الرئيس الفرنسي يتهم تركيا بالسعي للتأثير في الانتخابات القادمة في بلاده (AFP)
تابعنا

يختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سياسة الهرب إلى الأمام مرة أخرة، في إطار سياسته المتبعة نحو الانتخابات القادمة، التي تفيد الاستطلاعات الأخيرة بأنه يواجه فيها منافسة شرسة من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.

ولاستدراك ذلك، يسعى ماكرون منذ أشهر للذهاب إلى الأقصى في خطابه وتوجهاته، فمرة يرمي سهامه ضد الجالية المسلمة في فرنسا، وأخرى ضد المهاجرين في قلب باريس، وأخيراً اختار أن تكون تركيا هدفه من أجل نيل نقاط انتخابية جديدة.

لم يكتف الرئيس الفرنسي هذه المرة بانتقاده سياسات أنقرة كما هي العادة، بل حمل معه مجموعة اتهامات جديدة وجاهزة، مفادها أن تركيا تحاول التأثير في الانتخابات القادمة في فرنسا، وأن الإعلام المرتبط بها يؤثر في شِقّ كبير من المنطقة سلبياً. وإذ يبدو الشق الأول من الكلام اتهاماً بلا أي سند، فإن الثاني جاء شهادة ضمنية بالقدرة الفعالة للإعلام التركي في كشف ممارسات باريس.

استجلاب متلازمة أنقرة

ليس جديداً على ماكرون هذا الهوس بتركيا منذ سنوات، إذ أصبح يشكل نوعاً من المتلازمة الدائمة يُعرَف باسم "متلازمة أنقرة"، فهو لا ينفك أن يربط كل أزمة في بلاده بتركيا ليصل الأمر إلى اتهامه العلني والمباشر بتدخُّل الأخيرة في انتخابات بلاده.

وخلال فيلم وثائقي بثّته قناة "فرانس 5" ضمن برنامج "سي-دان لير"، حذّر الرئيس مما سمَّاه "محاولات تدخُّل" من جانب تركيا، في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، التي ستجرى في 2022، قائلاً: "بالتأكيد ستكون هناك محاولات للتدخل في الانتخابات المقبلة، هذا مكتوب، والتهديدات ليست مُبطَنة".

يستدرك ماكرون في كلامه بأن محاولة تحسين العلاقات مع تركيا مؤخراً مرتبطة بعدة أمور، إذ يؤكد أنه "لا يمكنك الالتزام مجدداً (في علاقة) عندما تكون فيها نقاط التباس"، كما لا يريد أن تكون العلاقة هادئة إذا كان وراء ذلك مناورات متواصلة، وهو في إطار اتهام أنقرة بالمناورة ضده.

بالعودة إلى متلازمة أنقرة، وفي ظلّ اتهاماته لتركيا، يعود الرئيس الفرنسي ليقول إن أوروبا بحاجة إلى حوار مع تركيا، وعليها أن تفعل كل شيء حتى لا تدير ظهرها لأوروبا وتتجه نحو مزيد من السياسيات التي وصفها بالسلبية بالنسبة إليهم كأوروبيين، لافتاً في سياق حديثه إلى أن تركيا "شريك في القضايا الأمنية والهجرة".

ويواصل ماكرون تناقضه، إذ يؤكد في ذات المقابلة أن تركيا "تحملت مسؤولياتها" في استقبال أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، محذراً من أنه "بشأن قضية الهجرة علينا العمل مع أنقرة. إذا فتحوا (الأتراك) الأبواب، فسيصل ثلاثة ملايين لاجئ سوري إلى أوروبا".

هذه المتلازمة صارت تلاحق الرئيس الفرنسي منذ حادثة تفتيش فرقاطة فرنسية السفينة التركية في البحر المتوسط في يونيو/حزيران 2020، التي تَبيَّن أنها لا تحمل أسلحة إلى ليبيا، ورغم ذلك لم تعتذر باريس حتى الآن إلى أنقرة، بل تواصل ذات النهج الذي تعتبره أنقرة "عدائياً".

مدح دون علم

بالعودة إلى البرنامج الذي عُرضت فيه كلمة ماكرون، كان الحيز الأول من كلام الرئيس الفرنسي حول ما اعتبره هو أكاذيب إعلامية تديرها تركيا من أجل التأثير في الرأي العامّ العربي والفرنسي.

إذ انتقد بالحرف ما سماه "أكاذيب إعلامية مرتبطة بالدولة التركية وأكاذيب قنوات كبرى تديرها قطر"، ولكنه ينسى في الآن نفسه أنه اختار قناة "الجزيرة" القطرية لتوضيح وجهة نظره للعالم العربي عما قاله ضد الإسلام.

يحاول ماكرون أن يهرب من تصريحاته التي هاجمت الإسلام ودافعت عن الرسومات المسيئة للنبي محمد، بما أن ذلك يأتي في سياق الدفاع عن حرية التعبير، قائلاً: " أنا لم أقل يوماً إنني مع الرسومات، بل أنا مع حماية من رسمها"، وهو ما يُعتبر تطوراً كبيراً في موقفه بسبب ما سمَّاه أكاذيب الإعلام التركي.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل واصل البرنامج على وقع كلمة ماكرون عرض مواقع وسائل الإعلام التركية الذي اتهمها بأنها تهاجم فرنسا، متناسياً ما يُسَنّ في بلاده منذ سنوات من قوانين معادية للحريات الدينية وممارسات معتدية عليها، آخرها كان قانون الانعزالية الذي يندّد به المسلمون والمسيحيون والمنظمات الحقوقية.

ساهم ماكرون والبرنامج الذي ظهر فيه، في إظهار مدى تأثير الإعلام التركي في الرأي العامّ الفرنسي أولاً، والرأي العامّ العربي ثانياً، إذ يعترف الرئيس الفرنسي بأن وسائل الاعلام المرتبطة بتركيا استطاعت التأثير في المشرق والمغرب وحتى فرنسا، وهو يؤكّد أهمية الدور الذي لعبه الإعلام التركي، بخاصة في حملة المقاطعة الأخيرة.

حاول الرئيس الفرنسي الإساءة إلى دور الإعلام التركي في المنطقة، إلا أنه نجح في إبراز قوته ودوره الكبير، وهو ما يعكس أهمية وجهة النظر التي يمثلها، بخاصة الدفاع عن القضايا الإنسانية في العالم وكشف الجرائم من إفريقيا إلى أوروبا والدول العربية، التي تمثل فرنسا جزء فاعلاً فيها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً