بعد نحو عقد من التوتر في العلاقات بين طهران والرياض، يبدو أن البلدين يتجهان إلى تهدئة بفضل عدد من المتغيرات الدولية والإقليمية، أبرزها تغير الإدارة الأمريكية وما تبعه من إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
وبدأت التوترات بين الخصمين الإقليميين بسبب حروب بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يدعم فيها كل من البلدين طرفاً مختلفاً من أطراف الصراع فيها.
تصاعدت الأزمات عندما أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر في الثاني من يناير/كانون الثاني 2016، وردّ محتجون إيرانيون على ذلك باقتحام السفارة السعودية في طهران وإضرام النيران فيها، حتى قطعت الرياض علاقاتها مع طهران.
والأحد الماضي قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، نقلاً عمّن وصفتهم بمسؤولين مطّلعين، إن بغداد شهدت في وقت سابق من أبريل/نيسان الجاري محادثات بين "مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبار"، الأمر الذي قد تنعكس نتائجه على الوضع في الشرق الأوسط. غير أن مسؤولاً سعودياً نفى للصحيفة إجراء أي محادثات بين الجانبين.
بعدها نقلت وكالة رويترز الاثنين عن مسؤول إيراني كبير ومصدرين في المنطقة قولهم إن مسؤولين سعوديين وإيرانيين أجروا محادثات مباشرة، في محاولة لتخفيف التوتر بين البلدين. وأضاف المصدران أن الاجتماع ركّز على ملفَّي اليمن ولبنان.
وحسب رويترز، قال مسؤول إيراني إن الاجتماع عُقد في بغداد في التاسع من أبريل/نيسان الجاري، وكان على مستوى منخفض لاستكشاف ما إذا كان لتخفيف التوتر القائم في المنطقة سبيل. وأشار المسؤول إلى أن الاجتماع عُقد بناءً على طلب من العراق، لكنه لم يسفر عن أي انفراجة.
في المقابل قال دبلوماسي غربي في المنطقة لرويترز، إن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على علم مسبق بالمحادثات السعودية-الإيرانية "لكن لم تطّلعا على أي نتائج".
يأتي الإعلان عن عقد اللقاء في بغداد فيما تستضيف فيينا مفاوضات بين طهران والقوى الكبرى تهدف إلى البحث عن سبل لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015.
ويرى البعض أن احتمالية عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي والتورط السعودي في حرب اليمن وعدم تسامح إدارة جو بايدن مع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، أمور تدفع الرياض إلى تخفيف التوترات مع دول الإقليم وأبرزها الخصم اللدود إيران.
وعن هذا تقول الباحثة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي، إن "إجراء محادثات إيرانية-سعودية كالتي تحدثت عنها "فايننشيال تايمز" سبقتها محادثات أخرى لم تؤدِّ إلى نتيجة، وفِي 2019 شهدت العلاقات دعوات متبادَلة إلى الحوار والترحيب بالحوار".
لكنها ترى أنه "قد يساعد الظرف الدولي والإقليمي على إنجاز ما يشبه الحل السياسي، وإن كان عامل الزمن وقرب رحيل حكومة (حسن) روحاني قد يؤخره"، وفق ما نشرت في تغريدة على تويتر.
وتضيف: "الحاجة ملحَّة إلى نظام أمن إقليمي مشترك يدفع نحو استقرار منطقة الخليج، وقد يكون هذا الهدف دافعاً إلى تخفيف حدة التوتر بين إيران والسعودية، كما أن تصاعد التهديد الحوثي للسعودية الذي صار تحدياً أمنيًاً قد يدفع السعودية إلى محاورة إيران بحثاً عن مخرج جدي".
إضافة إلى ذلك، فإن عديداً من التحليلات يرى أن على إيران استغلال فرصة وجود جو بايدن في الحكم بعد فترة عصيبة وضغط أقصى في فترة سابقه دونالد ترمب، وهو ما قد يدفعها إلى تخفيف التوتر في المنطقة.
ويتزامن كل ذلك مع انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران المقررة في يونيو/حزيران القادم، التي قد تؤدي إلى تحريك المياه الراكدة في اتجاه أكثر مرونة.
ولا شك أن أي تهدئة من هذا النوع ستعود بالفائدة على العراق الذي يعاني الأضرار التي تلحقها هجمات بالصواريخ أو بعبوات ناسفة تنفذها بوتيرة أسبوعية فصائل تُعَدّ بطاقة بيد إيران تستخدمها في كل مفاوضات مع بغداد، حسب مسؤولين عراقيين.
ومنذ أصبح رئيساً للوزراء، توقع كثيرون أن يصبح مصطفى الكاظمي وسيطاً بين الخصمين الإقليميين، وذلك بعد زيارته الرياض وطهران على التوالي، خلال أول رحلة خارجية له منذ تسلُّمه منصبه في يوليو/تموز 2020.
لكن هذا النوع من التقارب ترى فيه إسرائيل خطراً شديداً على أمنها وتحاول إجهاضه عبر تشكيل تحالف مع دول عربية سُنّية مهمتها التحذير من حيازة طهران سلاحاً نووياً، وهو ما يعقّد أي مهمة لتحقيق تقارُب سهل بين البلدين.