الولايات المتحدة تدين استمرار الدعم العسكري الروسي لخليفة حفتر (Reuters)
تابعنا

"العالم بأسره استمع إلى السيد حفتر وهو يعلن نيته شن حملة جوية جديدة٫ السبب هو أن الطيارين المرتزقة الروس الذين سيحلقون بمقاتلات روسية عازمون على قصف الليبيين"، بهذه الكلمات عبّر الجنرال الأمريكي ستيفن تاونسند عن الحد الذي بلغه ضيق واشنطن من الوجود العسكري الروسي في ليبيا دعماً لمليشيات خليفة حفتر.

لا مجال للإنكار

مع استمرار تكبد أمير الحرب الليبي خليفة حفتر ومليشياته هزائم متتالية على أيدي القوات الحكومية المدعومة تركياً على مدار الأسابيع الماضية، بدا أن واشنطن صارت أكثر ضيقاً بمحاولات موسكو لإنقاذ حفتر، وباتت اللهجة الأمريكية أشد حدة في التعبير عن رفض تزايد النفوذ العسكري الروسي في ليبيا، وما قد يُشكِّله ذلك من "تهديد للأمن القومي لبلدان جنوب أوروبا".

هذا الضجر الأمريكي ظهر واضحاً في البيان الذي أصدرته مؤخراً القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، وأكّدت فيه أنها رصدت طائرات حربية أرسلتها روسيا إلى ليبيا لدعم المرتزقة المقاتلين دعماً لمليشيات حفتر.

كما رجّحت القيادة في بيانها المرفق بصور التقطتها الأقمار الصناعية للمقاتلات الروسية في سماء ليبيا، أن يكون "الهدف من إرسال تلك المقاتلات هو تقديم الدعم الجوي للهجمات البرية التي يشنها مرتزقة فاغنر الموجودون لمساعدة الجيش الوطني الليبي (مليشيات حفتر) في نزاعه العسكري مع القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً".

وتأكيداً للفكرة، شدد الجنرال تاونسند الذي يتولى قيادة "أفريكوم"، على أنه لم يعد أمام الروس مجال لإنكار تورطهم في ليبيا بعد ذلك، مدللاً بـ"أننا قد رأينا مقاتلات الجيل الرابع تحلّق في السماء الليبية٫ ونعلم جميعاً أنه لا الجيش الوطني الليبي (مليشيات حفتر) ولا الشركات العسكرية الخاصة المتعاقَد معها يستطيعون إطلاق تلك الطائرات أو صيانتها والإبقاء عليها عاملة، من دون دعم دولة بعينها هي روسيا".

على الرغم من ذلك، لا تزال موسكو مصرة على نفي اتهامات واشنطن. ففي تعليقه على بيان "أفريكوم"، قال نائب رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما الروسي أندريه كراسوف إن "المعلومات حول إرسال روسيا طائرات حربية إلى ليبيا لا تعكس الحقيقة. فالأمر لا يعدو كونه قصة رعب أمريكية جديدة"، مضيفاً أن "تلك الادعاءات كاذبة ومضللة على غرار ما اعتدنا عليه من الإدارات الأمريكية المتعاقبة"، وفقاً لما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.

"سورنة ليبيا"

وتُسلِّط الاتهامات الأمريكية الأخيرة الضوء على ما نقلته قبل نحو أسبوع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أفادوا بأن فريق خبراء في الأمم المتحدة أجرى تحقيقاً حول إرسال 8 طائرات حربية روسية إلى خليفة حفتر.

وقال الدبلوماسيون الذين فضّلوا عدم الكشف عن هوياتهم، إن إرسال هذه المقاتلات من سوريا إلى ليبيا، قد يحمل معه احتمال نشوب صراع مباشر بين روسيا وتركيا، حتى أن أحدهم عبّر عن تخوفات من أن يكون ذلك "هذا أحد أوجه سورنة ليبيا"، فيما أعرب دبلوماسي آخر عن توقعه أن المقاتلات الروسية المرسلة إلى حفتر قد يتجاوز عددها 8 مقاتلات.

كما أوردت الصحيفة رأي الباحث في الشأن الليبي ولفرام لاتشر الذي قال إن هدف إرسال المقاتلات إلى ليبيا، منع تركيا من إخراج قوات حفتر من الغرب الليبي، مضيفاً أن "أول ما ستقوم به (المقاتلات)، قصف قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) لمنع تركيا من استخدامها، كما أنها ستقصف أنظمة الدفاع الجوية التركية في العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس). يبدو أن الأمر سيتحول إلى سباق بين تركيا وروسيا لضمان التفوق الجوي".

تحوّل الموقف الأمريكي

على الرغم من أن الولايات المتحدة رسمياً لم تدعم حفتر بشكلٍ صريح، فإن موقف إدارة الرئيس دونالد ترمب من أمير الحرب الليبي لم يكن طوال الوقت يسير على نحوٍ متسق، حتى أن تسريبات أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية أذنت له بشن هجومه على طرابلس مسبقاً، وفقاُ لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في أبريل/نيسان الماضي.

وأشار التقرير إلى أنه قبل أيامٍ من انعقاد مؤتمر للسلام برعاية أمريكية بين الفصائل المتصارعة في ليبيا في ربيع 2019، أجرى حفتر مكالمة هاتفية مع مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون، أعرب فيها الأول عن عدم رغبته في دخول مباحثات سلامٍ في الوقت الراهن وأنه أراد موافقة أمريكية على هجومه على طرابلس، وهو ما لم يرفضه بولتون.

ونقل التقرير عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن رسالة بولتون لم تكن ملتبسة، إذ كان مفادها أنك "إن كنت ستهاجم فافعل بسرعة"، وهو ما فهمه حفتر على أنه "قبول صريح".

في هذا الصدد أصدر البيت الأبيض في اليوم التالي للمكالمة الهاتفية، بياناً أثنى فيه ترمب على "الدور المهم الذي يلعبه حفتر في محاربة الإرهاب"، ليبدأ الأخير بعد يومٍ واحدٍ من إصدار البيان في "قصف أحياء طرابلس المدنية".

ويبدو أن الهزائم المتوالية التي تكبّدها حفتر، بالإضافة إلى إصرار موسكو على لعب دور أساسي على مسرح الصراع الليبي، كانت لها أثر حاسم في جعل المقاربة الأمريكية أكثر وضوحاً، لا سيما وأن "آمال حفتر بدخول طرابلس غازياً منتصراً يبدو أنها قد تبددت"، على حد تعبير طارق المجريسي الخبير في الشأن الليبي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية.

وتواصل مليشيات حفتر تكبُّد خسائر فادحة، جرّاء تلقِّيها ضربات قاسية في مدن الساحل الغربي وصولاً إلى الحدود مع تونس، إضافة إلى قاعدة "الوطية" الاستراتيجية (غرب) وبلدتَي بدر وتيجي ومدينة الأصابعة بالجبل الغربي (جنوب غرب طرابلس).

وبدعم من دول عربية وأوروبية، تشن مليشيات حفتر منذ 4 أبريل/نيسان 2019، هجوماً متعثراً للسيطرة على طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين بجانب أضرار مادية واسعة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً