منذ 2011، تسعى الإمارات للتدخل في الشأن التونسي عبر كل الوسائل من أجل ضرب التجربة الديمقراطية (Reuters)
تابعنا

لم تكن لحظة استدعاء السفير الإماراتي لدى تونس في سبتمبر/أيلول 2013، وسط وضع إقليمي مشحون انتهت فيه العملية الديمقراطية في مصر، وتشتعل فيه جبهات القتال في ليبيا آنذاك، سوى انعكاس حقيقي للعلاقات بين تونس وأبو ظبي منذ عام 2011.

كان المشكل الأساسي بالنسبة إلى دولة الإمارات مع الوضعية السياسية في تونس حسب معهد كارنينغ، هو تفضيلهم مقاربة الغالب والمغلوب، أي خلق حالة تكون فيها رؤيتها هي المنتصرة على شاكلة ما وقع في مصر، يكون فيها الإسلاميون المتمثلون في حركة النهضة خارج الحكم، ويستعيد خصومهم السلطة بأي طريقة.

ومنذ ذلك الحين، تحاول أبو ظبي الإمساك بزمام الأمور في تونس، بشتى الطرق من أجل فرض رؤيتها، إلا أنها دائماً ما تجد نفسها أمام عوائق عطلت مشاريعها.

"فوبيا الربيع" وحرب الخليج الباردة

"نحن الأمل في شرق أوسط جديد"، بمثل هذه الكلمات عبَّر سفير الإمارات العربية المتحدة بالولايات المتحدة يوسف العتيب عن مشروع بلاده، ملخصاً الهدف من كل التحركات الإماراتية في المنطقة.

بناءً عليه، ركزت أبو ظبي دورها في المنطقة على إرساء رؤيتها بالكامل للحكم في الدول التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، بل نجحت في ذلك في مصر واليمن، ولا تزال تحاول التموقع في سوريا عبر دعمها غير العلني لنظام بشار الأسد.

في تونس، وجدت الإمارات نفسها أمام عائق كبير حسب موقع نواة، وهو عدم قدرتها على عسكرة الدولة وإقحام الجيش في العملية السياسية لأسباب متعلقة بتركيبة الجيش نفسها وبدوره التاريخي في البلاد، كما كان النسيج الاجتماعي رافضاً لفكرة الإقصاء التي تسعى لها، وهو ما حتم عليها الاصطدام بجدار كلما حاولت التقدم.

فلم تجد سوى اللعب على التوازنات السياسية والأيديولوجية التي ظهرت لأول مرة سنة 2013، عبر دعمها العلني لاعتصام "باردو" الذي كان أهم أهدافه إسقاط حكم "الترويكا" الذي تترأسه حركة النهضة، لتبدأ بعدها في رحلة البحث عن بديل سياسي لها.

بين السطور، كانت الدولة الفاعلة في تونس وقتها عبر شراكتها القوية مع الدولة واستثمارتها دولة قطر، وهو الأمر الذي أدى إلى غضب الإمارات التي تعتبر الدوحة أهم أعدائها في المنطقة.

فتحت الإمارات قنوات تواصل مع المعارضة، لا سيما حزب نداء تونس. ولدى وصول هذا الأخير إلى السلطة في مطلع 2015، أرسلت الإمارات وزير خارجيتها عبد الله بن زايد آل نهيان إلى العاصمة التونسية، في زيارته الأولى منذ مايو/أيار 2011.

وقد اجتمع بالرئيس الباجي قائد السبسي مؤسِّس نداء تونس، ووجّه إليه دعوةً لزيارة أبو ظبي. وزار العديدُ من المسؤولين التونسيين العاصمة الإماراتية لاحقاً في ذلك العام، كما فُتح الطريق أمام لقاء بين السبسي وعبد الفتاح السيسي الذي يحظى بالدعم والرعاية من الإمارات.

كانت القيادة الإماراتية تسعى لضم تونس إلى معسكرها وفرض وصاية عليها، وقد اعتبرت أن من شأن دعمها لحزب نداء تونس أن يساهم في إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي، ويدفع بتونس نحو الاعتراف بالحكومة القائمة في شرق ليبيا وبخليفة حفتر، ولكن لا هذا تحقق ولا ذاك. كذلك فإن الحكومة التي شكَّلها حزب نداء تونس حافظت على علاقات ممتازة مع قطر وحركة النهضة.

نتيجةً لذلك، استمر التشنُّج في العلاقات الإماراتية-التونسية. بحلول منتصف 2015، اشتكى عدد كبير من رجال الأعمال التونسيين من رفض طلباتهم للحصول على تأشيرات سفر إلى الإمارات لأسباب غير واضحة، ووجد المغتربون التونسيون الذين يعيشون في الإمارات صعوبة في تجديد أذون عملهم.

وقد صرّح السفير الإماراتي لدى تونس بأن تلك التدابير تندرج فقط في إطار تعزيز الإجراءات "ضد التطرف الإسلامي العنفي، على ضوء الأعداد الكبيرة من الشباب التونسيين الذين يغادرون للقتال في سورية". غير أن الكثيرين من الأشخاص الذين رُفِضَت طلباتهم ليست لديهم روابط معروفة مع أي من التيارَين المتشدّدَين، أو مع السياسة الإسلامية المتطرفة، ويبدو أن التدابير الإماراتية جاءت كوسيلة للضغط على الحكومة التونسية، حسب كارنينغ.

الحديقة الخلفية لليبيا

منذ بداية تمرده في ليبيا، راهنت الإمارات على خليفة حفتر كأحد أوراقها القوية من أجل السيطرة على الأوضاع هناك واستنساخ تجربة عبد الفتاح السيسي في مصر، لكن لم يكن الأمر بالسهولة ذاتها والمقبولية الدولية.

لعبت دول الجوار في الأزمة الليبية دوراً فعالاً من أجل حلِّها سلمياً مع ضمان استمرار العملية السياسة، إذا ساهمت تونس والجزائر والمغرب في جلوس كل الأطراف إلى طاولة واحدة والمضي نحو مؤسسات معترف بها دولياً عبر ما يُعرف باتفاق الصخيرات.

هذا الاتفاق الذي لم يُرضِ الإمارات بسبب إفرازه حكومة شرعية في طرابلس يقودها فائز السراج، وبرلمان طبرق الذي يقوده عقيلة صالح، ولأن أبو ظبي لا تقبل بثقافة الشراكة والمشاركة، وبالعودة إلى مقاربة الغالب والمغلوب، أبت إلا أن تجند كل حلفائها من أجل دعم حفتر لانقلابه على السلطة.

تونس كانت -ولا تزال- ثابتة على موقفها من الأزمة في ليبيا، معتبرة أن الشرعية الوحيدة هي الشرعية الدولية، وأن الحل لا يمكن أن يكون سوى ليبي-ليبي، رافضة التدخلات الأجنبية عبر المليشيات و المرتزقة.

تحاول الإمارات من خلال تعزيز قوة حفتر وإقحام تونس في المعادلة الليبية، تغطية خساراتها المتتالية هناك، بخاصة بعد التدخل التركي الداعم للشرعية، لهذا تعمل على استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، تماماً كما تفعل في الساحة السورية.

أجرى رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد ظهر اليوم الثلاثاء 14 أفريل 2020 مكالمة هاتفية مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل...

Posted by ‎Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية‎ on Tuesday, 14 April 2020

في الواقع، وحسب أنباء صحيفة "القدس العربي"، أرادت الإمارات مساعدة تونس في مكافحة تفشّي كورونا، وأثارت المحادثة الهاتفية بين "بن زايد" والرئيس التونسي قيس سعيد في 14 أبريل/نيسان الماضي، خلافات سياسية في الداخل التونسي.

كثير من المراقبين فسروا هذا الحدث الذي جاء بعد فتور في العلاقات بين البلدين لسنوات عديدة، بأنه محاولة من "بن زايد" لسحب تونس إلى ليبيا، تحت ذريعة المساعدات.

جاء اتصال "بن زايد" بالرئيس التونسي بعد خسائر متتالية مُني بها حفتر في ليبيا، وفقدانه السيطرة على مناطق على الحدود التونسية الليبية.

لكن ما تريده أبو ظبي من تونس القريبة جغرافياً من حفتر المهزوم ميدانياً، هو لعب دور عسكري وسياسي في ليبيا.

معركة الإعلام ودعم "الفاشيين الجدد"

بعد سلسلة من الهزائم التي تكبَّدها حفتر في ليبيا، بدأت أبو ظبي حملة عبر وسائل إعلام عربية تعمل على تمويلها، ضد رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي محلياً وخارجياً.

ومهدت أبو ظبي لحملتها بنشر مجموعة من وسائل الإعلام الموالية لها في الرياض والقاهرة بالإضافة إلى الإمارات تقارير تزعم تحقيق الغنوشي ثروة مالية طائلة منذ عودته إلى تونس عام 2011، وجاءت الحملة حسب ما ذكرت وكالة الأناضول بهدف تشويه صورته وإثارة زوبعة داخل البيت السياسي التونسي، وزعمت التقارير أن ثروة الغنوشي وصلت إلى ثمانية مليارات دولار،على الرغم من أن موازنة البلاد لا تزيد عن 16.5 مليار دولار.

وفي سابقة من نوعها في العالم، بثت القنوات المدعومة إماراتياً جلسة دامت لأكثر من 16ساعة للبرلمان التونسي في ما يعرف بجلسة "مساءلة راشد الغنوشي" حول اتصال بينه وبين فائز السراج رئيس حكومة الوفاق، التي كانت ورائها رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي، ويصفها الباحثون بزعيمة "الفاشية الجديدة" لدعوتها المستمرة لإقصاء الإسلاميين من المشهد عبر كل الوسائل.

القيادية سابقاً في حزب التجمع الدستوري المنحل بأمر قضائي، والتي كانت أهم المدافعين عن زين العابدين بن علي الرئيس الذي حكم البلاد لمدة 23 سنة، وجدت لنفسها مساحة إعلامية عبر قناتَي "العربية" و"سكاي نيوز عربية"، إذ أصبحت تصريحاتها تُمرَّر في الأخبار المهمة بمنصاتهما.

هذا الاهتمام الإماراتي انعكس على نظيره المصري، إذا دعا الإعلامي المعروف بولائه للنظام المصري أحمد موسى لإسقاط البرلمان التونسي ومقاضاة حركة النهضة، في سابقة وصفها النشطاء بالخطيرة.

كما تفتح هذه القنوات النار يومياً على الانتقال الديمقراطي في تونس عبر تقارير مركبة ومغالطة، مما تسبب في حالة امتعاض كبيرة لدى شريحة مهمة من التونسيين، وهو الأمر الذي عزز لديهم فكرة استهداف الإمارات لبلدهم.

وكنتيجة لذلك حسب الأناضول، فإن أبو ظبي تبذل جهوداً محمومة لتوجيه السياسة التونسية الداخلية والخارجية إلى بناء النظام الإقليمي الذي تتصوره ويتم فيه القضاء على الحركات الإسلامية وتوجيه السياسة الداخلية والخارجية للبلاد بأدوات اقتصادية والحد من نشاط بعض البلدان الفاعلة في المنطقة مثل تركيا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً