يسعى بعض القوى السياسية لشراء مزيد من وقت المبادرة، لتحسين شروطها التمثيلية في الحكومة (Reuters)
تابعنا

رغم تسارع الأحداث والضغوط الدولية، يبدو أن العراقيل أمام تشكيل الحكومة اللبنانية حتى هذه اللحظة كبيرة ومتفاقمة في ظل مناورات سياسية من التيارات اللبنانية لمحاولة تحسين وضعها التمثيلي في ظل المبادرة الفرنسية التي انقضت مهلتها لتشكيل الحكومة.

وأعربت الرئاسة الفرنسية عن "أسفها" لعدم احترام السياسيين اللبنانيين التعهدات التي قطعوها خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، لتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً.

جاء ذلك حسب ما نقلته شبكة "يورو نيوز" الأوروبية (مقرها فرنسا) الأربعاء.

وقال قصر الإليزيه: "لم يفُت الأوان بعد، على الجميع تحمل مسؤولياتهم والعمل أخيراً لمصلحة لبنان وحده عبر السماح لرئيس الوزراء مصطفى أديب بتشكيل حكومة بمستوى خطورة الوضع".

وزار الرئيس الفرنسي العاصمة اللبنانية بيروت مرتين بعد الانفجار الذي وقع في المرفأ الشهر الماضي وخلّف 191 قتيلاً وأكثر من 6 آلاف جريح وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل قُدرت خسائره بنحو 15 مليار دولار.

والتقى ماكرون القادة السياسيين في لبنان، وطالب بتشكيل حكومة خلال أسبوعين بنظام سياسي جديد.

واستقالت حكومة حسان دياب بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت، وكلّف الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أغسطس/آب الماضي، مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة، تزامنت مع زيارة ماكرون، الذي تتهمه أطراف لبنانية بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية.

مناورات للالتفاف على مبادرة ماكرون

وعلى الرغم من الالتزام الأولي للخطة وتسمية رئيس وزراء معيَّن جديد وعد بتشكيل حكومة خلال أسبوعين، لم يتمكن الساسة اللبنانيون من التزام المهلة النهائية المحددة بسبب انقسامات حول المبادرة نفسها، وأسلوب تشكيل الحكومة، بعيداً عن المشاورات المعتادة والتفاوض بين الفصائل السياسية.

وقد أنهى رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون الثلاثاء الماضي، المشاورات التي كان بدأها الاثنين في قصر بعبدا مع رؤساء الكتل النيابية للبحث في الملف الحكومي، دون إحراز أي تقدم إيجابي ملموس.

ولا تزال "حركة أمل" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، وحليفه حزب الله، تتمسك بوزارة المالية، وقبول المداورة بالنسبة إلى باقي الوزارات.

وسجّل "تكتل الجمهورية القوية" (يمثل حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع في البرلمان)، و"كتلة اللقاء الديمقراطي" (ممثلها الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط)، موقف المقاطعة لاعتبارهما أنّ خطوة الرئيس عون "غير دستورية".

وقال مكتب رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إن حزبه يرفض الطريقة التي يتبعها رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب لتشكيل حكومة جديدة، وذكر أنه لن ينضمّ على أساس ذلك إلى مجلس الوزراء، لكنه سيتعاون في كل ما يلزم لاستقرار بلاده التي تمر بأزمة.

وأورد مكتب بري، الذي يتزعم حركة أمل المتحالفة مع حزب الله، في بيانٍ انتقاداتٍ لطريقة رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب في تشكيل الحكومة ومن بينها عدم التفاوض.

وأكد مكتب بري في البيان أن المشكلة ليست مع الفرنسيين ولا مشكلة داخلية، وذلك بعد أن قال حليف سياسي لبري إنه تحدث هاتفيا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يحثّ لبنان على تطبيق إصلاحات.

في سياق متصل، أعرب رئيس التيار الوطني الحر في لبنان جبران باسيل الأحد عن عدم رغبته في المشاركة في الحكومة المقبلة، وأضاف: "لن نشارك في الحكومة لكن نساعدها على إنجاز الإصلاح، ونواكبها ونساعدها من المجلس النيابي".

وتنتقد كتل سياسية لبنانية تحركات رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، متهمين إياه بمحاولة تشكيل الحكومة دون التشاور مع الكتل النيابية، في حين يلزم الدستور رئيس الحكومة التشاور مع رئيس الجمهورية في التشكيلة الوزارية التي تحتاج إلى توقيع رئيس البلاد أيضاً، والثقة من مجلس النواب، في حين لا يفعل ذلك أديب ويكتفي بمشاورات مع رؤساء الحكومات السابقين.

وعشية انتهاء مهلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول، إن الأولوية في لبنان يجب أن تكون لتشكيل حكومة في وقتٍ سريعٍ، تكون مهمتها تنفيذ إصلاحات أساسية تساهم في نهوض البلاد.

وأضافت دير مول من باريس، أنّ "جميع القوى السياسية في لبنان أعلنت تأييدها هذا الهدف، والأمر متروكٌ لها من أجل ترجمة تعهداتها والتزاماتها إلى أفعالٍ دون تأخير، وهذه من مسؤولية القوى السياسية كما أشار الرئيس الفرنسي خلال زيارته لبنان قبل أسبوعين، وكما نواصل تذكير السلطات اللبنانية بذلك".

محاولات باريسية لإنقاذ مبادرة ماكرون

في غضون ذلك أجرى الرئيس الفرنسي اتصالاً هاتفياً برئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، في محاولة لتذليل عقبة من أجل التزام موعد نهائي هذا الأسبوع لتشكيل حكومة تنتشل البلاد من أزمتها.

وقبل الوصول إلى هذه النقطة كان مسؤول أمني لبناني كبير أجرى محادثات في باريس مع رئيس المخابرات الفرنسية برنار إيمي حول تشكيل الحكومة اللبنانية، مع اقتراب موعد نهائي لإعلان هذا التشكيل.

وتعوّل فرنسا على ساسة لبنان المنقسمين لتشكيل حكومة جديدة تسنّ إصلاحات لانتشال البلاد من أزمة اقتصادية خانقة تُعتبر أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامَي 1975 و1990.

وعادة ما يستغرق الأمر عدة أشهر لتشكيل حكومة في لبنان الذي يحفل بالانقسامات الطائفية والفئوية.

وقال دبلوماسي لبناني لرويترز: "نأمل جميعاً أن يكون ممكناً" الوفاء بالموعد النهائي.

وأضاف: "كانت دائماً في الدوائر السياسية والدبلوماسية شكوك حول إمكانية تشكيلها (الحكومة) في غضون أسبوعين، ومن الواضح أن كثيراً من العمل يتعين القيام به قبل أن يكون لدينا قائمة كاملة بالأسماء".

وقال المسؤول اللبناني إن اللواء عباس إبراهيم التقى خلال زيارته باريس الفريق المكلَّف متابعة المبادرة الفرنسية.

وأضاف أنه لدى عودة إبراهيم إلى بيروت نقل إلى الرئيس ميشال عون "اهتمام فرنسا بمتابعة ما اتُّفق عليه خلال زيارة ماكرون، بخاصة في ما يتعلق بالإسراع في تشكيل الحكومة".

يأتي ذلك في وقت يسعى فيه بعض القوى السياسية لشراء مزيد من وقت المبادرة، سعياً لتحسين شروطها التمثيلية في الحكومة، وتتمحور العقدة الأساسية التي تعرقل عملية التشكيل حول تمسك الثنائي، حزب الله وحركة أمل، بوزارة المال وتسمية الوزراء، لا سيما بعد العقوبات الأمريكية، في حين يتمسك رئيس الحكومة المكلف بمداورة الحقائب وكل بنود المبادرة الفرنسية.

الولايات المتحدة "غير مرتاحة" للمبادرة الفرنسية

في الوقت الذي رفضت فيه النخبة السياسية اللبنانية التزام الجدول الزمني الفرنسي، انتقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تصريحات لصحيفة لوفيغارو الفرنسية مؤخراً استمرار فرنسا في التعامل مع حزب الله و"جناحه السياسي".

وقال بومبيو: "فرنسا ترفض تصنيف حزب الله كله تنظيماً إرهابياً، كما فعلت دول أوروبية أخرى، وبدلاً من ذلك تحافظ باريس على وهم بوجود جناح سياسي لحزب الله، رغم سيطرة إرهابي واحد هو حسن نصر الله".

ودعا وزير الخارجية الأمريكي بومبيو في وقت سابق إلى نزع سلاح حزب الله، مؤكداً أن استمرار الأمور في لبنان على ما هي الآن عليه الآن أمر غير مقبول.

وطرح بومبيو مسألة نزع سلاح حزب الله على الطاولة مجدداً، عبر تأكيده بعد ساعات من مغادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأراضي اللبنانية، "أن الفرنسيين وكل العالم يرى الخطر. الخطر واضح، وهو أنظمة الصواريخ والتحكم التي يحتفظ بها حزب الله في الجنوب".

وقال: "الكل يعرف التاريخ في لبنان. الجميع تَخلَّوا عن سلاحهم باستثناء حزب الله، وهذا هو التحدي الموجود".

وأضاف أن "الناس الذين هم جزء من ذلك أو الذين يتناغمون مع حزب الله، يجب أن يعرفوا أن هذا ليس ما يريده الشعب اللبناني، وليس من متطلبات الوضع الأمني الإقليمي"، في إشارة على ما يبدو إلى مبادرة ماكرون.

وفي هذا السياق من جانب أوروبي، اعتبرت إيمانويلا ديل ري نائبة وزير الخارجية الإيطالي أنه "لا يمكن للآخرين أن يقولوا للبنانيين ما الحلول التي يجب تبنيها لحل مشكلاتهم"، في انتقاد لمبادرة الرئيس الفرنسي.

ووصفت ديل ري في مقال على صفحات دورية "ليمس" الجيوسياسية، نشرت نصه وزارة الخارجية، زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمكان الانفجار في مرفأ بيروت بأنها أثارت "ضجة"، وكذلك "إعلانه رغبته في صياغة مقترح للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي يشلّ لبنان".

وأردفت المسؤولة الإيطالية: "نؤمن بشدة بأن اللبنانيين هم من يجب أن يبني مستقبلهم، بخاصة في هذه اللحظة التي يكون فيها الشعور بأنهم رواد تسطير تاريخ بلادهم أمراً أساسياً".

ورأت ديل ري التي تنتمي إلى حركة "خمس نجوم"، أنه "حان الوقت في لبنان لترويج مفهوم جديد للمواطنة يتجاوز الانتماءات الطائفية".

وقالت: "لا يمكن أن يكون الآخرون هم الذين يقولون للبنانيين الآن ما الحلول التي عليهم تبنيها لتجاوز مشكلاتهم. ينبغي للبنانيين أنفسهم تحديد الأشكال والطرق، التي نأمل أن تكون سريعة"، وبعدئذ "يمكننا مرافقة العملية" السياسية هناك.

وفي السياق نفسه قالت صحيفة لوموند في تقرير إنه بينما كان الرئيس الفرنسي يدافع عن سيادة لبنان خلال المؤتمر الصحفي، فإنه "قدّم نفسه على أنه الوصي على قادتها".

وأشارت إلى أن "هذا الاستثمار في الملف اللبناني له بُعد دولي قوي للإليزيه، فمنذ انفجار ميناء بيروت أجرى إيمانويل ماكرون اتصالات لا حصر لها مع زعماء المنطقة، وكذلك مع نظيره الأمريكي دونالد ترمب".

ووفقاً للصحيفة فإن الأمريكيين يراقبون الجهود الفرنسية بفضول كبير، مقتنعين بأن حزب الله لن يكون في الحكومة الجديدة التي يعمل رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب على تأليفها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً