مساعدات صينية تصل إلى إيطاليا لمواجهة فيروس كورونا (AFP)
تابعنا

بدء تفشّي وباء كورونا وانتشاره في دول العالم يكشف عن الأزمة العميقة في النظام العالمي بشكل عام وهشاشة أنظمة الدول، من خلال عجزها عن التصدي للوباء، ناهيك بما كشفه الفيروس من وهن الوحدة الأوروبية التي بدأت الصين وروسيا بالتسلل إليها وخرقها لأهداف سياسية مغلفة بحجج إنسانية ومساعدات طبية.

وأدى غياب التنسيق في مواجهة كورونا إلى توجيه صفعة إلى النظام العالمي الذي بدأ يترنح على إثر الأزمات المتلاحقة ويقف عاجزاً عن إيجاد الحلول للسيطرة على الوباء.

روسيا والصين.. مساعدات أم دعاية؟

وبدأت بعض الدول الأوروبية تبدي انزعاجها من المساعدات الصينية والروسية لدول أوروبية أخرى استفحل وباء كورونا فيها، الأمر الذي ينذر باشتعال أزمة، بخاصة بعد اتهام فرنسا لكل من الصين وروسيا باستغلال المساعدات الخاصة بمواجهة كورونا من أجل الدعاية، إذ عبرت فرنسا عن استيائها من استثمار البلدين للمساعدات التي تقدمانها في مجال مكافحة فيروس كورونا لغايات دعائية.

وقالت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية إميلي دو مونشالان إنه "لا يتعين على روسيا والصين استخدام المساعدة التي يأتون بها في سياق الأزمة الصحية كأداة لغايات دعائية"، معلنة أن التضامن لا يمكن أن يستخدم أداة للترويج"، وأضافت: "من الأسهل أحياناً القيام بالدعاية وإظهار الصور الجميلة واستغلال ما يحصل".

لا يجب أن تدخل الصين وروسيا في حسابات سياسية واستغلال للأزمة من خلال مساعدتها للدول الأوروبية، لأن ذلك سيكون معيباً.

وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية - إميلي دو مونشالان

وبعدما كانت الصين بؤرة الوباء، تحولت من دولة منكوبة إلى دولة تبعث بمساعدتها إلى دول العالم، لا سيما إيطاليا وإسبانيا بعد أن أصبحتا على رأس الدول في عدد الإصابات والوفيات بالفيروس.

وأرسلت بكين تسعة خبراء صينيين متخصّصين بفيروس كورونا المستجد وأطناناً من المساعدات الصحية إلى روما في 12 مارس/آذار، فيما استغلت روسيا من خلال إرسالها خبراء متخصّصين في الفيروسات إلى إيطاليا وتوجيهها الانتقادات إلى الاتحاد الأوروبي، قوتها الناعمة للتضليل، حسب معارضيها.

وحتى الخميس، أعلنت الصين أنها قدمت مساعدات عاجلة إلى 83 دولة ومنظمة دولية لمكافحة فيروس كورونا.

وقال الكرملن إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، استعداد بلاده لتقديم مساعدات لإيطاليا في مواجهة فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 4 آلاف إيطالي.

وروج الإعلام المحلي الصيني والروسي لتلك المساعدات، إذ ظلت وسائل الإعلام الروسية تبث مشاهد وصول شاحنات الجيش الروسي إلى مدينة بيرغامو شمالي إيطاليا.

وسارعت موسكو إلى الاستفادة من إحباط إيطاليا من جيرانها وشركائها في الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة فايروس كورونا المستجد. وعلى الرغم من تفشّي الوباء في موسكو، فإنها ترى أن إرسال مساعدات صحية وطبية إلى أحد مؤسسي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فرصة ذهبية.

الصين تعمل بشكل وثيق مع باقي دول العالم لتقديم المساعدات والخبرات، وتبادلت بشكل نشط المعلومات حول فيروس كورونا الجديد، إلى جانب إرسال خبراء إلى دول لمساعدتها في جهود مكافحة الفيروس.

نائب مدير اللجنة الوطنية للصحة في الصين - تسنج يى شين

وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر استبدال علم الاتحاد الأوروبي في إيطاليا، واستخدام العلَمين الصيني والروسي، الأمر الذي اعتبره البعض جزءاً من حرب دعائية، كثفتها حسابات موالية لبكين وموسكو.

وعلى الرغم من صحة الفيديوهات المنشورة، فإن الأشخاص الظاهرين فيها هم إيطاليون لكنهم لا يحملون أي صفة رسمية، فقط عبروا عن غضبهم وخذلانهم من الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت الذي دافع فيه وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، عن المساعدات التي حصلت عليها بلاده من روسيا، نفى الكرملين أن تكون المعونة المقدمة لإيطاليا، المُلصقة عليها قلوب ملونة بالأعلام الروسية والإيطالية، مشروطة بمقابل من الدبلوماسية الإيطالية.

ولم يُعر مسؤولو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أي أهمية للنفي الروسي، بل رأوا أن الأمر أكثر من "مجرد بادرة حسن نية ودية"، وخطوة جيوسياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوسيع نفوذه.

وقالت وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي، إن وسائل الإعلام الروسية تروج لـ"حملة تضليل كبيرة" ضد الغرب، من أجل مفاقمة تداعيات الوباء، إلا أن موسكو عادت ونفت الأمر، الذي تبناه المسؤولون الأمريكيين أيضاً.

