يعيش لبنان أزمة اقتصادية خنقت البلاد وأخرجت مظاهرات منددة بالنظام السياسي الفاسد والفاشل قبل أن يأتي الانفجار ليزيد الطين بلة (AFP)
تابعنا

أتى انفجار مرفأ بيروت الضخم، الثلاثاء، كنهاية درامية تزيد أزمات لبنان المختنق أزمة جديدة. فالحدث الضخم الذي شهدته العاصمة اللبنانية والذي راح ضحيته آلاف بين قتيل وجريح، وخسر فيه المواطنون بيوتهم ومحلاتهم، يأتي في سياق وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي مأزوم، سواء فيما يتعلق بتبعات وباء كورونا أو الانهيار الاقتصادي أو الصراع السياسي والإقليمي في البلاد.

دولة على حافة الإفلاس

يعيش لبنان أزمة اقتصادية خنقت البلاد وأخرجت مظاهرات منددة بـ"النظام السياسي الفاسد والفاشل"، إذ يعيش نصف سكان لبنان تحت خط الفقر فيما يظل 35٪ منهم بدون عمل، حسب إحصائيات رسمية.

ففي شهر مارس/آذار الماضي، ولأول مرة في تاريخه، أعلن لبنان أنه لا يمكنه دفع ديونه المستحقة في مواعيدها، وعلّق سداد 1.2 مليار دولار كانت مستحقة عليه في التاسع من مارس/آذار، ما وضع الدولة المثقلة بالديون على مسار التخلف عن سداد ديون سيادية في وقت تواجه فيه أزمة مالية كبرى، حسب وكالة رويترز.

وتصل ديون لبنان حدّ 92 مليار دولار، ما يعادل 170٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو من أعلى معدلات الدين حول العالم، وهو ما دفع حكومة البلاد إلى بدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في مايو/أيار الماضي لتوفير خطة إنقاذ حيوية تنتشل البلاد من على حافة الإفلاس.

في هذا الصدد، قالت صحيفة الغارديان البريطانية: "انطلاقاً من شهر مارس/آذار، تضاعفت أسعار المنتجات في لبنان ثلاث مرات، فيما هوت قيمة العملة المحلية بقرابة 80٪، ما جعل اللبنانيين الذين لا يزالون يعملون يعيشون الشهر بشهره، فالمولات فارغة، والفقر منتشر، والجريمة في ازدياد، والشوارع قابلة للاشتعال في أي وقت".

كما أن دمار مرفأ بيروت سيعمّق الأزمة الاقتصادية في البلاد، إذ يعتبر الميناء بوابة أساسية لدخول مستوردات الغذاء والمواد الاستهلاكية، إذ يقول الباحث توبياس شنايدر إن "لبنان يعتمد على الواردات بنسبة 90٪ فيما يخص استهلاك القمح مثلاً".

احتجاجات تغيب وتعود

الوضع الاقتصادي المزري في البلاد، وضعف الحكومات ومؤسسات البلاد وعدم قدرتها على إيجاد مخرج يعتق اللبنانيين، كان سبباً رئيسياً في خروج احتجاجات واسعة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي في عموم البلاد.

واستمرت الاحتجاجات في البلاد بشكل متواصل طيلة أشهر متلاحقة، قبل أن يجبرها انتشار وباء كورونا على التوقف، لتعاود الخروج في الشهرين الماضيين بعد أن هوت العملة اللبنانية وتعمّقت أزمة المصارف في البلاد.

الاحتجاجات التي خرجت في أكثر من 70 مدينة وبلدة حول البلاد، كانت ولا تزال تندد بالفساد الحكومي في المقام الأول، وبإجراءات التقشف ونقص البنى التحتية خصوصاً الماء الصالح للشرب والكهرباء واللذان ينقطعان بشكل مستمر يومياً في البلاد.

الوباء وصل هنا أيضاً

سجلت لبنان منذ بداية انتشار فيروس كورونا ما يفوق 5000 حالة إصابة بالفيروس و65 حالة وفاة، وهي أرقام تبدو منخفضة بالمقارنة مع دول أخرى، لكنها لا تزال في ارتفاع تدريجي ازداد في الفترة الأخيرة ووصل مناطق وبلدات جديدة.

فعلى الرغم من سياسة حظر التجوال التي فرضتها الحكومة خلال الأشهر السابقة، والتي توقفت مؤخراً، إلا أن الأطباء اللبنانيين يقولون إن المستشفيات والنظام الصحي الهشّ في البلاد قد وصل فعلاً إلى مرحلة تخطى فيها قدرته الاستيعابية.

إقرأ المزيد:

- انفجار مرفأ بيروت الضخم.. مَن المستفيد ومَن المتضرر؟

ونقلت صحيفة عرب نيوز عن الدكتور عثمان عيتاني قوله إن غرف العناية المركزة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي مليئة عن آخرها، وإنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه خلال الأيام القادمة، فإن هذا المستشفى الرئيسي في البلاد لن يعود قادراً على استقبال حالات جديدة تحتاج إلى عناية مركزة.

في هذا الصدد، قال وزير الصحة اللبناني إن الانتشار السريع للفيروس مؤخراً ناجم عن رفع إجراءات الإغلاق والحجر المنزلي، وخروج الناس إلى تجمعات كبيرة كالحفلات والأعراس والتجمعات الدينية العامّة.

ظلّ الحريري والصراع السياسي والإقليمي

في الوقت الذي يحاول فيه لبنان معالجة أزمته الاقتصادية الطاحنة، لا تزال أسس الصراع السياسي الداخلي حاضرة وغير بعيدة عن الصراعات الإقليمية في المنطقة، خصوصاً الدور الذي يلعبه حزب الله في سوريا إلى جانب نظام الأسد، بالإضافة إلى التأثيرين الإيراني من جهة والسعودي الغربي من جهة في السياسة الداخلية للبلاد.

فساعات قبل انفجار بيروت الضخم، كان الحديث مكثفاً حول إصدار محكمة أسستها الأمم المتحدة حكمها على أربعة متهمين من حزب الله الجمعة في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وهو تطور قد يهز البلاد من جديد.

وينفي حزب الله، الذي يشارك كحزب سياسي في الحكومة اللبنانية وله قوات مقاتلة مزودة بأسلحة ثقيلة، أي دور له في مقتل الحريري ويرفض المحكمة التي تعمل انطلاقاً من هولندا ويصفها بأنها "مُسيسة".

ولا يتوقع أحد تقريباً تسليم المتهمين إذا ما أدينوا لكن صدور أي أحكام بالإدانة قد يعمق الخلافات القائمة دون حل منذ الحرب الأهلية التي دارت وقائعها من 1975 إلى 1990 في بلد يترنح تحت وطأة أسوأ أزمة مالية منذ عقود وتفاقم وباء كوفيد-19.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً