تواصل الاعتصام أمام القيادة العامة بعد فشل المفاوضات بين المحتجين والعسكر (AFP)
تابعنا

حملت الساعات الأولى من الثلاثاء الماضي أخباراً غير سارة للمعتصمين منذ ما يقارب الشهر أمام مقر القيادة العامة في الخرطوم، عندما تم الإعلان عن عدم التوصل إلى اتفاق بين ممثلي الاعتصام والجيش بخصوص تركيبة المجلس السيادي الذي سيقود الفترة الانتقالية.

وعلى إثر ذلك، عادت التوترات لتسود العلاقة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، ليجد السودانيون أنفسهم أمام مشهد شبه مغلق، مع تمسُّك كل طرف برؤيته ومقترحاته.

هذا الخلاف عززته أسباب داخلية وخارجية عدة، بين الانقسامات الداخلية والمصالح الإقليمية، التي تحول إلى الآن دون تسليم الجيش لسلطة مدنية وبداية بناء مرحلة جديدة.

حميدتي حصان طروادة

في وقت متأخر من مساء الخميس، حطت طائرة الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي في مدينة جدة، في زيارة لم تتّضح معالمها قبل أن يغادر بعد ساعات.

كان في استقباله ولي العهد محمد بن سلمان الذي اجتمع به لساعات من أجل بحث التعاون بين البلدين، حسب ما أورته وكالة الأنباء السعودية.

تأتي هذه الزيارة لتأكيد العلاقة المتميزة بين الرياض وحميدتي الذي كان المشرف على الجنود السودانيين الذي يقاتلون إلى جانب السعودية والإمارات في اليمن، وهو ما يفسر الدعم الكبير الذي تلقّاه المجلس العسكري من قادة الدولتين.

إذ أودعت السعودية قبل أيام 250 مليون دولار في المصرف المركزي السوداني في إطار حزمة مساعدات تعهّدت بها المملكة للسودان، فيما سبق لها إلى جانب الإمارات أن أعلنتا في 21 أبريل/نيسان الماضي تقديم دعم مالي قيمته 3 مليارات دولار للخرطوم.

في سياق آخر، ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن القوة الرئيسية وسط القوى العسكرية السودانية هو الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع "التي روعت أهالي دارفور"، وأشارت إلى أنه رأس الرمح في التفاوض مع قوى التغيير.

وقالت المجلة إن حميدتي ليس رجل السعودية والإمارات فقط في السودان، بل أوردت معلومة تبدو جديدة بشأنه، وهي أنه ربما ظل يحصل على دعم من موسكو، إذ تسلّم الجيش السوداني إمدادات من شركات تدعمها روسيا، في حين رصدت المجلة بعض الجنود المقاتلين مع حميدتي وهم يتحدثون الروسية بطلاقة.

وأضافت فورين بوليسي أن سكان قرية أم دافوق في دارفور قالوا لها إن الأعلام الروسية كانت ترفرف على ظهور قوافل مرت بالقرية، كانت تحميها قوات الدعم السريع.

معركة مفتوحة

في الجانب المقابل للمعركة، لا تزل قوى الحرية والتغيير متمسكة بمطالبها التي تعتبرها نبض الشارع السوداني، وهي مجلس سيادي مدني في حين يصر العسكر أن يكون المجلس تابعاً له.

وبعد اتفاق شبه نهائي، حول تركيبة المجلس ودوره، إذ تكون الأغلبية للمدنيين فيه حسب إعلان الطرفين قبل أيام، عادت الأمور إلى مربعه الأول، إذ قال مصدر في قوى إعلان الحرية والتغيير لوكالة الأناضول إن المجلس العسكري الانتقالي، أبلغهم بضرورة أن تكون غالبية أعضاء "المجلس السيادي" من العسكر مرة أخرى.

قوى إعلان الحرية والتغيير ثوار كوستي الأحرار توقيعنا على دفتر الحضور الثوري أنا جدي سوداني حبوبتي مهنية أنا زولة...

Posted by ‎تجمع المهنيين السودانيين‎ on Thursday, 23 May 2019

وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "المجلس العسكري أعلن خلال اجتماعات اللجان المشتركة، تمسُّكه بضرورة أن يكون رئيس مجلس السيادة عسكرياً وأن الغلبة في مكون المجلس ذاته للعسكريين".

وذكر أن "المجلس العسكري بتعنُّته يعقّد الأوضاع ويدفع بها نحو التصعيد"، مشيراً إلى أنه "تتم دراسة كل الخيارات لمواجهة الموقف المتصلب من العسكر، بما فيها إعلان العصيان المدني والإضراب العام".

واتهم المصدر "العسكريين بمحاولة التمسك بالسلطة وعدم التزامهم بموقفهم المعلن والداعم لعودة السلطة للمدنيين".

وأشار إلى أن المجلس العسكري "يطرح أجندة جديدة في التفاوض، ويحاول أن يعطي مجلس السيادة المختلف حول طبيعة تكوينه صلاحيات كبيرة تتنافى مع ما اتُّفق عليه مسبقاً، وتمس صلاحيات الجهازين التنفيذي والتشريعي".

لعبة قتل الوقت

لخص الصحفي في مجلة فورين بوليسي، جستن لينش، الوضع في السودان بعبارة "ذهب البشير وبقي نظامه يقاتل"، موضحاً أنه يبدو أن قادة الجيش السوداني بدؤوا يتراجعون عن تعهُّدهم بتسليم السلطة للمدنيين.

ونقل لينش عن كبير الباحثين في المجلس الأطلنطي كاميرون هدسون قوله إن قيادة الجيش تعلمت من البشير كيفية تبديد الوقت في التفاصيل الصغيرة وترك الآخرين يصارعون.

وعلق الكاتب بأن هذه الاستراتيجية سلاح ذو حدين، كذلك فإن هناك مؤشرات على وجود انقسام داخل قيادة الجيش والقوات النظامية يخشى مسؤولون غربيون من تحوله إلى عنف جماعي، مشيراً إلى منع حراس مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق الفريق صلاح قوش فريق النائب العام من دخول منزله لاحتجازه والتحقيق معه في قضية فساد.

لكن حسب المجلة تبدو هذه اللعبة مربكة إقليمياً ودولياً أيضاً، إذ تسعى الرياض وأبو ظبي لضمان الاستقرار لصالح حلفائهم من أجل مصالحهم الاقتصادية والسياسية، فيما تدعم مصر العسكر من أجل حسم المعركة في أقرب وقت من أجل تطويق الديمقراطية والإسلام السياسي، إلا أن واشنطن وعواصم أوروبية أخرى ترى بضرورة تسليم السلطة للمدنيين سريعاً وأن العسكر يكسب في الوقت على حساب مطالب المحتجين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً