2019 كان عاماً حافلاً بالانتفاضات والحراكات الشعبية في المنطقة العربية، ليلحق بـ2011 عام الربيع العربي (AP)
تابعنا

بعد سبات خيّم على المنطقة العربية لأعوام، شهد عام 2019 موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية التي طالت أربعة بلدان عربية، مُعيدةً إلى الأذهان ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011.

وعلى الرغم من اختلاف المآلات التي وصلت إليها الانتفاضات الشعبية سواءً في السودان أو الجزائر، وبعدهما العراق ولبنان، يظل العامل المشترك الأهم بينها هو التعبير عن استياء الشعوب وضيقها من الأنظمة الاستبدادية ونخب الحكم الفاسدة والطائفية والوضع الاقتصادي المتردي.

السودان.. مرحلة انتقالية يديرها مدنيون وعسكريون

في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، اندلعت في مختلف المدن السودانية مظاهرات واسعة تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية وشح السلع، إلا أن الاحتجاجات سرعان ما اتخذت طابعاً سياسياً مطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري قاده عام 1989.

وساهم العصيان المدني الذي نظّمه المحتجون على مدار نحو ثمانية أشهر في الضغط على المؤسسة العسكرية التي أطاحت بنظام البشير في 11 أبريل/نيسان 2018. على الرغم من ذلك، استمر العصيان المدني بعد إسقاطه حتى وقعت ما يُعرف بمجزرة القيادة العامة في العاصمة الخرطوم في الثالث من يونيو/حزيران 2019، التي اتُّهِم المجلس العسكري وقوات الدعم السريع بارتكابها.

وبعد جولات متعددة من المفاوضات، وقّع المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، الممثل الرئيسي للحراك الشعبي، اتفاقية سياسية انتقلت بموجبها السلطة إلى مجلس سيادي لإدارة المرحلة الانتقالية المخطط لها أن تستمر 39 شهراً، وتولى عبد الله حمدوك رئاسة الحكومة في 21 أغسطس/آب 2019.

الجزائر.. الإطاحة ببوتفليقة وانتخاب رئيس جديد

بخلاف الحراك السوداني، اندلعت الاحتجاجات الجزائرية لأسباب سياسية في المقام الأول؛ إذ بدأ الحراك في 16 فبراير/شباط 2019، بعد عشرة أيام من إعلان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة نيته الترشح لولاية رئاسية خامسة.

وشكّل الحراك الاحتجاجي سابقة لم تعرف الجزائر لها مثيلاً منذ نهاية الحرب الأهلية في نهاية تسعينيات القرن الماضي. واتسمت المظاهرات الجزائرية بسلميتها، ما دفع الجيش لإجبار بوتفليقة على الاستقالة، في 2 أبريل/نيسان 2019.

ومنذ ذلك الحين، اعتُقِل عدد كبير من الشخصيات المحسوبة على نظام عبد العزيز بوتفليقة، بمن فيهم شقيقه سعيد بوتفليقة.

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أُجريت أول انتخابات بعد الإطاحة بنظام بوتفليقة، فاز فيها رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، وسط حالة من الجدل الواسع بين مؤيد للمسار الذي اختُتِم بالانتخابات، ومعارضِ له بدعوى أنه يُدار بواسطة رموز النظام السابق.

العراق.. ضد الطائفية والفساد

اندلعت شرارة الاحتجاجات العراقية في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، تنديداً بفساد الطبقة السياسية الحاكمة وتردي الأوضاع الاقتصادية ونظام المحاصصة الطائفي في العاصمة بغداد والمدن الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية.

ودفعت الاحتجاجات رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إلى الاستقالة، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد محاولات مضنية لعدم الرضوخ لمطالب المحتجين، لتقوم حكومته منذ ذلك الحين بتصريف الأعمال لحين انتخاب رئيس وزراء جديد.

واعتُبِرت الاحتجاجات العراقية الأكثر دموية في تاريخ الدولة منذ نهاية الحرب على داعش في سبتمبر/أيلول 2017، إذ إن أعمال العنف التي تخللت الاحتجاجات خلّفت 492 قتيلاً وأكثر من 17 ألف جريح، وفق إحصاء أعدته وكالة الأناضول استناداً إلى أرقام مفوضية حقوق الإنسان (رسمية) ومصادر طبية وأمنية.

والغالبية العظمى من الضحايا هم من المحتجين الذين سقطوا، وفق المتظاهرين وتقارير حقوقية دولية، في مواجهات مع قوات الأمن ومسلحين من فصائل "الحشد الشعبي" المدعومة إيرانياً، والمرتبطة بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد.

وكشفت مفوضية حقوق الإنسان العراقية الأحد، أن 29 حالة اغتيال طالت ناشطين منذ انطلاق التظاهرات من مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى اليوم. وقال علي البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية في تصريح صحفي، إن "29 حالة اغتيال طالت ناشطين منذ انطلاق موجة الاحتجاجات مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

لبنان.. "كلن يعني كلن"

في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتاحت لبنان موجة احتجاجات واسعة تنديداً بفشل الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة.

ويُعد أهم ما ميّز تلك الاحتجاجات رفض المشاركين بها كامل رموز الطبقة السياسية ونظام المحاصصة الطائفي المعمول به منذ انتهاء الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف قبل نحو ثلاثين عاماً، وهو ما عُبِّر عنه بوضوح من خلال الشعار الأشهر للاحتجاجات "كلن يعني كلن"، أي نرفض جميعهم (القادة السياسيين).

وشهدت الاحتجاجات شعارات مناهضة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وزعيم حركة أمل نبيه بري، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري، ما أجبر الأخير على تقديم استقالته في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقبل نحو أسبوع، كلّف الرئيس ميشال عون، حسان دياب الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم العالي سابقاً، تشكيل الحكومة الجديدة بعد اكتمال الاستشارات النيابية، وحصوله على 69 صوتاً (من أصل 128).

من جهته قال دياب، إن حكومته "لن تكون حكومة مواجهة أبداً"، مؤكّداً حق المحتجين المعترضين على تكليفه في إبداء رأيهم. وأضاف دياب للصحفيين من أمام منزله في تلة الخياط (غرب بيروت)، الذي وصل إليه قادماً من قصر بعبدا حيث أُبلغ قرار تكليفه: "حكومتي لن تكون حكومة مواجهة أبداً".

على الجهة المقابلة، تواصل شرائح من المحتجين حراكها بعزم وتصميم على تغيير النظام السياسي برمته والإطاحة برموزه المسيطرة على المشهد على مدار العقود الثلاثة الأخيرة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً