إسرائيل أعلنت التهدئة نتيجة تصعيد المُقاومة وما أُلحلق بها من أضرار اقتصادية  (Reuters)
تابعنا

الساعة 4:30 بتوقيت القدس، هدوء حذر ومفاجئ يُخامر فجر فلسطين يؤذِنُ ببدء التهدئة المرتقبة بين فصائل المُقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والحكومة الإسرائيلية، بعد ثلاثة أيام دامية من التصعيد الذي ألحق أضراراً كبيرة على الجانبين، ولم ينته إلا وقد خلّف 25 قتيلاً فلسطينيّاً، و4 قتلى إسرائيليين.

شَكلُ التصعيد الإسرائيلي على غزة وشدّته، وتصاعد وتيرته مع مرور الزمن لم يكن يشير إلى اقتراب هدنة ما أو إلى أن بريق أمل بتوقف القتال بات يسطع في الأُفق، لكن المشهد اختلف قرابة الساعة 23:00 من مساء يوم الأحد، إذ بدأت التسريبات تشير إلى أن المساعي التي تُبذَل في القاهرة للتوصل إلى هدنة باتت أقرب إلى أن تؤتي أُكلها، وهو ما كان بعد ذلك بخمس ساعات.

وثارت موجةُ التصعيد هذه بعد مقتل 4 فلسطينيين وإصابة 51 آخرين، مساء الجمعة، جراء قصف الجيش الإسرائيلي موقعاً لحركة حماس، واعتداء قواته على متظاهرين مشاركين بفاعليات مسيرة العودة السلمية.

وبدأت مؤشرات التهدئة تلوح في الأفق عصر السبت، على الرغم من تمسُّك المقاومة الفلسطينية بقرار التصعيد نتيجة لما خلّفه القصف الإسرائيلي من خسائر في الأرواح في غزة، لكن بيان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي صدر قبل انتصاف الليل، كان مؤشراً أوضح على أن جهوداً تُبذل لوقف إطلاق النار، ولعلّ الأهمّ أن المُقاومة تُبدِي مرونة للتوصُّل إلى مثل هذا الاتفاق.

وقال هنية في بيانه إن "العودة إلى حالة الهدوء أمر ممكن والمحافظة عليه مرهونة بالتزام الاحتلال وقفاً تامّاً لإطلاق النار بشكل كامل بخاصة ضد المشاركين في مسيرات العودة، مع البدء الفوري بتنفيذ التفاهمات التي تتعلق بالحياة الكريمة لأهلنا في غزة".

كواليس التفاوض

غموض شديد اكتنف مفاوضات التوصل إلى التهدئة، التي شاركت فيها مصر وقطر بقوّة منذ اللحظة الأولى، إلّا أن صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أشارت في تقرير إلى أن المفاوضات بدأت تأخذ منحنى جديداً بعد الساعة 23 ليلاً، وذلك بعد ساعات طويلة من محاولات التوصل إلى تهدئة.

التقرير ذكر أن إسرائيل دفعت برئيس مركز الأمن القومي مئير بن شبات إلى التفاوض باسمها، وقد كان على تواصل دائم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادة العليا لجيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فيما شارك في المفاوضات المبعوث الأممي للسلام بالشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، وأطراف في المخابرات المصرية.

وأشار إلى أن ملادينوف وفي ظل مساعيه لإحراز تقدّم في جولة المفاوضات بين إسرائيل والمُقاومة الفلسطينية، سعى للحصول على تعهُّد من قطر بتسريع عملية إدخال دفعة جديدة من الأموال إلى قطاع غزة، "وقد حصل على ما أراد بالفعل".

وعلى الرغم من تمسُّك بنيامين نتنياهو بالانتصار الذي حقّقه في غزة، كما ادعى في بيان أصدره صباح الإثنين، فإن يديعوت قالت إن "إسرائيل تعهدت خلال مُفاوضات الفجر بفتح معابر قطاع غزة من جديد والسماح بتزويد القطاع بالوقود".

تقول الصحيفة "قبل التوصل إلى تهدئة، وصلت رسالة الفصائل الفلسطينية إلى إسرائيل، فلم تستخدم الفصائل خلال التصعيد صواريخها بعيدة المدى واكتفت بإطلاق تلك التي لا يتعدى مداها 40 كيلومتراً، وهو ما كان بمثابة إشارة إلى أن الفصائل معنية في وقف التصعيد والتوصل إلى هدنة ما".

المفاوضات بدأت منذ عصر السبت، وفي تمام الساعة 4:30 من فجر يوم الإثنين أعلنت الهدنة، وقررت السلطات الإسرائيلية بناءً على تقديرات، الإعلان في تمام الساعة 7:00 صباحاً عن عودة الحياة إلى طبيعتها في مدن وقرى الجنوب، بعد أن كانت قررت تعطيل المدارس والمرافق الحيوية بسبب هطول الصواريخ من كل حدب وصوب.

تقول مصادر إسرائيلية رفيعة ليديعوت إن "الأيام القادمة كفيلة بأن تكشف ماهية الهدنة التي تم التوصل إليها ومدى جدّية الأطراف في الحفاظ على وقف إطلاق النار"، مشيرة إلى أن الهدنة التي تأتي عقب تصعيد دامٍ في العادة تكون أطول من المعتاد".

وأضافت أن "وقف إطلاق النار من شأنه أن يمهد الأرض أمام مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإحلال السلام، وهو الذي كان أكّد أنه سيكشف عن صفقة القرن بعد شهر رمضان".

لماذا اختارت إسرائيل التهدئة؟

لم يكن أحد من سكان قطاع غزة ومن ضمنهم قيادات المُقاومة الفلسطينية يشاء أن يحلّ شهر رمضان على النّاس في ظل حصار واسع، وحرب ودماء، ولعل هذا ما دفع المقاومة إلى إبداء شيء من الليونة من أجل التوصُّل إلى حلّ من شأنه أن يخفف وطأة الحصار عن المواطنين.

على الجهة المقابلة لم يكن المشهد في إسرائيل أكثر سهولة، فالشعب هناك يستعد لإحياء ما يُسمّى بـ"يوم الذكرى" الذي يعد مناسبة رسمية لاستذكار قتلى الحروب من الإسرائيليين، الذي يحل غداً الثلاثاء، كما يستعد الإسرائيليون للاحتفال بما يُعرف بـ"يوم الاستقلال" الذي يصادف يوم الأربعاء القادم، لذلك لم تكُن لدى المستوى السياسي على الأقلّ رغبة في إعلان حرب جديدة، ولعل هذا ما كشفه اجتماع المجلس الوزاري المصغر (كابينيت)، الذي أمر الجيش بتوسيع نطاق القصف، لكنه قال أيضا في بيان إن "ما يحرّكنا أولاً وآخراً هو أن يحصل المواطنون في الجنوب على الأمان"، وهو ما فسّره بعض المحللين في إسرائيل بأنه بمثابة رسالة مفادها "الأمن لسكان الجنوب، مقابل تهدئة ممكنة".

في إسرائيل أيضاً كانت حسابات أخرى، من شأنها أن تدفع القيادات السياسية والأمنية إلى وقف التصعيد، ومن ضمنها حسابات اقتصادية، إذ أشار الموقع الإلكتروني لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إلى أن إسرائيل تدرك جيداً أن الاستمرار في التصعيد سيسبّب خسائر اقتصادية فادحة، مشيرة إلى أن التصعيد الحالي شهد إصابة مبانٍ كثيرة بأضرار بالغة، إلى جانب السيارات، والتعويضات التي تُدفع للمصابين وذوي القتلى.

وقال الموقع إن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة عام 2014 كلفت الخزينة الإسرائيلية مليارات، إلى جانب الأضرار التي ألحقتها على صعيد السياحة. وأشار إلى أن قرار وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينس وقف ضخ الغاز الطبيعي في حقل "تامار" مع بدء التصعيد الأخير، كان سيؤدي إلى خسائر مادية فادحة في حال استمراره.

وجاء التصعيد الأخير في الوقت الذي تتأهب فيه إسرائيل لاستقبال نحو 400 ألف سائح، في ظل استعداداتها لتنظيم مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" في تل أبيب الأسبوع المقبل، "ومن شأن استمرار التصعيد أن يؤدي إلى إلغاء المهرجان، بالتالي التسبُّب في ضرر لصورة إسرائيل في الخارج، إضافة إلى امتناع السياح عن زيارة تل أبيب".

وأشارت "ذي ماركر" إلى أن الفنادق في تل أبيب خفضت الأسعار خلال الأيام الماضية إلى نحو 60%.

صراعات داخلية.. استسلام نتنياهو

ما إن وضع التصعيد أوزاره، حتى بدأت جولة جديدة من الصراعات الداخلية في إسرائيل، وما إن أشرقت شمس الإثنين وعلم النّاس بأمر التهدئة، حتى بدأ تراشق الاتهامات بين قيادات الأحزاب الإسرائيلية، بخاصة قيادات حزب الليكود وتحالف أزرق-أبيض، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ طالت الاتهمات أقطاب حزب الليكود نفسه.

يكشف عن ذلك تغريدة عضو الكنيست عن الليكود غدعون ساعر على تويتر، التي قال فيها "التهدئة، وفي الشروط التي تحققت من خلالها، تخلو من أي إنجازات وانتصارات لإسرائيل، الوقت بين تصعيد وآخر بدأ يتقلص في الآونة الأخيرة، والعنف تجاه المواطنين في إسرائيل يرتفع، والفصائل الإرهابية في غزة تزيد قوة ردعها. باعتقادي لم تُمنَع الحرب، بل أُجّلَت".

واعتُبرت تغريدة ساعر هذه هجوماً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إذ أثارت ردود فعل واسعة في إسرائيل، وردّ عليها عدد من قيادات حزب الليكود، إذ نقلت صحيفة يسرائيل هيوم عن أعضاء رفيعي المستوى في الليكود قولهم "منذ عام 2015 ينتقد ساعر الليكود ونتنياهو بلا توقف، لا هدف له سوى إسقاط نتنياهو، التبريرات تختلف من حين إلى حين، لكن الغاية واحدة".

من جانبه، قال زعيم تحالف أزرق-أبيض بيني غانتس "نحو 700 صاروخ أُطلِقَت من غزة باتجاه إسرائيل، لدينا كثير من الجرحى وأربعة قتلى، كل هؤلاء صاروا ضحايا بسبب فقدان قوة الردع، ثم انتهت الجولة بالاستسلام لحركة حماس".

هنية قال إن العودة للهدوء أمر ممكن  (AFP)
صواريخ المقاومة تسببت بأضرار كبيرة في إسرائيل (AFP)
نتنياهو أصر على التمسك بالاننتصار  (AP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً