مسجد في أونجي الفرنسية عُلّق بناؤه بسبب نقص التمويل والعراقيل التي تضعها الحكومة (New York Times)
تابعنا

يزداد العداء للإسلام في فرنسا يوماً بعد يوم بوضوح، مدعوماً بسياسات رسمية يقودها الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أثارت تصريحاته ضدّ الإسلام والمسلمين قبل أشهر موجة غضب عارمة ودفعت ملايين المسلمين حول العالم إلى مقاطعة البضائع الفرنسية.

وجاء وصف ماكرون للدين الإسلامي بأنه "دين يعيش في أزمة بكل مكان"، بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها بلاده ضد المسلمين، من ضمنها فرض قوانين، منها قانون "ضد الانفصال الشعوري" المثير للجدل الذي يزعم ماكرون أنه يهدف إلى مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية".

ولعل أكثر ما يُبرِز سياسة العداء للإسلام والمسلمين في فرنسا هو سياسة إغلاق المساجد، وعرقلة جميع جهود إقامة مسجد في البلاد، وفرض رقابة مستمرة على المصلين المسلمين.

وفي نهاية العام المنصرم، كشف وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إغلاق السلطات 73 مسجداً ومدرسة خاصة ومحلّاً تجاريّاً منذ مطلع 2020، بذريعة "مكافحة الإسلام المتطرف".

وأوضح الوزير أن 73 مسجداً ومدرسة خاصة ومحلّاً تجارياً أُغلقَت منذ بداية العام، لافتاً إلى اعتزام باريس ترحيل 231 أجنبياً من البلاد بذريعة تطرفهم.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد بات أمر المساجد وبنائها مادة دسمة للسياسيين في فرنسا، الذين يُبدي غالبيتهم عداءً واضحاً، ولعل هذا ما كشفت عنه أزمة بناء مسجد تركي في مدينة ستراسبورغ قبل أيام.

وكان مجلس مدينة ستراسبورغ أصدر قراراً يوم الاثنين 22 مارس/آذار الجاري يقضي بمنح جمعية "مللي غوروش" التركية مساعدة قيمتها 2.5 مليون يورو لبناء مسجد "أيوب سلطان" في حي ميناو، وهو ما أثار زوبعة على الساحة الفرنسية.

وقوبل هذا العرض بالرفض التامّ من عديد من السياسيين، وأجج مرة أخرى التصريحات المعادية لتركيا، التي تحمل في طياتها خطاباً متبنياً للإسلاموفوبيا.

وعقب صدور القرار، اتهم جيرالد دارمانين، وزير الداخلية الفرنسي، عمدةَ المدينة جين بارسغيان، بدعم مشروع تقوده "فيدرالية تدافع عن الإسلام السياسي وتركيا".

وفي تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر، أعرب دارمانين عن أسفه لدعم بلدية ستراسبورغ التابعة لحزب البيئة (الخضر) جمعية رفضت التوقيع على "ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا"، متمنياً "التصويت قريباً على هذا القانون الذي يكافح الانفصالية، وإقراره".

تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن "إقامة مسجد في فرنسا بات عملية معقدة ومتعباً للغاية، بخاصة أن الجالية المسلمة في طبيعتها أفقر من بقية شرائح الشعب الفرنسي، وبات البحث عن داعمين ومتبرعين من خارج البلاد أمراً مثيراً للقلق في ظل الرقابة الشديدة التي تفرضها حكومة ماكرون والقوانين التي تشرّعها".

وحسب الصحيفة فإن "الحكومة الفرنسية في الوقت الذي تقدّم فيه نفسها على أنها محايدة في سياساتها تجاه كل الأديان،فإنها تسمح بإقامة الكنائس بشكل واسع حتى باتت من أكثر الدول التي تحتوي على الكنائس الكاثوليكية، بل وتوفّر لها الحراسة والحماية".

وتضيف: "المسلمون في فرنسا يصطدمون اليوم بعراقيل كثيرة، ويرى نقاد أن فرنسا تدعم من أموال دافعي الضرائب أنواعاً من الأديان، لكنها لا تحاول الاستفادة من الإسلام الذي يُعَدّ أكثر الأديان انتشاراً وأسرعها، إذ زاد انتشاره ليصل خلال فترة قصيرة نسبياً إلى 6 ملايين مسلم، بما يشكّل 10% من سكان فرنسا كلها".

إمام مسجد أونجي سعيد آيت: المسلمون يبحثون مصادر خارجية لتمويل بناء المساجد بسبب تقصير الحكومة (نيويورك تايمز)

وتضرب الصحيفة مثلاً مدينة أونجي غرب فرنسا، إذ "استخدم مجلس أونجي المحلي قوانين العقارات لمنع قادة مسجد المدينة من البحث عن دعم من دولة المغرب".

وتقول إن "مسجد أونجي عبارة عن مسلخ سابق تصل فيه درجة الحرارة إلى الصفر، وقد استخدم مسجداً مؤقتاً للمسلمين الذين يضطرون إلى الصلاة على أعتابه في كثير من الأحيان".

وتشير إلى أن البناء في هذا المسجد غير المكتمل أصلاً توقف "في الخريف الماضي عندما رفض مجلس المدينة وبالإجماع مقترحاً تقدم به قادة المسلمين تسليم ملكية المسجد غير المكتمل إلى الحكومة المغربية مقابل إكماله. ولم يعد بمقدور المسلمين بالمنطقة والذين تبرعوا بـ2.8 مليون تقديم المزيد".

ونقلت الصحيفة عن إمام مسجد أونجي سعيد آيت قوله "ثمّة تناقض كبير، عندما يعجز المسلمون عن تمويل بناء مسجدهم وسط تهميش الحكومة وعدم توفير الدعم سوف يلجؤون إلى الخارج، حتى هذا الأمر بات صعباً في ظل قوانين ماكرون".

من جانبها، اعترفت سيلفيا كامارا تومبيني، عضو المجلس الاشتراكي، بأن الجمعيات الإسلامية في أونجي وأماكن أخرى كانت في مأزق: بينما لم يتمكنوا من جمع الأموال بمفردهم، كانت فرنسا تجعل من الصعب البحث عن الأموال في الخارج. وقالت: "بموجب القوانين، لا توجد طريقة أخرى حقاً".

ولم تتوقف حرب ماكرون على الإسلام والمسلمين عند هذا الحد، فبينما كانت فرنسا أوّل دول العالم ملاحقة للحجاب والمحجبات، وسعت إلى سنّ قوانين للتضييق عليهن، بدأت حكومة ماكرون في البحث عن زوايا إضافية تشدد الخناق أكثر.

وكان مجلس الشيوخ الفرنسي قد مرر قبل أيام نصوصاً تعديلية لمشروع القانون المسمى: "احترام مبادئ الجمهورية" منها خاصة تلك المتعلقة بالحجاب.

ومن بين التعديلات التي أقرها المجلس، تعديلان يحظران ارتداء الرموز الدينية بشكل واضح لمن يرافقون التلاميذ في الأنشطة خارج المدرسة، بمن فيهم أمهات التلاميذ. وهما تعديلان سبق لمجلس الشيوخ أن تبناهما عام 2019 في قراءة أولى.

ويطرح هذا التعديل الجدل من جديد حول ارتداء الحجاب في الأماكن العمومية، رغم أن النواب حرصوا على عدم ذكر كلمة حجاب خلال مناقشاتهم، لكنهم أصروا على الطابع العلماني للتعليم في فرنسا، واعتبار الأنشطة خارج المدرسة جزءاً من النظام التعليمي في البلاد، بما يعني أنه يجب أن يلتزم بدوره بمبادئ العلمانية.

وبذلك يكون النواب بمصادقتهم على التعديلين، وسعوا الحظر المفروض منذ عام 2004 على ارتداء الرموز الدينية، من طلاب المدارس والكليات والمدارس الثانوية لارتداء "لافتات أو ملابس يظهرون من خلالها انتماءهم الديني"، إلى الأشخاص المشاركين في الأنشطة المرتبطة بالتدريس داخل أو خارج المؤسسات التي تنظمها هذه المدارس والمؤسسات التعليمية العامة.

من جهة أخرى، وارتباطاً بالرموز الدينية، جرى اعتماد مشروع تعديل آخر على قانون الانفصالية، يهدف إلى منع ارتداء "البوركيني" في حمامات السباحة البلدية أو أماكن الاستحمام التابعة للبلدية. ويؤكد نص المشروع على أن القوانين الداخلية الخاصة بتلك الأماكن "تضمن احترام مبادئ حيادية الخدمات العامة والعلمانية". وقد لقي هذا التعديل بدوره معارضة من قبل وزير الداخلية، لكن معارضته لم تجد صدى عند أغلبية النواب ممن صادقوا على المشروع.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً