المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تدين أحد أعضاء حزب الله في اغتيال رفيق الحريري وتؤكد وجود دوافع سياسية للاغتيال (AP)
تابعنا

أثار الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والمعنية بالتحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005، عدداً من التحليلات والتفسيرات لمغزى الحكم، الذي وإن كان أدان أحد أعضاء حزب الله اللبناني، فإنه أشار إلى عدم وجود الأدلة الكافية التي تُثبت تورُّط قيادة الحزب أو حليفته سوريا في عملية الاغتيال، على الرغم من وجود "دوافع سياسية ربما لديهما لاغتيال الحريري"، وفقاً للمحكمة.

دوافع سياسية

اعتبرت المحكمة المنعقدة في مدينة لاهاي الهولندية، عملية اغتيال الحريري التي دشّنت مرحلة جديدة في تاريخ لبنان الحديث، ذات "دوافع سياسية"، إذ إن العملية نفّذها "أشخاص شكّل الحريري تهديداً لهم".

وبعد 13 عاماً من تاريخ تأسيسها و6 أعوام من بدء المحاكمة، أدانت المحكمة متهماً وحيداً من أربعة غيابياً هو سليم عياش، أحد أعضاء حزب الله ويبلغ عمره 56 عاماً، فيما قضت ببراءة ثلاثة متهمين آخرين هم حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا.

وقال رئيس المحكمة القاضي ديفيد راي في ختام حكم استغرقت تلاوته ساعات: "تُعلن غرفة الدرجة الأولى سليم عياش مذنباً بما لا يرقى إليه الشك بصفته شريكاً في ارتكاب عمل إرهابي باستخدام مادة متفجرة، وقتل رفيق الحريري عمداً، بالإضافة إلى قتل 21 شخصاً غيره، ومحاولة قتل 226 شخصاً آخرين"، هم الجرحى الذين أصيبوا في الانفجار المروع الذي وقع بتاريخ 14 فبراير/شباط 2005.

وأضاف القاضي أن المتهمين الآخرين حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا "غير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة إليهم".

وحوكم عنيسي (46 عاماً) وصبرا (43 عاماً) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيّف بثته قناة الجزيرة، تدّعي فيه جماعة وهمية المسؤولية عن الاغتيال، فيما وجِّهت إلى مرعي (54 عاماً) اتهامات بالتورط المباشر في العملية.

عرفنا الحقيقة اليوم جميعاً وتبقى العدالة التي نريد أن تنفّذ مهما طال الزمن.

سعد الحريري معلِّقاً على حكم المحكمة

"على حزب الله أن يضحي"

من جهته اعتبر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري نجل رفيق الحريري، الذي حضر جلسة الحكم، أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كشفت "الحقيقة"، مُعلِناً "قبول" الحكم، ومطالباً بـ"تنفيذ العدالة".

وأضاف أن "المحكمة حكمت ونحن باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسم عائلات الشهداء والضحايا نقبل حكم المحكمة"، مؤكداً: "عرفنا الحقيقة اليوم جميعاً وتبقى العدالة التي نريد أن تنفّذ مهما طال الزمن".

وتابع: "صار واضحاً اليوم أن شبكة تنفيذ الجريمة خرجت من صفوف حزب الله.. المطلوب من حزب الله أن يضحي اليوم.. فنحن لن نستكين حتى يُنفّذ القصاص". وشدد الحريري على أن اللبنانيين "لن يقبلوا بعد اليوم أن يكون وطنهم مرتعاً للقتلة أو ملجأ للهروب من العقاب".

وأضاف: "نقبل حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ونريد تنفيذ العدالة، ولا تنازل عن حق الدم"، كما أكّد أن هذه المحكمة كانت مطلباً شعبياً، ومصداقيتها جاءت من تبرئة 3 متهمين، وإدانة الرابع.

وفيما لم يعلِّق حزب الله مباشرة على حكم المحكمة التي اعتبرها سابقاً "أداة سياسية بيد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل"، فقد كان أمينه العام حسن نصر الله أعلن في خطاب الجمعة، أن الحزب سيتعامل مع قرار المحكمة "وكأنه لم يصدر".

مأزق سياسي

في سياقٍ متصل، رأى النائب في البرلمان اللبناني عن تيار المستقبل سامي فتفت أن "المحكمة لعبت دورها وأكّدت أنها غير مسيّسة"، مضيفاً في حديث لـTRT عربي: "كنا نتوقع وجود أدلة أكثر من التي أُعلِن عنها، ولكن من الواضح أن المحكمة لم تستطع الحصول سوى على هذه الأدلة".

وتابع فتفت: "إن لم يستجب حزب الله لمطلب تسليم المتهم المدان المنتمي إليه، فإن البلاد قد تشهد مأزقاً سياسياً"، لا سيما أن الحزب "لا يعيش حالياً أفضل أيامه، خصوصاً بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي يعلم الجميع أن حزب الله مهيمن عليه ويمتلك أسلحة به، حتى إن لم تكن له علاقة مباشرة بالانفجار".

واستدرك النائب اللبناني: "لا ننكر أن حزب الله مكوِّن سياسي مهم في لبنان، ولكن حزب الله كحركة عسكرية يجب أن يُقدِّم شيئاً للمكوّنات السياسيبة الأخرى في لبنان".

وأشار فتفت إلى أن "لبنان يمر بفترة صعبة للغاية في تاريخه"، مؤكداً أن الظروف التي تشهدها البلاد حالياً لا تسمح لأي طرف سياسي بالتصرف الأحادي والتمادي في غطرسته، كما أن غالبية مواطني الشعب اللبناني لا تثق في كامل الطبقة السياسية الحاكمة.

في المقابل، رأى الباحث السياسي منير ربيع أن "عدم توجيه المحكمة اتهامات مباشرة إلى قيادة حزب الله من شأنه فرض متغيرات سياسية على الساحة اللبنانية".

وأضاف ربيع لـTRT عربي، أنه "من الناحية السياسية، لم يعد من الصعب على سعد الحريري قبول تشكيل حكومة بعض أعضائها منتمون إلى حزب الله مثلما كان الحال من قبل".

أبرز ردود الفعل

أثار إصدار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها في قضية اغتيال رفيق الحريري، ردود فعل بين السياسيين اللبنانيين، اتفق أغلبها على أن الحكم من الممكن أن يكون فرصة جديدة للتوافق السياسي.

فرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي قال إن "اليوم وبعد حكم المحكمة الخاصة، يجب أن نربح لبنان الذي آمن به الرئيس الشهيد (رفيق الحريري) وطناً واحداً موحّداً"، وأضاف: "ليكن لسان حال اللبنانيين العقل والكلمة الطيبة".

بدوره أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، عن أمله في أن "يشكِّل حكم المحكمة الدولية، معبراً لإحقاق العدالة وإرساء الاستقرار"، مؤكداً: "نستذكر اليوم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي ترك بصمات مضيئة في تاريخ لبنان، وستبقى إنجازاته في حاضر اللبنانيين ومستقبلهم".

من جهته، رأى رئيس الحكومة الأسبق تمّام سلام أن "قرار المحكمة هو ساعة للتأمل وإعمال العقل، والتفكر في سبل إنقاذ البلاد مما هي فيه والسعي على الرغم من كل المرارات، للحفاظ على الوحدة الوطنية".

وأضاف سلاّم في بيان: "أخيراً قالت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كلمتها في قضية حُفِرت عميقاً في قلب كل مواطن لبناني حر، هي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي أُريد منها تعميم الظلام في بلد النور، وقتل الحلم باستقلال حقيقي للبنانيين".

أمّا رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، فقال في بيان: "مع صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الحريري، يدخل لبنان زمن العدالة عن كل جرائم الاغتيال والعنف السياسي التي دفع اللبنانيون أثماناً باهظة بسببها على مدى سنوات طويلة".

وفي وقت سابق من الثلاثاء، دعا الرئيس اللبناني ميشال عون، إلى القبول بأي قرار يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري، منتقداً في الوقت ذاته بطء إجراءت المحاكمة.

والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي أول محكمة في العالم للتحقيق في قضية اغتيال، وأول محكمة تتناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بذاتها، وتعمل المحكمة بمقتضى نظام هجين مستمَد من القانون الجنائي اللبناني، وقضاء لبناني-دولي مختلط، والولاية الرئيسية للمحكمة هي محاكمة المتهمين بتنفيذ التفجير.

ويأتي الحكم بعد أسبوعين على الانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت وأحياء كاملة من العاصمة اللبنانية، وكانت المحكمة أعلنت على إثر الكارثة التي تسببت بسقوط ما لا يقل عن 177 قتيلاً وأكثر من 6500 جريح، إرجاء إصدار حكمها الذي كان مقرراً أن يصدر في 7 أغسطس/آب الجاري.

وحدّدت المحكمة 21 سبتمبر/أيلول المقبل، موعداً لإصدار العقوبة بحق عياش في اغتيال الحريري، عبر تفجير أثناء مرور موكبه بالعاصمة بيروت، في 14 فبراير/شباط 2005.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً