أعادت الحرب الروسية-الأوكرانية أجواء الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، لكن بالمقابل بدأ يتبلور موقف عربي بالعودة إلى سياسة عدم الانحياز بصورته الإيجابية (Sergey Bobok/AFP)
تابعنا

أظهر تصويت الدول العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان مزاجاً متعاطفاً مع موسكو، أو على الأقل رافضاً لهيمنة الغرب.

إذ إن ليبيا وجزر القمر الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان صوتتا لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بينما امتنعت 12 دولة عربية عن التصويت، وكان ذلك أقرب إلى رفض القرار.

وصوتت الجزائر وسوريا ضد القرار، بينما فضّل كل من المغرب ولبنان وموريتانيا والصومال وجيبوتي التغيب عن جلسة التصويت.

ويتجلى هذا التغير في المزاج العربي الرسمي في أن 16 دولة عربية صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح إدانة "الهجوم الروسي على أوكرانيا"، بينما امتنع كل من الجزائر والسودان والعراق عن التصويت، وصوتت سوريا ضد القرار، واختار المغرب الامتناع.

أي أن 14 دولة عربية تراجعت عن دعم الموقف الأمريكي والغربي المناهض للعملية الروسية في أوكرانيا، فيما اختارت الجزائر القفز من قائمة الممتنعين عن التصويت إلى قائمة الرافضين الصريحين لتشديد العقوبات أكثر على موسكو.

واختار كل من لبنان والصومال وجيبوتي وموريتانيا الانضمام إلى المغرب في معسكر الامتناع عن التصويت.

أعادت الحرب الروسية-الأوكرانية أجواء الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، لكن بالمقابل بدأ يتبلور موقف عربي بالعودة إلى سياسة عدم الانحياز بصورته الإيجابية، تجلى في زيارة وفد مجموعة الاتصال العربية، لروسيا وبولندا لحل الأزمة الأوكرانية.

وضم وفد مجموعة الاتصال العربية وزراء خارجية الأردن والجزائر والعراق ومصر والسودان، والتقى وزيرَي خارجية روسيا وأوكرانيا في موسكو ثم بالعاصمة البولندية وارسو.

هذه الوساطة بين موسكو وكييف تفرض على الدول العربية أكبر قدر من الحياد، وهو ما يفسر امتناع أغلبية الدول العربية عن التصويت على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بعدما أيدت غالبيتها قراراً بإدانة روسيا.

فالعرب متحفظون من إصدار قرار يحمل إدانة لروسيا قبل إرسال لجنة تحقيق في الجرائم المرتكبة بأوكرانيا والتأكد من الطرف المتورط في هذه الجرائم على غرار ما حدث في سوريا وغزة ولبنان، ولا يرغبون في تصعيد الموقف أكثر بشكل لا يخدم الوساطة التي تقودها الجامعة العربية.

أما على مستوى المصالح المشتركة فتستورد العديد من الدول العربية السلاح والحبوب من روسيا وتربطها بها علاقات تاريخية ومتينة، وأي مواقف حادة ضد موسكو من شأنه أن يهدد هذه المصالح التي يمكن وصفها بالاستراتيجية بخاصة في ظل الضغوط الأمريكية والغربية.

فالجزائر تستورد ثلثَي أسلحتها من روسيا، بينما استوردت مصر قرابة 70% من احتياجاتها من القمح من روسيا، وتخشى المغرب موقفاً متشدداً من موسكو بمجلس الأمن في قضية إقليم الصحراء، والنظام السوري بقاؤه مرتبط باستمرار الدعم الروسي.

وتشكل روسيا شريكاً للدول العربية النفطية في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" لضبط أسعار البترول، بل وخياراً مثالياً للضغط على التهديدات الأمريكية على بعض الدول الخليجية، على غرار تهديد جو بايدن في 2019 قبل أن يصبح رئيساً بجعل السعودية "دولة منبوذة".

فرغم رفض الدول العربية من حيث المبدأ اعتداء أي دولة على سيادة دولة أخرى، فإنها لا ترغب في أن تكون جزءاً من هذا الصراع بشكل يضر مصالحها الاستراتيجية.

ورفض الهيمنة الأمريكية سبب آخر يدفع دولاً وشعوباً عربية إلى التعاطف مع الموقف الروسي الذي حذر منذ سنوات من تمدد حلف شمال الأطلسي "الناتو" من حدوده الغربية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً