5 سنوات، قابلة للتمديد في حال عدم اعتراض الأطراف الموقّعة.

وينص الاتفاق على تسليم 3 محافظات تحتلها أرمينيا لبلاده خلال فترة زمنية محددة، وهي كلبجار حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وآغدام حتى 20 من الشهر نفسه، ولاتشين حتى 1 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

مكاسب سياسية

من جانب آخر، تحولت المكاسب العسكرية إلى مكاسب سياسية، حسب وصف الباحث في الشأن الأذربيجاني في مركز TRT للأبحاث وران غفارلي.

وقال غفارلي لـTRT عربي إن بوتين وإلهام علييف وقَّعا على اتفاقية وقف إطلاق نار، وهو ما يمكن اعتباره بكل تأكيد انتصاراً أذربيجانياً".

وأضاف: "رئيس وزراء أرمينيا وقَّع على الاتفاق قسراً، لأنه يعلم جيداً أن قوات بلاده خسرت الحرب ميدانياً أمام أذربيجان وفقدت كثيراً من قوتها، والآن تحاول تحقيق بعض المكاسب على الطاولة"، مؤكداً أن "نصر أذربيجان في الميدان انعكس على طاولة المفاوضات".

ونوَّه الباحث في الشأن الأذربيجاني بأن "الواقع الآن صار جديداً، فالحدود والأراضي المحتلة صارت من الماضي وفرضت أذربيجان نفسها في الميدان، وهذا سينعكس على الخريطة والواقع، وستتقبله روسيا والعالم، وأذربيجان حققت مكاسب عسكرية تفيدها بشكل كبير على طاولة المفاوضات".

وتابع: "أذربيجان لديها ماضٍ عريق في الدبلوماسية، وعلييف يعلم أن الدبلوماسية لا تحقق شيئاً قبل تحقيق انتصار على أرض الواقع، لأن الواقع الجديد سيفرض نفسه على كل الدول التي ستضطر إلى الوقوف بجانب الشرعية عاجلاً أم آجلاً".

وختم غفارلي قائلاً: "شروط أذربيجان سوف تتحقق وليس لدى أرمينيا أي قوة لوضع شروط، ولدى تركيا وروسيا القدرة على تحقيق سلام بالمنطقة ومراقبته. القضية انتهت لصالح أذربيجان. هذا ما يمكن قوله الآن".

مبادرات تركية وروسية

من جانبه، قال الخبير العسكري غوراي ألبار في حديث لـTRT عربي إن "التوصل إلى الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان جاء بعد مبادرات تركية وروسية وأذربيجانية كانت مستمرة منذ بداية المواجهات الأخيرة".

وأضاف: "الجيش الأذربيجاني استطاع الحفاظ على تقدُّمه ميدانياً في الإقليم المحتل وكبّد القوات الأرمينية خسائر فادحة، لذلك كانت هذه النهاية محتمة وواضحة وهي انعكاس لما كان يجري في الميدان".

وأوضح أن "بنود الاتفاق كانت ملائمة جداً لأذربيجان ولهذا قبلت به، بخاصة أنه يمنحها ممراً للصلة المباشرة مع تركيا، ويعيد إليها أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا".

وأشار إلى أنه بموجب الاتفاق "سيجري تسليم عدة مناطق محتلة لأذربيجان خلال أيام، فيما تُسلم مناطق إضافية مع نهاية الشهر الجاري".

الرئيس الأذربيجاني يعلن أن اتفاق وقف إطلاق النار في قره باغ يتضمن تشكيل مركز قيادة لقوات حفظ السلام بإشراف تركي-روسي (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً