محمد بن سلمان يتوسط الشيخ محمد  الفوزان عضو هيئة كبار العلماء (يمين)  والشيخ عبد العزيز آل الشيخ رئيس الهيئة (وكالة الأنباء السعودية)
تابعنا

لم تمض أسابيع قليلة على إعادة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز تكوين هيئة كبار العلماء في السعودية، حتى خرجت الهيئة ببيان يعتبر جماعة الإخوان المسلمين "حركة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام".

ومنذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بالسعودية في يونيو/حزيران 2017، واستحواذه على معظم المناصب السيادية، اتجهت السعودية إلى التخفيف من التمسك بالمفاهيم الأساسية "الأصولية" لدعوة محمد بن عبد الوهاب من دون الانقلاب عليها، ولحقت هيئة كبار العلماء بالركب، وتحوّلت إلى أداة بيد السلطة كما يصفها مراقبون.

على النقيض من ذلك، وعلى الرغم من السعي الحثيث للنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي إلى السيطرة على مؤسسة الأزهر التي تحظى بأهمية دينية محلية وإقليمية ودولية، إلا أن تلك الجهود لم تثمر حتى اللحظة في ظل صمود "شيخ الأزهر" أحمد الطيب ومعارضته لكثير من القضايا بما لا يتسق مع رؤية النظام ما تسبب بأزمة متواصلة بين الأزهر والدولة.

وبينما تتخذ جماعة الإخوان المسلمين من مصر قاعدة لانطلاقها، وفي ظل الحملة الشرسة التي يقودها نظام السيسي وأذرعه السياسية والأمنية والدينية والإعلامية المختلفة ضد الجماعة التي ُيعتقل قياداتها في السجون بعد الانقلاب العسكري 2013، إلا أن شيخ الأزهر رفض تكفير الجماعة رغم معارضته لسياستها بشكل حاد وظهوره في البيان الذي تلاه السيسي عقب انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي ينتمي للجماعة.

وعكس ذلك تماماً، سارعت هيئة كبار العلماء بالسعودية إلى تبني موقف السلطات عقب إعادة تكوينها، وخرجت ببيان يتماشى ورؤية محمد بن سلمان الذي أعلن الحرب على الجماعة وكل من يمُت إليها بصلة، إذ وصفت الإخوان بأنها "جماعة منحرفة قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد".

القمع.. مبرر؟ 

ولا تقتصر الاختلافات بين الأزهر كمؤسسة دينية ضخمة، وبين هيئة كبار العلماء في السعودية على الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، ففي الوقت الذي رفض فيه الأزهر المجزرة التي أوقعها النظام المصري أثناء فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة اللذين اعتصم فيهما مواطنون رافضون للانقلاب العسكري، تصمت هيئة العلماء في السعودية على القمع في السجون، واعتقال مئات الدعاة والمشايخ والمعارضين لسياسة محمد بن سلمان رغم إدانة هيئات أممية لهذا القمع.

وفي حين تقول الأمم المتحدة إن الحرب في اليمن "خلّفت أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية بياناً اعتبرت فيه حملة "عاصفة الحزم" التي تمثل التحالف بقيادة السعودية المتهم بارتكاب جرائم باليمن بأنها "جهاد في سبيل الله".

عداء الإسلام.. موقف هزيل للسعودية

مؤخراً، قامت ضجة كبيرة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد الإسلام والتي قال فيها إن" الإسلام يعيش في أزمة"، وكذلك رسومات شارلي إيبدو المسيئة للرسول الكريم، وكان الأزهر على رأس المؤسسات الدينية الكبرى التي عارضت الهجمة الفرنسية.

وخلال استقباله لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إنه يتعهد "بملاحقة كل من يسيء إلى النبي محمد أمام المحاكم الدولية"، مؤكداً رفضه لوصف "الإرهاب الإسلامي".

وقال الطيب إن "الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مرفوضة تماماً، وسيتابع الأزهر من يُسيء لنبينا الأكرم في المحاكم الدولية، حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك الأمر فقط".

وفي سياق متصل، قال مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، في بيان نشره في صفحته على فيس بوك، إنه "يستنكر التصريحات الأخيرة الصادرة عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي اتهم فيها الإسلام باتهامات باطلة لا علاقة لها بصحيح هذا الدين الذي تدعو شريعته للسماحة والسلام بين جميع البشر حتى من لا يؤمنون به".

وأكد المجمع التابع للأزهر أهم المؤسسات الدينية في مصر والعالم الإسلامي أنّ "مثل هذه التصريحات العنصرية من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم ممن يتبعون هذا الدين الحنيف".

وبينما حظي موقف الأزهر هذا بترحاب على مستوى العالم الإسلامي، وجّهت انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي للسعودية التي حاولت وسائل إعلامها التخفيف من وطأة حملة "مقاطعة المنتجات الفرنسية"، إضافة إلى هيئة كبار العلماء السعودية.

هيئة كبار العلماء، أصدرت بياناً وصف بأنه "ضعيف"، إذ علّقت بالهجوم على الإسلام والنبي بالقول إن "الإساءة إلى مقامات الأنبياء والرسل لن تضرّ أنبياء الله ورسله شيئاً، وإنما تخدم أصحاب الدعوات المتطرفة الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية".

وبينت الهيئة موقفها بأن "الإسلام أمر بالإعراض عن الجاهلين، وسيرة النبي ناطقة بذلك. فمقامه ومقامات إخوانه من الأنبياء والمرسلين محفوظة وسامية".

لم يذكر البيان فرنسا ولا رئيسها ماكرون بأي كلمة، وإنما دعا فقط للتعقل بقوله: إن "واجب العقلاء في كل أنحاء العالم مؤسسات وأفراداً إدانة هذه الإساءات التي لا تمتّ إلى حرية التعبير والتفكير بصلة، وإنما هي محض تعصب مقيت، وخدمة مجانية لأصحاب الأفكار المتطرفة".

وقد أثار غياب أي إشارة لفرنسا ورئيسها ردود فعل غاضبة ضد بيان هيئة كبار العلماء السعودية.

الدين في خدمة النظام 

وعلى الرغم من تأييد الأزهر لكثير من مواقف النظام المصري وتبعيته للنظام حتى ما قبل السيسي، إلا أن خلافات كثيرة دارت رحاها خلال السنوات الماضية بين الجانبين، ولعل أهمها ما يتعلق ببعض توجهات النظام إزاء قضايا دينية.

مطلع يناير /كانون الثاني 2015 دعا السيسي خلال كلمة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي إلى ثورة دينية للتخلص من "نصوص وأفكار جرى تقديسها على مئات السنين، تعادي الدنيا كلها".

ورغم أن دعوة السيسي لقيت ترحيباً كبيراً من قبل نخب ثقافية وإعلامية، فإن الأزهر تصدى لها في أكثر من مناسبة بتأكيده ثوابت التراث الإسلامي، ورفضه المساس بها، وخرج شيخ الأزهر منحازاً لهذا الموقف، والذي لم يسلمه من الهجوم أيضاً.

وأثارت دعوة السيسي لقانون تنظيم حالات الطلاق الشفوي في يناير/كانون الثاني 2017، خلافاً آخر، بعدما أصبحت مصر الأولى عالمياً في حالات الطلاق، وقال السيسي: "إن نسبة الطلاق في مصر كبيرة، وهناك 900 ألف حالة زواج سنوياً، يجري طلاق 40% منها خلال الـ5 سنوات الأولى للزواج".

وعقب اقتراح السيسي قال الأزهر إن هيئة كبار العلماء فيه ستعكف على درس الأمر من الناحية الشرعية، في حين قالت لجنة الشؤون الدينية في البرلمان، إنها تعتزم إعداد مشروع قانون يلبي اقتراح الرئيس.

وخلصت هيئة كبار العلماء في الأزهر في بيان حينها، إلى صحة "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، من دون اشتراط إشهار أو توثيق".

وفيما بدا أنه مخالفة لرأي السيسي المعلن في تلك القضية، قالت الهيئة في بيانها: إن "العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة".

لكن على النقيض، يبدو أن هيئة كبار العلماء في السعودية ما زالت تنحاز إلى النظام بقيادة محمد بن سلمان حتى في الأمور الدينية الخلافية بينهما. وقد كانت الهيئة تناصر النظام بالسعودية في تحريم قيادة المرأة للسيارة، وكذلك افتتاح دور للسينما وإقامة احتفالات غنائية مختلطة، إذ سبق وقال مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ في إحدى المقابلات إنّ السينما "بوابةٌ للفساد ولعرض الأفكار الإلحادية".

لكن، وبعدما قرر بن سلمان في 7 مايو/أيار 2016، إنشاء ما يعرف بـ"هيئة الترفيه" التي سمحت بإقامة الحلافات الموسيقية المختلطة وفتح دور السينما، التزمت الهيئة الصمت المطبق، وبدت بعيدة عن مواقفها السابقة، إذ نزل آل الشيخ عن موقفه الحاد، وقال تعليقاً على سؤال حول "هيئة الترفيه" إن "مطالب الهيئة العامة للترفيه بإنشاء السينما وإقامة الحفلات الغنائية بحكمة وهدوء".

ودعا الله أن "يوفق القائمين عليها لاتباع الحق، وأن يقدموا برامج وفعاليات نافعة للأمة".

جاء ذلك في برنامجه الأسبوعي "مع سماحة المفتي" على قناة المجد الفضائية، رداً على طلب متصل قال في سؤاله: "قبل أيام اجتمعت هيئة الترفيه، وطالبوا بإنشاء السينما، وكذلك الحفلات الغنائية".​ وأضاف المتصل: "بعد أيام ستقام حفلة بالقرب من الحرم المكي، ما حكم ذلك وما توجيهكم لهيئة الترفيه والبلاد تعيش حالة من الاضطراب في جنوب المملكة".​ ورد بقوله: "يا أخي المملكة تعيش في أمن واستقرار ولله الحمد وعافية بفضل الله، ثم بفضل حكومتنا الرشيدة وفقها الله لما يحبه ويرضاه".​ ​

ورغم تعارض الخطوط بين الأزهر والنظام في مصر، إلا أنّ خطوط الالتقاء كثيرة أيضاً وإن كانت أقل وطأة وحدة مما بات عليه واقع هيئة كبار العلماء في السعودية، فشيخ الأزهر أحمد الطيب وإن كان قد رفض مجزرتي رابعة والنهضة إلا أنه شارك في بيان الانقلاب على محمد مرسي، وكذلك تدخل الأزهر في ما يعرف بـ"حصار قطر" ودعمه ما جاء متسقاً مع رؤية نظام السيسي، فهل ينجح الأزهر في تدارك الوقوع التام في يد النظام والتحول لأداة طوعية في يده؟

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً