قوات حكومة الوفاق خلال تصدِّيها لهجوم مليشيات حفتر على طرابلس (AFP)
تابعنا

فشلت مليشيات حفتر عدة مرات في السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، لكن فشلها هذه المرة كان مضاعفاً، إذ سارت ست مدن ليبية على خطى مصراتة التي وضعت كل ثقلها وإمكانياتها تحت تصرف حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليّاً من أجل معركة الحسم في العاصمة، وأعلنت النفير العام دفاعاً عن طرابلس ضد حفتر.

الزنتان ومصراته وكاباو وزليتن والخمس ومسلاتة والزاوية، مدن تقع في الغرب من ليبيا، قررت حسم المعركة ودعت إلى "التنسيق والتعاون التام لوضع الخطط اللوجيستية لتحرير كافة التراب الليبي من كل العصابات الانقلابية الخارجة على الشرعية"، كما نقلت شبكة الرائد الإعلامية الخاصة عن بلدية الزاوية في بيان لها، الأمر الذي يشير إلى دلالات معينة تنذر باندلاع مواجهات جديدة بين حفتر الذي استعان بمليشيات روسية وإفريقية، وحكومة الوفاق التي تتصدى لهجومه.

ندعو المجلس الرئاسي إلى تسخير كل الإمكانيات من أجل المعركة وتوجيه كل القطاعات الحكومية لكل ما يحتاج إليه المجهود الحربي

بيان بلدية مسلاتة الليبية

الدعم الداخلي جاء بالتوازي مع تأكيد المجلس الأعلى للدولة الليبي الاثنين، تمسكه بالحل السياسي السلمي المرتكز على مخرجات الاتفاق الموقع قبل سنوات، في الصخيرات المغربية الذي جرى توقيعه تحت رعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، بين أطراف النزاع لإنهاء الحرب، الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً، في حين أعلن مجلس النواب المنعقد في طبرق انسحابة من ذلك الاتفاق.

وقال المجلس الأعلى للدولة الليبي في بيان عبر صفحته بموقع فيسبوك، إن "إنهاء العدوان على العاصمة طرابلس، يمهد لإرساء دعائم الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن الحريات وتحقق العدالة للشعب الليبي كافة".

التقى رئيس لجنة تعديل الاتفاق السياسي بالمجلس الأعلى للدولة السيد "موسى فرج" رفقة عضوي اللجنة السيد "منصور الحصادي"...

Posted by ‎المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة‎ on Monday, 16 December 2019

حفتر يواصل هجومه

ميدانياً، استيقظت العاصمة الليبية طرابلس الثلاثاء، على أصوات إطلاق قذائف مدفعية ثقيلة تستهدف تمركزات مليشيات حفتر.

وقال قائد قوة الإسناد في عملية بركان الغضب التابعة للوفاق ناصر عمار لـTRT عربي، إن حكومة الوفاق دفعت بتعزيزات عسكرية للعاصمة شملت 800 آلية عسكرية لمواجهة هجوم حفتر.

وأفادر زياد الحجاجي مراسل TRT عربي في ليبيا، بأن الاشتباكات مستمرة في محاور القتال قرب طرابلس، ومليشيات حفتر تقصف أحياءً مدنية مكتظة بالسكان وتُفاقم تأزُم الأوضاع الإنسانية.

وأضاف: "لقي أحد المواطنين حتفه حسب ما أفاد به لنا مركز الطب الميداني نتيجة سقوط قذيفة بالقرب من منزله، فيما تَعرض أكثر من 130 كلم لقصف جوي من طائرة دون طيار، كما توالت البيانات من المناطق الغربية التي تعلن حالة النفير".

وقالت مصادر لـTRT عربي إن القذائف التي تسقط على الأحياء المدنية آتية من تمركزات مليشيات حفتر جنوب طرابلس.

تخبط مصري وإماراتي

يرى مراقبون أن الاتفاق التركي الليبي حول ترسيم الحدود البحرية دفع حفتر إلى إعلان ساعة الصفر للسيطرة على طرابلس، والتي لم تكُن المرة الأولى التي يعلن عنها حفتر، كما قال المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبي صلاح البكوش لـTRT عربي.

وأشار البكوش إلى أنه "عندما بدأ حفتر هجومه في إبريل/نيسان توقع أن يعلن النصر من قلب طرابلس، لكنه استعجل الأمر من جديد، وحاول أن يحث قواته بشيء ما ربما بناء على نصيحة من مموليه في مصر والإمارات والسعودية لقطع الطريق على أي تعاون أمني تركي ليبي محتمَل لأنه سيعقد الأمور بالنسبة إليهم".

وقال: "التصريحات والتصرفات الإماراتية والمصرية تدلّ على التخبُّط وعدم فهمهم للواقع على الأرض، فحفتر لم تعُد لديه أي قوات في طرابلس يستطيع أن يشنّ بها هجوماً، وعلى هذا الأساس اعتمد على القصف المدفعي والجوي".

حل سياسي أم عسكري؟

وعن شرعية وقانونية تدخُّل مصر والإمارات يتحدث مجيد بودن الأكاديمي ورئيس جمعية المحامين الدوليين في القانون الدولي بفرنسا لـTRT عربي قائلاً: "يمكن لأي طرف أن يحسم المعركة عسكريّاً، أن يولد معركة أخرى، لذلك من الأفضل الذهاب إلى الحل السياسي".

ويعارض صلاح البكوش رأي بودن، إذ يرى أن الحديث عن حل سياسي أصبح علكة في فم الجميع، ولا يرتكز على معلومات دقيقة، "فقد كان الجميع يقول إنه لا حل في سوريا إلا سياسيّاً، لكن ما حدث هو حل عسكري، وخليفة حفتر ليس لديه الوعاء البشري لنصرته، بدليل استعانته بمليشيات روسية وإفريقية".

وأضاف: "هناك حكومة شرعية معترف بها بقرار من مجلس الأمن تحت البند السابع، من حقها أن تطلب أي مساعدة لحسم الأمر"، مشيراً إلى أن "طلب قوات على الأرض قد يكون مستبعَداً في هذه اللحظات في المستقبل القريب، لكن طلب التصدي للطيران الإماراتي مهمّ جدّاً لجعل المعركة متكافئة بين الطرفين".

الكاتب والباحث السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، يوافق البكوش رأيه، إذ قال لـTRT عربي إن "الحل السياسي لن يفيد عندما يصطدم بعملية عسكرية، لأن طرف حفتر إرهابي وغير معترَف به دوليّاً، لذلك لا بد من رادع لمن ينقلب على الشرعية في ليبيا، ومِن ثَم رادع لمصر والإمارات وغيرهما من الداعمين لهذه المليشيا".

وتابع: "تدخُّل تركيا شرعي وطبيعي، وهذا ما يجب عمله عندما يُطلَب منها ذلك، وإلا فما فائدة الاتفاقات بين الدولتين؟ ويجب أن ننتبه لوجود مَن يريد استنساخ النموذج المصري وأن حفتر أصبح واقعاً".

مليشيات أجنبية

حدة التصريحات بين الأطراف المحلية والإقليمية تتصدر المشهد الليبي، بخاصة بعد تمكُّن حكومة الوفاق من تشكيل حشد دولي ممثل بتركيا وقطر وإيطاليا، في مقابل استعانة مليشيات حفتر بمرتزقة روس وسودانيين وتشاديين كما أكّد الناطق باسم الجيش الليبي.

مصر التي تعترف بدعم حفتر، يظهر تناقضها لنفسها من خلال اعتراف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدعم قوات حفتر من جهة، وانتقاده للتدخُّل الخارجي في الشأن الليبي في الوقت ذاته، مدعياً أن الدول الداعمة للحكومة الشرعية تؤخِّر الحل السياسي منذ اتفاق الصخيرات.

واتهم السيسي الخميس، حكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً بأنها "مسلوبة الإرادة"، و"أسيرة للمليشيات الإرهابية"، لتردّ عليه حكومة الوفاق الليبية الاثنين، وتعبّر عن رفضها أي تهديد يمسّ السيادة الوطنية، داعية السلطات المصرية إلى لعب "دور إيجابي" يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، فيما أظهر بيان صادر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، استغرابه الشديد من تصريحات للسيسي.

ويتهم تقرير للأمم المتحدة عدة شركات ودول بخرق الحظر المعلن في 2011 من خلال تسليم أسلحة أو إرسال مقاتلين إلى ليبيا، وأوضح أن عمليات تسليم المعدات العسكرية حُضّر لها مطوَّلاً بعيداً عن الشفافية، وأن "مُعَدَّات نُقِلَت إلى ليبيا بشكل متكرر وفاضح في انتهاك للحظر على الأسلحة".

وفصّل الخبراء الأمميون في تقريرهم: "في عملية سرية، سلّمَت البحرية الأيرلندية مليشيات حفتر سفينة لشركة هولندية، في مارس/آذار 2017 بقيمة 122 ألف دولار، ثم اشترتها شركة إماراتية بقيمة 525 ألف دولار وأعادت تسجيلها في بنما كـ"زورق ترفيه"، ثم اشترت مليشيات حفتر السفينة بمبلغ 1,5 مليون دولار".

ويقول خبراء الأمم المتحدة إن المقاتلين السودانيين انتشروا في ليبيا بموجب عقد وُقّع في الخرطوم في 7 مايو/أيار 2019 بين المجلس العسكري السوداني الانتقالي وشركة "ديكنز آند مادسون إنك" الكندية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً