كيف خرقت أرمينيا تعهداتها بوقف لإطلاق النار في "قره باغ"؟ (AA)
تابعنا

أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، 3 أغسطس/آب الجاري، عن استشهاد جندي في الجيش جرّاء عمل إرهابي من جانب القوات الأرمينية في المناطق الخاضعة مؤقتاً لسيطرة العناصر الروسية، مما استدعى رداً انتقامياً.

مبررات "عملية الانتقام"

حسب بيان وزارة الدفاع الأذربيجانية، هناك مبرّران أساسيان لـ "عملية الانتقام": الرد على استشهاد الجندي الأذربيجاني، وعرقلة تسلل الوحدات المسلحة الأرمينية غير الشرعية إلى بعض المرتفعات الاستراتيجية القريبة من ممرّ لاتشين.

من جهتها، حمّلت وزارة الخارجية الأذربيجانية القيادة السياسية والعسكرية الأرمينية، المسؤولية كاملةً عن التطورات الأخيرة، متهمة يريفان بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين أذربيجان وأرمينيا، بوساطة روسية يوم العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

كذلك نوّهت الخارجية، إلى عدم خروج المجموعات المسلحة الأرمينية من المنطقة.

ووفقاً للمصادر الأرمينية، فإن "عملية الانتقام" الأذربيجانية أسفرت عن إصابة 19 مسلحاً أرمينياً، ومصرع 4 منهم لاحقاً، إلى جانب قضاء مسيّرات "بيرقدار TB-2" تركية الصنع، على الذخائر والمركبات العسكرية.

كما أسفرت العملية عن سيطرة الجيش الأذربيجاني على جبلين وبعض المرتفعات الاستراتيجية في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى محاصرة أذربيجان منطقة "هانكندي" التي تسكنها غالبية أرمينية، من 3 جهات.

أما السبب الأساسي للأحداث الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، فهو تهرّب الأخيرة من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عبر السعي لعدم الخروج من ممرّ لاتشين وعدم إخراجها المجموعات المسلحة الأرمينية من المنطقة.

أهمية لاتشين

في مايو/ أيار 1992، احتلت أرمينيا محافظة لاتشين الواقعة قرب حدودها، والتي كانت تقطنها قبل ذلك غالبية من الأذربيجانيين، والأتراك. وخلال الأعوام الـ30 التي خضعت فيها للاحتلال الأرميني، شهدت لاتشين توطين أرمينيين بطرق غير شرعية عبر استقدامهم، بخاصة من سوريا ولبنان.

وبحلول عام 2020، تمكنت أذربيجان من تحرير بعض قرى لاتشين، فيما اضطر الجيش الأرميني للخروج من المحافظة كاملةً بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وتعدّ لاتشين، الممر الذي يربط بين مدينة "هانكندي" الأذربيجانية وبين أرمينيا، إذ إن هذا الممر يمر من لاتشين نفسها.

لهذا السبب، جرى تخصيص لاتشين لمدة 3 أعوام، كمجال لتحرك المدنيين الأرمينيين في المنطقة بإشراف القوات الروسية المؤقتة.

وبموجب البند السادس من اتفاق وقف إطلاق النار بين باكو ويريفان، كان سيجري إنشاء طريق غير ممر لاتشين لتستخدمه المجموعات المدنية الأرمينية لاحقاً كطريق بديل، فيما كانت أذربيجان ستضمن أمان الطريق البديل المذكور، وأمن تحركات المجموعات المدنية الأرمينية التي تسلكه.

وفي إطار البند المذكور، أنشأ الجانب الأذربيجاني الطريق البديل وانتهى من أعمال إنشائه حتى الحدود الأرمينية، بحلول يوليو/تموز 2022.

ومع اكتمال الطريق البديل بدأت الاعتراضات تصدر من الأرمينيين الذين من المفترض خروجهم من مدينة لاتشين، لا سيما وأن الأرمينيين الذين جرى توطينهم في المنطقة بعد جلبهم من سوريا ولبنان والمجموعات المتطرفة الداعمة لهم، أكدوا عدم خروجهم من لاتشين، واستعدادهم لخوض حرب إن تطلب الأمر ذلك.

من جانبها، ماطلت الحكومة الأرمينية في البدء بأعمال إنشاء الطريق البديل الواقع على أراضيها، رغم معرفتها بإتمام نظيرتها الأذربيجانية الجزء الواقع على أراضيها من الطريق.

جاء ذلك تزامناً مع المحاولات التخريبية للجماعات المسلحة الأرمينية في قره باغ، والتي كانت آخرها في 3 أغسطس/آب الجاري، حيث أدّت إلى استشهاد جندي أذربيجاني، وما أعقبها من إطلاق أذربيجان "عملية الانتقام".

انتهاك الأرمينيين لاتفاق وقف إطلاق النار

الجانب الأرميني الذي يعارض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين باكو ويريفان 2020، يعتبر ممرّ لاتشين نقطة مقاومة نفسية بالنسبة له، معتقداً أن خروج الجماعات المسلحة الأرمينية من المنطقة، سيؤدي إلى تقلّص تأثيرها بالكامل. وتشكل القوات الأرمينية التي ما زالت منتشرة في المنطقة، أكبر سند ودافع لهم بهذا الخصوص.

وقبيل اندلاع الأحداث الأخيرة مطلع أغسطس/آب الجاري، نشرت صحيفة " Hraparak" الأرمينية، تقريراً قالت فيه إن "الشعب الأرمينيّ نسي لاتشين"، مشددة على ضرورة عدم الخروج من المنطقة، أي أن الأرمن كانوا قد بدؤوا باختلاق المشاكل حتى قبل انطلاق "عملية الانتقام" الأذربيجانية.

وفي أعقاب إطلاق أذربيجان "عملية الانتقام" باشرت الحكومة الأرمينية على الفور، أعمال إنشاء الطريق البديل، وأصدرت التعليمات بضرورة خروج المستوطنين الأرمينيين في المنطقة، حتى 25 أغسطس/آب الجاري. ومن المخطط في هذا اليوم، مغادرة القوات الروسية المؤقتة للمنطقة.

المسلحون الأرمينيون مصدر التحريض

تنتهك أرمينيا البند الرابع من اتفاق وقف إطلاق النار، عبر عدم إخراجها المسلحين الأرمينيين من المنطقة.

ويوجد في المنطقة نوعان من المجموعات المسلحة الأرمينية: المجموعات الأولى مكوّنة من جنود الدولة الأرمينية، والثانية من المسلحين الأرمينيين في قره باغ، الذين تعتبرهم أذربيجان قوات مسلحة غير قانونية.

وفي تصريحات أدلى بها مؤخراً، قال رئيس مجلس الأمن القومي الأرميني، أرمان غريغوريان، إن القوات التابعة لجيش بلاده ستغادر المنطقة بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، إلا أنه أشار إلى بقاء المسلحين الأرمينيين في قره باغ، في مشهد ينتهك فحوى اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 2020.

كما رأينا، فإن أرمينيا لا تلتزم بتعهّداتها التي قطعتها على نفسها، وتعرّض السلام في المنطقة للخطر، عبر عدم اتخاذها خطوات ملموسة لتطبيق الاتفاق المذكور، الأمر الذي يدفع أذربيجان مضطرةً، إلى استخدام القوة لإجبار يريفان على الإقدام على خطوة ملموسة.

رغم أنه في أعقاب "عملية الانتقام"، أجبِرت أرمينيا على سحب قواتها من المنطقة بشكلٍ فوري، وعلى بدء أعمال إنشاء الطريق البديل. فإنه من الضروري جداً إقدام أرمينيا على الوفاء بالتزاماتها بشكلٍ سريع، من أجل تحقيق السلام في المنطقة.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً