الشارع اللبناني مستمر في احتجاجاته المطالِبة بإسقاط النظام والنخبة السياسية  (AA)
تابعنا

مع بدء العد العكسي لمهلة الـ72 ساعة التي منحها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لشركائه في لبنان، من أجل تقديم حل يرضي الشارع والمجتمع الدولي، يستمر المتظاهرون في احتجاجاتهم التي تعم المدن اللبنانية مطالبين بإسقاط النظام الذي يتهمونه بالفساد وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

استمرار المظاهرات جاء أيضاً بعد عقد رئيس الوزراء اللبناني اجتماعاً وزارياً مصغراً، لبحث الورقة الاقتصادية التي تقدم بها، في ضوء الاحتجاجات المتصاعدة بمشاركة وزراء من حركة أمل، وحزب الله، والتيار الوطني الحر، وتيار المرَدَة، ومستشارين للحريري، فيما غاب عنه وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي، حسب قناة LBC اللبنانية.

وتتضمن ورقة الحريري الاقتصادية عدة إصلاحات، من بينها إلغاء كل الزيادات في الضرائب على القيمة المضافة، والهاتف والخدمات العامة، والاقتراحات الخاصة باقتطاع جزء من تمويل سلسلة الرتب والرواتب وإعادة العمل بالقروض السكنية، حسب جريدة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر الأحد.

وقالت قناة المنار التابعة لحزب الله، إن الاجتماع يأتي تمهيداً لعقد جلسة حكومية طارئة وعاجلة في القصر الجمهوري ببعبدا، ثم أعلنت مصادر حكومية أن الجلسة ستكون يوم الإثنين.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين لبنانيين قولهم إن الحريري اتفق مع شركائه في الحكومة على عدة قرارات إصلاحية ومجلس الوزراء ينعقد غداً للاتفاق على الإجراءات، لافتين إلى أن القرارات الإصلاحية لا تشمل أي ضرائب أو رسوم جديدة على الشعب، وأنها تشمل خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50% وإلغاء امتيازات كثيرة.

رهان الورقة الاقتصادية

يقول الكاتب والباحث السياسي اللبناني وائل نجم لـTRT عربي إن "الانتفاضة انطلقت مساء الخميس على خلفية الضرائب التي فرضتها الحكومة على المواطنين، لا سيما الضرائب على مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة تطبيق واتس أب".

ويضيف "هذه الضرائب كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ إذ كان الشارع في لبنان محتقناً على خلفية الأزمة الاقتصادية، وبسبب تصاعد الدولار أمام الليرة في الآونة الأخيرة".

ويشير إلى أن الاحتقان دفع الشعب اللبناني على اختلاف الانتماءات الطائفية والحزبية للانطلاق إلى الشارع بهبّة عارمة للتعبير عن رفضه للضرائب.

ويرى نجم أن خطاب المواطنين "بدأ يأخذ منحى آخر في الساعات الماضية، إذ بدأ بالمطالبة بإبطال الضرائب ثم تحول للمطالبة باستقالة الحكومة، لكنه اليوم يطالب باستقالة الحكومة والرئيس وكل الطبقة السياسية بما في ذلك المجلس النيابي".

ويلفت إلى أن المطلب الأساسي للجمهور في لبنان الآن هو "رحيل كل الطبقة السياسية".

ويقول نجم إن "الحكومة اللبنانية تراهن على الورقة الاقتصادية التي جرى تسريبها عبر وسائل الإعلام، إذ تسعى من خلالها إلى تنفيس غضب الناس وتلبية مطالبهم التي كانوا يصدحون بها أوّل أيام الحراك".

ويعتقد الكاتب والباحث السياسي أن الأمور قد خرجت عن سيطرة الحكومة في هذه الأثناء "المتظاهرون لم يعد لديهم أيّة ثقة بالطبقة السياسية التي مُنِحت فرصاً كثيرة منذ سنوات من أجل الإصلاح ومكافحة الفساد وإنقاذ الوضع الاقتصادي في لبنان".

ويضيف "نرتقب في هذه الأثناء ردة فعل الشارع على الورقة الاقتصادية المذكورة، حتى الآن لا يوجد رد فعل رسمي من قبل الحكومة على مطالب المتظاهرين سوى هذه الورقة التي تحاول من خلالها جس نبضهم".

تباين ردود المستوى السياسي

الشارع اللبناني رد على الورقة الاقتصادية للحريري باستمرار المظاهرات والإصرار على إسقاط النظام، حيث توافد الآلاف على الساحات في المدن اللبنانية، حسب مراسل TRT عربي في بيروت، الذي توقع أن تصل أعداد المشاركين إلى مئات الآلاف على اختلاف آرائهم، بين من يريد إسقاط النظام ومن ينصح بتشكيل حكومة تكنوقراط.

وقال الناشط السياسي علي الحسيني لـTRT عربي، إن الورقة الإصلاحية التي قدمها سعد الحريري لن تهدئ من روع الشارع اللبناني، ناصحاً إياه "بتقديم استقالته ومن ثم تشكيل حكومة من اختصاصيين وتكنوقراط، فهو ليس بالشخص القريب من الشعب، وحكومته فشلت في تقديم الفاسدين للعدالة".

وانحاز رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى الشارع، معتبراً عدم استقالة الحكومة خطأ كبيراً، ودعا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط.

وأضاف جعجع خلال مؤتمر صحفي "توصلنا إلى قناعة أن هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم".

وأعلن الحزب الليلة الماضية استقالة وزرائه الأربعة من الحكومة، فيما اعتبر المتظاهرون هذه الخطوة إنجازاً لهم.

في المقابل، انضم حزب الله إلى قائمة الرافضين لاستقالة الحكومة اللبنانية، وسبقه في ذلك الرفض وزيرة الداخلية ريّا الحسن التي قالت إنها لا تؤيد الاستقالة بحجة أنها لا تحقق أي هدف. كذلك قال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل "إن أي بديل للحكومة الحالية سيكون أسوأ بكثير"، بالإضافة إلى رؤساء حكومة سابقين في لبنان (فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام) الذين أبدوا دعمهم لرئيس الوزراء سعد الحريري.

وقال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله السبت إن حزبه لا يؤيد استقالة الحكومة وإن البلاد أمامها وقت ضيق لحل الأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أنه يدعم الحكومة الحالية "ولكن بروح جديدة ومنهجية جديدة" وأن الاحتجاجات المستمرة تُظهر أن الطريق للخروج من هذه الأزمة ليس بفرض ضرائب ورسوم جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود.

ويرى محللون أنه في حال قدم الحريري استقالته فسيكون من الصعب على الأحزاب المختلفة في الائتلاف الحاكم تشكيل حكومة جديدة. ومن المرجح أيضاً أن يكون لجماعة حزب الله نفوذ أكبر في الحكومة الجديدة وهو تغير سيجعل عرض المانحين الدوليين أو دول الخليج العربية المساعدات أو الاستثمارات ضرباً من ضروب المستحيل تقريباً، حسب وكالة رويترز.

أزمة البنوك

قالت جمعية المصارف اللبنانية إن جميع البنوك ستظل مغلقة الاثنين، بسبب الاحتجاجات. ويأتي هذا الإغلاق في وقت قالت فيه مصادر حكومية إن الحريري ينتظر موافقة ائتلافه على الاقتراحات الاقتصادية التي تشمل فرض ضرائب على البنوك وخطة لإصلاح شركة الكهرباء الحكومية.

ومن شأن إقرار الموازنة أن يساعد لبنان على الحصول على مليارات الدولارات التي تعهّد بها المانحون الدوليون العام الماضي، شريطة تطبيق إصلاحات طال انتظارها للقضاء على الهدر في الإنفاق وعلى الفساد.

وأجرت وكالة رويترز مقابلات مع ما يقارب 20 من مسؤولي الحكومة والساسة والمصرفيين والمستثمرين في لبنان، أجمعوا خلالها على أن البلاد ستواجه أزمة كبيرة إذا لم تحصل على دعم مالي من الخارج، وسيكون هناك احتمال لتخفيض قيمة العملة أو حتى التخلف عن سداد الديون في غضون أشهر.

وقال وزير الخارجية جبران باسيل في كلمة بثها التلفزيون الجمعة، إنه قدم ورقة في اجتماع لبحث الأزمة الاقتصادية في سبتمبر/أيلول قال فيها، إن لبنان يحتاج "صدمة كهربائية، وإن القليل الباقي من الرصيد المالي قد لا يكفينا لفترة أطول من نهاية السنة إذا لم نعتمد السياسات المطلوبة".

وقالت مصادر لوكالة رويترز إن الدول التي اعتادت التدخل مالياً لإنقاذ لبنان من الأزمات بشكل يعتمد عليه نفد صبرها بفعل سوء الإدارة والفساد، ولجأت لاستخدام الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة في الضغط من أجل التغيير، ومنها دول عربية خليجية فتر حماسها لمساعدة لبنان بسبب النفوذ المتزايد الذي يتمتع به حزب الله المدعوم من طهران، وما ترى أنه حاجة لكبح نفوذ إيران المتنامي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وقال عدد من المصرفيين والمستثمرين والمسؤولين الذين حاورتهم رويترز، إن شروخاً جديدة ظهرت بين الحكومة اللبنانية ومقرضيها من القطاع الخاص مع تبدد الثقة وندرة الدولارات؛ فبعد سنوات ظلت البنوك تموّل الحكومة خلالها متوقعةً أن تواصل العوائد ارتفاعها بدأت تلك البنوك تطالب بتنفيذ الإصلاحات لكسب تأييد الجهات المانحة، انطلاقاً من إحساسها باقتراب البلاد من الانهيار.

وانقسم المسؤولون والمصرفيون والمستثمرون فيما إذا كانت الأمور ستصل إلى حد تخفيض قيمة الليرة اللبنانية، وذلك بسبب الإخفاق لسنوات في تنفيذ الإصلاحات وفي ضوء التصميم الجديد بين المانحين التقليديين على المطالبة بها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً