البحرية التركية استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تجعل تركيا قوة كبيرة في البحار الثلاثة التي تمتلك سواحل عليها (البحرية التركية)
تابعنا

تواصل أنقرة وضع خططها طويلة المدى وتنفيذها لتعزيز قوتها البحرية بمنطقة شرق البحر المتوسط على نحو مثمر.

وبالإضافة إلى كونها عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على مدار أكثر من ستة عقود، فقد تمكّنت مؤخراً من تطوير قدراتها العسكرية محلياً، الأمر الذي تُظهره التطورات الأخيرة، إذ نجح الأسطول التركي في ردع قوى إقليمية، على رأسها اليونان وإدارة جنوب قبرص اليونانية ومصر وغيرها.

وبالإضافة إلى ذلك، أصبح الأسطول التركي من أفضل 10 قوى بحرية في العالم، وواحداً من 20 أسطولاً يصمم الفرقاطات التي يستخدمها ويبنيها بنفسه، وفقاً لخبراء وقادة بحريين سابقين.

ويقول العميد البحري المتقاعد جيم غوردنيز في مقابلة أُجريت معه العام الماضي، إن "الأسطول التركي لا يُبحر باستخدام زوارق السحب كما يفعل نظيره الروسي".

على صعيدٍ موازٍ، تتنافس تركيا بقوة مع قوى أهمها روسيا وفرنسا ومصر، في ليبيا، إذ تدعم أنقرة الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، ضد مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

واستطاعت أنقرة تغيير مسار الحرب في ليبيا، عبر نشر قواتها البحرية في شرق المتوسط وتزويد القوات الحكومية بتكنولوجيا الطائرات المسيّرة التي طُوِّرت تُركيّاً، كما تمكّنت البحرية التركية من ردع أساطيل كل من فرنسا وروسيا ومصر واليونان، وكلها دول داعمة لحفتر، الأمر الذي يشير إليه تقدم القوات الحكومية الليبية التي أصبحت على مشارف مدينة سرت ذات الأهمية الاستراتيجية.

وبفضل أسطولها أيضاً، استطاعت أنقرة حماية حقوقها البحرية في المنطقة ومواصلة أعمال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.

هل تستطيع القوى الإقليمية منافسة الأسطول التركي؟

إجابةً على هذا السؤال، يقول الخبير في الصناعات الدفاعية كيفين سكاي إنه "بينما تبحر الفرقاطات التركية قبالة السواحل الليبية على مدار 4 أشهر بلا توقف، فشلت الفرقاطات اليونانية في ذلك وعادت إلى قواعدها. وفيما لا يستطيع الروس الإبحار من دون زوارق سحبٍ، غاب المصريون الذين لا يستطيعون استخدام ألعابهم بفاعلية".

ويشير سكاي في تغريدة على تويتر، إلى أن “الأسطول التركي يواصل تدريباته العسكرية في المنطقة من دون انقطاع“.

على جانب آخر، ومنذ استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري عام 2013، بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر عزماً على تعزيز قدرات أسطول بلاده أكثر من سابقيه، إلا أن الميزانية المخصصة للبحرية المصرية لا تزال محدودة، وفقاً للخبراء.

وعلى الرغم من برنامج التحديث الذي تقوده مصر لقواتها البحرية خلال السنوات الأخيرة، فإن الأسطول المصري لا يزال يفتقر إلى الكثير من التدريب والتمرس، وربما لديه مشكلة أيضاً في ما يخص الخدمات اللوجستية، حسبما يشير خبراء مثل غوردنيز وسكاي.

وانطلاقاً من ذلك، يبدو أن البحرية المصرية تميل إلى تجنُّب أي اشتباك محتمل مع نظرائها في منطقة شرق المتوسط.

على صعيدٍ موازٍ، واجهت اليونان وإدارة جنوب قبرص الوجود البحري التركي في المنطقة بخطابات عنيفة، لكنهما في الحقيقة لم تفعلا الكثير لوقف أنقرة.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أجرى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس زيارة إلى باريس لطلب المساعدة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد تركيا. وبعد الاجتماع، أرسل ماكرون فرقاطات حربية إلى المنطقة تأكيداً للروابط الاستراتيجية بين فرنسا واليونان، حتى إن وزير الدفاع اليوناني زعم أن البلاد "تدرس جميع السيناريوهات، بما فيها الاشتباك العسكري" ضد تركيا.

لكن التهديدات اليونانية والفرنسية اصطدمت برد تركي صارم، إذ أوضح وزير الدفاع التركي خلوصي أقار خلال مقابلة تلفزيونية في 10 يونيو/حزيران الجاري، قائلاً: "يمكنني تأكيد أن اليونانيين لن يرغبوا في شن حرب ضد تركيا"، واصفاً كلمات نظيره اليوناني بأنها "زلة لسان".

وفي مايو/أيار الماضي، بدا أن فرنسا عازمة على إرسال المزيد من السفن الحربية إلى المنطقة لمواجهة تركيا.

ووفقاً للسلطات الفرنسية، وقع في 10 يونيو/حزيران الجاري، حادث بين قوات البحريتين التركية والفرنسية في شرق المتوسط، إذ زعمت باريس أن السفن الحربية التركية أشعلت أضواء الرادار ثلاث مرات أمام "كوربيه"، وهي إحدى السفن الحربية الفرنسية المنتشرة في مياه شرق المتوسط.

لكن أنقرة نفت المزاعم الفرنسية، وأشارت إلى أن السفينة الفرنسية كانت تقوم بمناورات سريعة وغير ضرورية في المنطقة، على نحوٍ يُعرِّض قواعد الأمن البحري ومبادئ "الناتو" للخطر، علماً أن كلاً من تركيا واليونان وفرنسا أعضاء في الناتو.

السفن أكثر من الأسماك

بالإضافة إلى القوى الإقليمية، توجد عشر دول أخرى على الأقل، منها روسيا والولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة، تتمتع بوجود بحري في منطقة شرق المتوسط.

ووفقاً لتقارير صحفية، تمتلك الولايات المتحدة أسطولاً كبيراً يتكون من أكثر من عشر سفن حربية في المنطقة، وذلك لأسباب منها مراقبة الروس وطموحاتهم المتزايدة لمد نفوذهم في البحر المتوسط.

ومنذ بداية الأزمة السورية، سعت موسكو لزيادة وجودها في المنطقة، عبر بناء قوة بحرية متوسطية كانت تحلم بوجودها.

وفي مقابل الدعم الذي قدمته روسيا لنظام الأسد في سوريا، سمحت دمشق لموسكو بوجود أكبر في منطقة البحر المتوسط، من خلال استخدام المواني السورية نقاط انطلاق للعمليات الروسية البحرية.

وبذلك تكون روسيا حققت معادلة كانت يوماً بعيدة المنال بالنسبة إليها، واستطاعت الوصول إلى "مياه أوروبا الدافئة"، فإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأبيض المتوسط كان دوماً طموحاً سياسياً لروسيا غير الساحلية منذ أيامها الإمبراطورية في عهد بطرس الأكبر أوائل القرن الثامن عشر.

وعلى الرغم من نجاح روسيا في تحقيق هدفها بنشر قوات بحرية في المنطقة، فإنها لم تستطع المساعدة في تحقيق هدف خليفة حفتر بالاستيلاء على طرابلس، ونجحت قوات الحكومة الشرعية المدعومة تركيّاً في طرد مليشيات حفتر من الشطر الغربي للبلاد.

العقيدة البحرية التركية الجديدة: وطن أزرق

خلال السنوات الأخيرة، طوّرت تركيا عقيدة عسكرية قوية تقوم على حماية جميع حقوقها البحرية ومصالحها السياسية في البحار الثلاثة التي تمتلك البلاد سواحل عليها، وأطلقت عليها "الوطن الأزرق".

وفي فبراير/شباط 2019، أجرت أنقرة تحت عنوان "وطن أزرق"، أضخم مناورات بحرية في تاريخ أسطولها، بأكثر من 100 سفينة حربية في بحارها الثلاثة: البحر المتوسط وبحر إيجه والبحر الأسود، بشكلٍ متزامن.

ووفقاً للخبراء، تعود قصة نجاح البحرية التركية إلى الاعتراف بأن تركيا يمكن أن تكون قوة عظمى في البحر المتوسط وحتى العالم، كما كانت الدولة العثمانية التي كانت يوماً المخوّلة بتحديد قواعد الاشتباك في المنطقة.

في هذا الصدد، يقول ريان جينجيراس أستاذ شؤون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية والخبير في تاريخ تركيا والبلقان والشرق الأوسط إن "من الواضح أن الكثيرين داخل المؤسسة السياسية التركية يعتقدون أن البلاد قريبة من الوقوف جنباً إلى جنب مع القوى الكبرى الأخرى، وتُعد الإصلاحات التي تُجرى على البحرية التركية بمثابة مثال واضح على تلك الرؤية العالمية الناشئة".

ويشير جنجيراس إلى أنه "أكثر من 87% من تجارة البلاد تجري عبر المواني البحرية، فضلاً عن وجود عدد من خطوط الأنابيب تمر عبر المياه الإقليمية التركية.. وبالتالي أصبحت القدرات البحرية للبلاد أكثر أهمية في التفكير التركي المعاصر".

ترسانة تركيا البحرية

ومنذ عام 2007، زاد إنفاق تركيا على بحث الصناعات الدفاعية وتطويرها بشكل ملحوظ، إذ تضاعفت مستوياته السابقة 3 مرات، وفقاً لمسح أجرته مجموعة رائدة في صناعة الدفاع. وأظهر المسح أن الإنفاق خلال العام الماضي، تجاوز 1.2 مليار دولار. كما رفعت تركيا قدراتها العسكرية الفنية إلى مستوى يُمكِّنها من اختبار جميع قدراتها البحرية من دون الحاجة إلى أي دعم خارجي.

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك تركيا أكبر أسطول من الغواصات في المنطقة، وتأتي بعدها إسرائيل واليونان ومصر.

وتمتلك البحرية التركية حتى الآن 112 سفينة عسكرية، لكن أنقرة تخطط لإضافة ما مجموعه 24 سفينة جديدة، بما في ذلك أربع فرقاطات، قبل حلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية في 2023.

ويلفت جنجيراس إلى أنه "بالإضافة إلى مجموعة جديدة من الفرقاطات والطرادات المقرر إضافتها.. فإن المقاولين المحليين يزودون الأسطول بمجموعة جديدة من الطوربيدات والصواريخ ومعدات الاستشعار".

انطلاقاً من كل ذلك، أصبحت البحرية التركية بأسطولها الموسع قوة كبيرة في منطقة شرق البحر المتوسط وبحر إيجة، بما يعزز أمنها وأمن الممرات المائية الاستراتيجية في مضيق الدردنيل وإسطنبول.

البحرية التركية تواصل تأمين حقوق أنقرة في الاستفادة بالثروات الطبيعية في منطقة شرق المتوسط (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً