انتشار وباء كورونا في أوروبا خلّف أزمات كثيرة  (Reuters)
تابعنا

مع مرور كل يوم على تفشي وباء كورونا في أوروبا التي تسجل أكثر من 75% من وفيات العالم وحصد الفيروس لآلاف الأرواح، يغرق الاتحاد الأوروبي في وحل من الضعف بدأ يظهر بوضوح على إثر القرارات التي اتخذتها بعض الدول بحجة محاربة الفيروس، وتصريحات دول أخرى باتت ممتنة للصين وروسيا وتهاجم الاتحاد.

وقد تتسبب جائحة كورونا في "انهيار الاتحاد الأوروبي"، إن لم تُتخذ إجراءات أكثر صرامة في التعامل مع الأزمة الحالية، وفق ما صرح به رئيس وزراء إسبانيا بيدرو شانسيز في مقال أشار فيه إلى أن الظروف الحالية استثنائية وتدعو إلى مواقف ثابتة، مطالباً الاتحاد الأوروبي بالارتقاء إلى مستوى هذا التحدي وإلا فسيكون مصيرهم الفشل.

ووصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى منعطف حرج تحتاج فيه حتى أكثر الدول والحكومات المؤيدة للاتحاد كما هو الحال في إسبانيا، إلى دليل حقيقي على التزام الاتحاد نحوها، حسب رئيس الوزراء الإسباني الذي يصر على ضرورة تجاوز الخلاف الحاصل للتغلب على الأزمة.

وحذر قائلاً إن الأزمة الحاصلة ستضع نادي الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق، موضحاً: "إننا في نقطة تحول واضح، وما لا نعرفه هو في أي اتجاه سنذهب؟"

الأزمة الأسوأ للصحة العامة في أوروبا منذ 1918، لم تكن لتوصف بهذا الوصف لولا تقصير الاتحاد الأوربي تجاه الدول، كما يرى مراقبون وسياسيون، بخاصة بعد ارتفاع حصيلة الوفيات بكورونا في إيطاليا إلى أكثر من 15 ألفاً، وقد سجلت في27 مارس/آذار، أكبر حصيلة وفيات يومية بكورونا بلغت 969 وفاة.

سندات كورونا

وتطالب إيطاليا وإسبانيا الأكثر تضرراً من الجائحة في القارة الأوروبية، بدعم من فرنسا وبعض كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، بما باتت تُعرف بـ"سندات كورونا" التي ستسمح للبلدان الأكثر تأثّراً بالفيروس بجمع التمويل عبر أسواق المال تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، حسبما نقلت وسائل إعلام أوروبية.

ورفضت ألمانيا ودول شمال أوروبية أخرى مناشدة تسع دول من بينها إيطاليا، من أجل "سندات كورونا" للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.

وهدد رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي خلال القمة التي نظمت عبر الفيديو، بعدم التوقيع على الإعلان المشترك في حال لم يعتمد الاتحاد تدابير قوية بأدوات مالية مبتكرة، بينما شنت الصحف الإيطالية هجوماً لاذعاً على الاتحاد، إذ عنونت "لا ريبوبليكا" قائلة: "أوروبا قبيحة"، فيما اعتبرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" أنه "في حال افتقد الاتحاد الأوروبي الاتفاق، فهذا يعني أن المشروع الأوروبي نفسه قد انتهى".

واستمر الجدل بين الدول الأوروبية والانتقادات والقرصنات، فبعد استيلاء جمهورية التشيك على شحنة أقنعة طبية وأجهزة تنفس كانت موجهة من الصين إلى إيطاليا، استولت الأخيرة على شحة تونسية، الأمر الذي يشير بوضوح إلى تغيير جذري في تصرفات بعض الدول خلال الأزمة.

وازاد التوتر بين الدول التي تريد أن يجري الإفراج عن سندات اليورو لجمع الأموال، والدول المحافظة مالياً مثل ألمانيا وهولندا التي تجادل لمزيد من التدابير المقيدة، إذ انتقد رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا ما سمّاه "التفاهة المتكررة" للحكومة الهولندية، التي تعد عادة واحدة من أقوى المدافعين عن الانضباط في ميزانية الاتحاد الأوروبي. وقال: "هذا الحديث بغيض في إطار الاتحاد الأوروبي".

وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زعماء الاتحاد الأوروبي من أن تفشي فيروس كورونا يهدد الدعائم الأساسية للتكتل مثل منطقة الحدود المفتوحة، إذا لم تُبدِ دول التكتل تضامناً في هذه الأزمة.

المشروع الأوروبي معرض للخطر، التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشنغن.

الرئيس الفرنسي - إيمانويل ماكرون

من جهتها، نشرت أورسولا فون دير لين رئيسة المفوضية الأوروبية بالاتحاد الأوروبي مقالاً دعت فيه الدول الأعضاء إلى زيادة ميزانية الاتحاد ووضع "خطة مارشال" أوروبية، التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال، لمساعدة الدول الأوروبية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصاداتها من جديد، وذلك عبر تقديم مساعدات عينية ونقدية بالإضافة إلى حزمة من القروض طويلة الأمد.

قمة لتجاوز الخلافات

وسيحاول قادة الاتحاد الأوروبي معالجة الأزمة من خلال القمة الافتراضية الثالثة بينهم عبر الفيديو الأسبوع الجاري، حسب صحيفة "إلباييس" الإسبانية التي قالت إن الوباء جعل الاتحاد الأوروربي يتهاوى ووضع الأنظمة الصحية على حافة الانهيار وتسبب في ركود اقتصادي غير متوقع.

وتوقعت الصحيفة أن يقتصر قادة الاتحاد في اجتماعهم على نسج شبكة أمان ضد التوترات المحتملة في علاوة مخاطر الدين العام، مشيرة إلى أن الاستجابة غير متوفرة من كل البلدان الأوروربية، بخاصة إسبانيا أو إيطاليا أو فرنسا التي تطالب بخطة مارشال.

يعتقد جونترام وولف مدير مركز دراسات بروغل في تصريحات للصحيفة الإسبانية، أن "خطراً كبيراً من قلة العمل المشترك، الأمر الذي سيقوض التماسك الداخلي للاتحاد الأوروبي على المدى الطويل"، ويوصي "بعمل أكثر طموحاً" لوزراء اقتصاد منطقة اليورو، معتبراً أن "لقاء الوزراء يحمل شيئاً من الأمل للاتحاد"، إذ إن الدول المتضررة بالوباء في أوروبا ستكون غارقة في ديون لفترة طويلة، ما سيجعل دول الجنوب الأوروبي أكثر كلفة وأقل مردودية للاتحاد، حسب الصحيفة.

وأجرى مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد ومركز "بروغل" في بروكسل، دراسة حديثة رأت أن الخلافات المتزايدة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي على خلفية أزمة كورونا، من شأنها أن تقوّض فكرة الاتحاد وفائدته على المواطنين الأوروبيين، وتعزز فكرة "القومية الضيقة" كما تطالب أحزاب أوروبية متشددة وكما يرى مؤيدون للبريكست.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً