حسان دياب: أصبح الدَّين العامّ أكبر من قدرة لبنان على تحمُّله وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده (AP)
تابعنا

بات لبنان على مشارف أن يصبح البلد الأكثر مديونية في العالم، إذ يواجه استحقاقات لسداد سندات بقيمة 4.6 مليارات دولار في 2020، وسيتخلف عن سداد ديونه لأول مرة في تاريخه، إذ سيُعلَّق سداد الدفعة الأولى المستحقة غدا الاثنين وقيمتها 1.2 مليار دولار.

هذه التصريحات التي ربما لم تكن صادمة للشعب اللبناني الذي عانى من تردي الأوضاع الاقتصادية، وثار ضد الفساد الذي أوصل البلد إلى أن يكون من بين أكثر بلدان العالم فقراً، جاءت على لسان رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب، الذي لفت إلى أن الدَّين العامّ في لبنان تخطى 90 مليار دولار وأدَّى إلى تدنِّي مستوى احتياطي العملة الصعبة.

ويجد أكثر من 40% من اللبنانيين أنفسهم تحت خط الفقر بسبب السياسات الاقتصادية للحكومات السابقة والفساد الذي أنهك كاهل الدولة بتداعيات الحروب والنزاعات وتحمله أعباء النزوح الكبير، إذ أصبح الدين العامّ أكبر من قدرة لبنان على تحمُّله وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده وكل الاقتصاد اللبناني بات أسير تلك السياسات، حسب تصريحات دياب.

وأدّت الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان إلى وصول سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء، غير الرسمية، إلى 2500 ليرة، بزيادة 47% للدولار على سعر الصرف الرسمي البالغ 1508 ليرات.

وقالت وسائل إعلام لبنانية إن إعلان دياب للقرار جاء بعد سيناريو طويل من التمهيدات المتدرجة، بدأ بلقاء رئاسي وزراي برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة ووزراء وخبراء، وانتهى إلى إعلان الدعم الجماعي للمجتمعين للحكومة في القرارات التي ستتخذها باستثناء قرار دفع الديون، بما عكس أن الغطاء السياسي توفّر لقرار اتُّخذ سلفاً.

سندات يوروبوند

في 9 مارس/آذار الجاري على لبنان أن يدفع سندات يوروبوند، وهي سندات مقومة بقيمة 1.2 مليار دولار، فيما تستحق سندات أخرى الشهر المقبل بقيمة تقترب من 2.7 مليار دولار، إضافة إلى 700 مليون دولار مقرَّر سدادها العام الجاري أيضاً.

وجاء القرار بعد دراسات معمَّقة ومتأنية لعدد من الخيارات المتاحة من جميع الجوانب بما فيها المالية والقانونية، فهو هو السبيل الوحيد لوقف الاستنزاف وحماية المصلحة العامَّة بالتزامن مع إطلاق برنامج شامل للإصلاحات اللازمة ومن أجل بناء اقتصاد متين ومستدام على أسس صُلبة ومحدَّثة.

وأدَّى هذا القرار إلى غضب الشعب اللبناني، فانطلقت مظاهرات في مدن لبنانية مختلفة تحت شعار "مش دافعين"، رفضاً لدفع سندات اليوروبوندز قريبة الاستحقاق.

الوضع المالي في لبنان يشير إلى احتمالية إعادة هيكلة الديون المستحقة على البلاد، يرافقها مفاوضات معقدة مع حمَلة السندات

وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني

ومنذ شهر مضى قرّر رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، أن إعادة هيكلة الدين العامّ هي الحلّ الأمثل لإدارة الأزمة المالية والنقدية في بلاده، داعياً إلى تعزيز المناخات الإيجابية للإنقاذ.

تبعات القرار

وتساءلت صحيفة النهار اللبنانية عن تبعات القرار غير المسبوق بتعليق سداد الديون، قائلة: "مع أن أحداً لم يُفاجأ بالقرار النهائي الحاسم الذي اتخذته الحكومة بتغطية سياسية كاملة من التحالف السلطوي الحاكم بتعليق سداد استحقاقات الديون السيادية، فإن ذلك لا يخفّف وقع حدث غير مسبوق وبالغ الخطورة في أبعاده ودلالاته، يتمثل في تخلُّف لبنان للمرة الأولى في تاريخه عن تسديد الديون".

ووصفت الصحيفة الحيثيات التي أعلنها رئيس الحكومة لتبرير قراره بأنها ذات "طابع دراماتيكي" يغلب عليها الاتجاه نحو مغامرة شديدة الغموض تضع لبنان أمام مجهول في واقع انتسابه إلى الأسرة الدولية".

وأضافت: "لو أنه استند في تعليله إلى عوامل واقعية من وحي التراجع الخطير في الاحتياطات المالية بالعملات الأجنبية وحاجة لبنان الماسَّة إلى توفير التمويل للحاجات الاستراتيجية".

وقد يجد قرار التعليق في الداخل من يؤيده ويدافع عنه بداعي توفير الأموال الشحيحة المتبقية في لبنان، البلد الأكثر مديونية في العالم، في وقت فتح فيه القرار الباب واسعاً أمام محاذير التخلف عن السداد، خصوصاً أن الحكومة أعطت الانطباع المسبق على اتجاهها إلى هذه الخطوة دون وسيط دولي أساسي وضروري كان يمكن أن يساعد لبنان ويوفّر له التغطية تجاه الدائنين الدوليين، هو صندوق النقد الدولي.

وتساءلت الصحيفة عما إذا كان لبنان سيجد تفهُّماً حقيقيّاً وجدِّيّاً لقراره من الدائنين، وهل ستتمكن المفاوضات الشاقة بين لبنان ودائنيه متى انطلقت من توفير مسار توافقي لإعادة هيكلة الدين وفق ما تطلب الحكومة، أم إن الأمر سيكون أشبه بسمك في البحر بحيث يستحيل الجزم مُسبَقاً بنتائجه من الآن؟

من جانبها توقعت صحيفة الديار أن "الثورة على الأبواب بسبب ارتفاع الأسعار وفقدان فرص العمل والحالة الاقتصادية الجامدة وعدم إجراء إصلاحات بسرعة في أسبوع واحد وضياع أشهر دون إصلاحات حتى مع الحكومة الجديدة لا فرص عمل والغلاء الفاحش يأكل أموال الناس والجوع يسيطر واليأس ينتشر".

وترى الصحيفة أنه "لا يجب استرضاء الناس بالطحين والبنزين، بل يجب استرضاء الناس ببرنامج مالي اقتصادي كامل حتى لو ارتفع بعض أسعار المواد الأساسية، ولكن يعرف الشعب اللبناني أنه سيربح مستقبله"، مشيرة إلى أن أمام لبنان الآن "فرصة أخيرة قبل إعلان سيطرة المؤسسات الدولية وبخاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحصول عزلة دولية واقتصادية عليه بعدما قرّر عدم تسديد فوائد اليوروبوند والبحث مع المجتمع الدولي في جدولة الديون والفوائد التي بلغت 90 مليار دولار كديون عامة وخارجية، خاصة الخارجية منها".

وأضافت: "المجتمع الدولي سيعطي فرصة للبنان مرة واحدة ولن يقبل تكرار عدم التزام لبنان بعدم دفع فوائده وديونه، فإذا أخطأت الحكومة وتساهلت ولم تأخذ الأمور بجدية فالفرصة الدولية للبنان ستضيع وسيدخل لبنان بالإفلاس، وعندها يكون السقوط الكبير لكل شيء، بخاصة للطبقة السياسية الفاسدة بنسبة 90%".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً