تظهر هذه الصورة التي التقطتها الأقمار الصناعية أن ملء خزان سد النهضة قد بدأ بالفعل (AP)
تابعنا

في أعقاب إعلانها إتمام المرحلة الأولى من ملء سد النهضة بنجاح الشهر الماضي من دون تنسيق مسبق مع مصر والسودان، عادت إثيوبيا لتجاهل كل التفاهمات التي سبق وتوصلت الأطراف الثلاثة لها في المفاوضات السابقة.

وتعتبر القاهرة السلوك الإثيوبي الأخير معبراً عن رغبة في نسف المسار التفاوضي بالكامل تحت غطاء من التظاهر بالعكس، وذلك من خلال طرح خطة للتشغيل والملء لا تخلو من احترام القواعد الاسترشادية التي سبق الاتفاق عليها، مع الإصرار على اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق أوسع لإعادة محاصصة مياه النيل الأزرق والدخول في مشروعات تنموية مشتركة، تزعم أنها ستعود بالفائدة على جميع الأطراف.

وعلى ذلك أرسلت مصر، الأربعاء، خطاباً إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي، تؤكد فيه رفض القاهرة الملء الإثيوبي الأحادي لسد النهضة، في 22 يوليو/تموز الماضي، دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي.

وأواخر يوليو/تموز، أعلنت إثيوبيا اكتمال المرحلة الأولى من ملء خزان السد بشكل أحادي، ودون تنسيق مع مصر والسودان، وقالت إن هذا الملء جاء بفعل أمطار غزيرة، ولم يكن قراراً حكومياً.

وقالت وزارة الموارد المائية والري المصرية، في بيان: "في إطار الفعاليات المتعلقة بالتفاوض حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، قامت مصر اليوم 5 أغسطس (آب) 2020، بإرسال خطاب إلى دولة جنوب إفريقيا، بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي".

وأضافت أن الخطاب تضمن "تأكيد رفض مصر الملء الأحادي الذي قامت به إثيوبيا في 22 يوليو".

كما أعربت القاهرة عن "رفض ما ورد في الخطاب الأخير الموجه من وزير المياه الإثيوبي إلى نظرائه في مصر والسودان، بتاريخ 4 أغسطس"، وفق البيان.

وأوضحت أن هذا الخطاب "تضمن مقترحاً مخالفاً للتوجيه الصادر عن قمة هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي في 21 يوليو 2020، والذي أكد على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً، وليس مجرد إرشادات وقواعد حول ملء سد النهضة".‎

وعقد الاتحاد الإفريقي، في 21 يوليو الماضي، قمة مصغرة بمشاركة الدول الثلاث، عقب نحو أسبوع من انتهاء مفاوضات رعاها الاتحاد لنحو 10 أيام، من دون اتفاق، وأسفرت القمة عن الدعوة إلى استئناف المفاوضات الثلاثية.

وأعلنت القاهرة، الثلاثاء، تعليقها للاجتماعات حول سد النهضة مع أديس أبابا، لإجراء مشاورات داخلية، وبحث الطرح الإثيوبي الذي تقول إنه يخالف ما تم الاتفاق عليه سابقاً.

فيما قالت وزارة الري والمياه الإثيوبية، الثلاثاء، إن مصر والسودان طلبتا تأجيل اجتماعات السد للنظر في قواعد الملء، التي قدمتها أديس أبابا.

وتعثرت المفاوضات بين الدول الثلاث على مدار السنوات الماضية، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية بشأن السد الواقع على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل.

فيما تقول أديس أبابا، إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر والسودان المائية، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء بالأساس.

الموقف السوداني

في السياق ذاته، أوضح وزير الري السوداني ياسر عباس، في بيان، أن الخطاب الإثيوبي الذي تلقته بلاده اليوم "يثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المفاوضات الحالية (..) ويهدد استمراريتها".

ورهن عباس "استمرار مشاركة السودان في المفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي، بعدم الربط ما بين التوصل لاتفاق بشأن الملء والتشغيل من جهة، والتوصل لمعاهدة حول مياه النيل الأزرق من جهة أخرى".

ويقترح الخطاب الإثيوبي وفق عباس، أن "يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة، بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق".

وتسعى إثيوبيا إلى الربط بين اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة"، تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء سد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.

خيارات مصر المحدودة

وواصلت مصر اتصالاتها الدبلوماسية مع بعض الدول دائمة العضوية والحالية في مجلس الأمن خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، على رأسها فرنسا وأمريكا والصين وألمانيا، لعرض تطورات الموقف الإثيوبي، والتأكيد أن على مجلس الأمن التدخل مرة أخرى للحفاظ على الإطار العام القانوني الملزم للمفاوضات بصورة عاجلة، في ظل حديث متصاعد في الإعلام المحلي عن احتمالية الانسحاب من المفاوضات الإفريقية لتلاعب إثيوبيا بجميع الأطراف.

ونجحت مصر مؤخراً في اجتذاب الموقف السوداني إلى صفها، حيث أعلنت كل من مصر والسودان رفضهما المقترحات التي قدمتها إثيوبيا بشأن خطة ملء سد النهضة وتشغيله اليوم، حيث أكدت وزارة الري المصرية أنها ونظيرتها السودانية طلبتا تعليق الاجتماعات التفاوضية الحالية، لإجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي الذي يخالف ما جرى الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي في 21 يوليو/تموز 2020، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه أمس.

لأنه حسب الطلب الإثيوبي الأخير سيفتح الباب لمفاوضات "طويلة الأمد" تتضمن الاتفاق على قواعد الملء السنوي والتشغيل المستمر من جهة، وإعادة المحاصصة في مياه النيل الأزرق. فضلاً عن النص على كيفية التعامل مع المشروعات المستقبلية التي يمكن لإثيوبيا إنشاؤها على النيل الأزرق في المسافة الواقعة بين المنابع وسد النهضة، وهي النقطة التي أصرت كل من مصر والسودان على أن يكون من الواضح فيها ضرورة الإخطار المسبق قبل فترة كافية.

والتقى مدير المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، الثلاثاء في الخرطوم، رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وناقش معهم عدة قضايا بينها سد النهضة.

فيما قال بيان صادر عن مجلس السيادة حول الزيارة: "كامل أطلع البرهان على نتائج لقائه مع حميدتي وحمدوك، "بشأن تطورات سد النهضة والجهود المبذولة لتجاوز الخلافات وفق روح الحوار لحل المشكلة".

ووفق البيان، تلقى البرهان، رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها وتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين"، دون تفاصيل عن فحواها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً