الاحتجاجات العراقية التي عمّت مدنٌ ذات أغلبية شيعية شهدت شعارات مناهضة لتوسع النفوذ الإيراني في العراق (Reuters)
تابعنا

قد يكون أحد أبرز العوامل المشتركة بين الاحتجاجات المتواصلة في العراق ولبنان هو موقف شرائح واسعة من المحتجين الرافض للتوغل الإيراني في البلدين اللذيَن غدت طهران تتمتع داخل دوائر الحكم فيهما بنفوذ واسع في الآونة الأخيرة ربما أكثر من أي وقتٍ مضى.

المرشد يحذِّر

بعد صمتٍ لأسابيع، خرج المرشد الإيراني علي خامنئي الأربعاء، متهماً الولايات المتحدة وإسرائيل ودولاً غربية بالوقوف وراء "أعمال الشغب وانعدام الأمن" في لبنان والعراق، بدعم مالي من "بعض الدول الرجعية"، داعياً الحريصين على البلدين للتصدي لهذه المحاولات.

وأضاف خامنئي في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه العربي على تويتر: "للناس مطالب أيضاً وهي محقّة، لكن عليهم أن يعلموا أن مطالبهم إنما تتحقق حصراً ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم. متى انهارت الهيكلية القانونية يستحيل القيام بأي عمل".

وقال خامنئي بنبرة تفاخرِ واضحة، إن بلاده مرّت من قبل باحتجاجات مشابهة، إلا أن مؤيدي النظام "حضروا في الساحات في الوقت المناسب وأحبطوها"، في إشارة إلى موجة الاحتجاجات التي عمّت مدناً إيرانية عام 2018، واستطاعت طهران إخمادها عبر حملة أمنية وتعبوية.

في ضوء هذا التصريح، تجدُر الإشارة إلى ما شهدته بعض ساحات الاعتصام في وسط العاصمة اللبنانية بيروت من هجمات شنّها مؤيدون لحزب الله وحركة أمل، قبل ساعات من إعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة عصر الثلاثاء، إذ استخدم أنصار المجموعتين المواليتين لطهران العصي والحجارة لتفريق المحتجين، كما أحرقوا بعض خيامهم، قبل أن تفصل قوات الأمن بين المشتبكين.

في السياق ذاته، نقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، قوله: "نصيحتنا كانت دائماً الدعوة إلى السلام و(وقف) تدخل القوى الأجنبية في البلدين"، مصرِّحاً بأن الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل تحاول القفز على موجة الاحتجاجات الشعبية وتقدم لها الدعم المالي.

"لا أمريكا ولا إيران"

منذ اندلاع الموجة الأولى من الاحتجاجات العراقية قبل نحو شهر، بدا "النفوذ الإيراني" جنباً إلى جنب مع التدخلات الأمريكية ومحاولات الرياض فرض أجندتها على بغداد، من أبرز مسببات الغضب والحنق لدى شرائح واسعة من المحتجين.

اللافت أن الكثير من المظاهرات التي خرجت مرددةً شعارات من قبيل "لا أمريكا ولا السعودية ولا إيران"، اندلعت بالأساس من المدن العراقية ذات الأغلبية الشيعية.

لم يكن مستغرباً إذن أن يتوجه الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ومهندس العمليات العسكرية الخارجية لطهران، إلى المنطقة الخضراء في بغداد غداة اندلاع الموجة الأولى من الاحتجاجات العراقية، ليلتقي هناك رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي وعدداً من المسؤولين الأمنيين العراقيين، وفقاً لما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

انتفاضتا لبنان والعراق ستلعبان دوراً مهماً في إعادة هيكلة النفوذ السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، وهذا يعني، بالمعنى الوطني، تجفيف نفوذ إيران في هذين البلدين

أسامة محمود آغي - كاتب ومحلل سياسي

الصحيفة ذكرت أيضاً في تقريرها الذي أعدّه الأربعاء، الصحفيّان قاسم عبد الزهرة وجوزيف كراوس، أن سليماني قال للمسؤولين العراقيين: "نحن في إيران نعرف كيفية التعامل مع هذه الاحتجاجات.. فقد حدثت قبل ذلك لدينا واستطعنا السيطرة عليها"، وفقاً لمصدر أمني عراقي لم يُكشف عن هويته.

ويلفت التقرير إلى أن اليوم التالي لزيارة الجنرال الإيراني، شهد اشتباكات "عنيفة للغاية" بين المحتجين والقوى الأمنية، ما أسفر عن وقوع أعدادٍ كبيرة من القتلى والجرحى.

وخلال تجدد الاحتجاجات مطلع الأسبوع الجاري، حسبما ينقل التقرير عن سكان محليين، تقدّم القوات العراقية جنودٌ يلبسون زياً أسود وأقنعة وجه، يعتقد السكان بكونهم إيرانيين.

في هذا الصدد، قال المحلل الأمني العراقي هاشم الهاشمي إن "إيران متخوّفة من هذه الاحتجاجات، نظراً إلى أنها (إيران) جنت في الفترة الأخيرة أكبر مكاسب يمكنها تحقيقها في الحكومة والبرلمان عبر أحزابٍ مواليةٍ لها"، مضيفاً أن "إيران لا تريد أن تخسر هذه المكتسبات، وهو ما يدفعها لتوجيه الأحزاب والقوى العراقية القريبة منها لاحتواء الحراك الاحتجاجي عبر نهجٍ إيرانيٍ بحت".

"كلن يعني كلن.. ونصر الله واحد منن"

على غرار الاحتجاجات العراقية المنادية بكبح التدخلات الأجنبية، شهد الحراك الشعبي اللبناني تعبيراتٍ صريحة عن ضجر المحتجين من السلطة الواسعة التي يتمتع بها حزب الله الحليف التاريخي لطهران، وأمينه العام حسن نصر الله في لبنان.

بعض المحتجين اللبنانيين هتفوا صراحة ضد نصر الله شعارات أبرزها "كلن يعني كلن، ونصر الله واحد منن"، ربما في أول تحدٍّ شعبيٍ صريح لما يعرف في لبنان بـ"قدسية السيد" منذ سنوات، وفي مظاهرات عدّها مراقبون الأضخم في تاريخ لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل عقود.

في هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل أسامة محمود آغي إن اللبنانيين "بمختلف طوائفهم اكتشفوا أن الدولة اللبنانية مختطفة من مكون سياسي عسكري هو حزب الله الذي أعلن مراراً على لسان أمينه العام حسن نصر الله أن المرجعية السياسية والدينية لحزبه هي مرجعية سلطة المرشد الأعلى في الدولة الإيرانية علي خامنئي".

ويضيف آغي في مقال رأيٍ نُشِر على موقع TRT عربي، أن "هذا ينطبق أيضاً على التيار السياسي الطائفي "الشيعية السياسية العراقية" إذ إن حزب الدعوة العراقي وغيره من الأحزاب الطائفية الشيعية العراقية، يجد في القيادة السياسية الإيرانية مرجعاً رئيسياً له، وهذا ما يفسر نفوذ "مليشيا الحشد الشعبي" ذات البنية الطائفية الصريحة".

ويتوقع آغي أن "انتفاضتي" لبنان والعراق ستلعبان "دوراً مهماً في إعادة هيكلة النفوذ السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، وهذا يعني، بالمعنى الوطني، تجفيف نفوذ إيران في هذين البلدين"، مشيراً إلى أن "هذا الجهد الذي تعمل عليه قوى الانتفاضتين يتلاقى موضوعياً مع جهد تقوده المنظومة الغربية التي تريد إضعاف هذا النفوذ. وهو جهد سيجد ارتدادات له في دول الإقليم وتحديداً في سوريا وإيران".

TRT عربي
الأكثر تداولاً