تقصير الاتحاد الأوروبي

وتأتي تلك المساعدات في الوقت الذي تتصرف فيه كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي لوحدها، وتظهر الفرقة بين الدول ويتسع الشرخ فيما بينها لتدخل الصين وروسيا بقوتها الناعمة من خلال تلك الثغرات، التي زاد من اتساعها عزلة الولايات المتحدة وانشغالها بالمرض على أراضيها المرشحة أن تحصل على لقب "بؤرة كورونا"، لتجد بعض الدول الأوربية المنكوبة العزاء في المساعدات الصينة والروسية.

وقال خبراء إن ما يحصل جاء بسبب تفرق وحدة الاتحاد الأوروبي وعدم تصرفه ككتلة واحدة، الأمر الذي فسح المجال لقوات دولية أخرى للدخول إلى الفراغ الذي حدث.

وأثار موقف صربيا من الاتحاد الأوروبي ضجة كبيرة، ساهمت في تلميع صورة روسيا والصين، فقد أعربت عن غضبها من تجاهل أوروبا لطلباتها، وقال رئيسها ألكسندر فوتشيتش إن التضامن والتكافل الأوروبي "ليس أكثر من حكاية خرافية"، وذهب بنفسه لتلقّى شحنات المساعدات من الصين.

لقد رأينا أنه لا يوجد تضامن ولا تكاتف في أوروبا، أنا أثق في الصين فهي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدنا، أما بالنسبة إلى الآخرين فنشكرهم على لا شيء.

الرئيس الصربي - ألكسندر فوتشيتش

وكتب سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسو ماساري، مقالاً عقب رفض الدول الأعضاء طلب المساعدة من إيطاليا، أكد فيه أن إيطاليا تُركت وحيدة في مواجهة فيروس كورونا كما تركت وحيدة في مواجهة أزمة اللاجئين، وقال فيه إن "على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خطوات ملموسة مؤثرة وعاجلة وألا يكتفي فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر"، حسب وكالة الأناضول.

وأضاف: "يجب ألا تترك إيطاليا وحيدة في مواجهة هذه الأزمة... إن هذه أزمة عالمية تتطلب تحركاً عاجلاً من أوروبا قبل كل شيء". وتابع: "هذا الموقف يعد مؤشراً سيئاً على التضامن بين بلدان الاتحاد الأوروبي".

وبدر رد فعل مشابه من رئيس الوزراء النمساوي سبستيان كورز الذي قال إن "مبدأ التضامن والتكاتف لا يعمل في أوروبا في ظل هذا الوضع الخطير".

من جانبه، انتقد رئيس وزراء جمهورية التشيك أندريه بابيس الذي سارع بإغلاق حدود بلاده مع 15 دولة، "الدول الأوروبية التي لم تستطع تنسيق الوضع فيما بينها"، وقال: "أصدرنا تعليمات بأماكن العمل لدينا. ولسنا مضطرين إلى انتظار توصيات من بروكسل".

وانتقد بابيس رئيس المفوضية الأوروبية أرسولا فون در لاين قائلاً إنه "يخاف من السوق الداخلي"، مضيفاً أن "الأولوية القصوى له هي سلامة مواطنيه".

توقعات بتغير النظام العالمي

وأكد الباحث في العلاقات الدولية رياض عيد لـTRT عربي، أن عالم ما بعد كورونا ليس كما قبله، مشيراً إلى أنه سيحدث تغيير في كل الشؤون، بخاصة في النظام الصحي.

وتوقع عيد نهاية للنظام الرأسمالي الذي يحكم العالم والاتجاه أكثر نحو التيارات القومية والدولة الوطنية، والليبرالية التي كانت تحكم العالم بنظام اقتصادي جامح، أثبت أنه لا يلقي بالاً إلا لموازين الربح والخسارة، وهذا ما يعني فشل نظام العولمة الليبرالي.

وكانت الولايات المتحدة تعتبر الصين وروسيا أنظمة شمولية لا تقيم وزناً للحريات والديموقراطية، وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الصين تريد تدمير نظام الولايات المتحدة الديمقراطي، لكن هذا النظام الذي يتحدث عنه لم يستطع أن يحمي المواطن، ورأينا كيف تخلى الاتحاد الأوروبي في إيطاليا والمجر، وجاءت الصين لمساعدتهما، مما أجبر الإيطاليين على إنزال علم الاتحاد الأوروبي ورفع علم الصين.

ومما لا شك فيه أن حرباً جيوسياسية اقتصادية وفيروسية على من يتربع عرش الكون، وفي قيادة الحرب تقف أمريكا في العالم الرأسمالي، والصين وروسيا في عالم أورواسيا، إذ تسعى الدولتان إلى تشكيل نظام أورواسي يعم أوروبا وآسيا، أي نظام أكثر عدالة وتعاوناً يقوم على تنمية الدول من الداخل لتأمين المنافع المشتركة، بينما ينقضّ النظام الرأسمالي على الشعوب ويساهم في إفقارها وابتزازها، ويستعمل البنك الدولي وصندق النقد لإفقار الشعوب والسيطرة عليها اقتصادياً، حسب الباحث.

وأضاف الباحث: "منذ عام 2008 حدثت أزمة كبيرة من تعاطي البنك الدولي وصندوق النقد مع الأزمة، وكان ضغط الشعوب والدول والمنظمات الإنسانية على أساس أن دورهما يجب أن يتغير، ونجد الآن أنفسنا في أزمة جديدة قد تفرض نظاماً جديداً وتجبرهما على التغير".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً