مظاهرة في رام الله تضامناً مع الأسير البرغوثي (فيسبوك)
تابعنا

أربعون عاماً في غرف مظلمة خلف قضبان حديدية، لم تنجح في قتل معنوياته وإرادته، بل زادته إصراراً على الحلم بإنجاب طفل يحمل اسمه.

أمس الأحد 17 نوفمبر/تشرين الثاني دخل الأسير الفلسطيني نائل البرغوثي البالغ من العمر 62 عاماً، عامه الأربعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ليكون أقدم معتقل فلسطيني.

وحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن البرغوثي قضى 34 عاماً داخل السجون بشكل متواصل، إذ أُطلِقَ سراحه عام 2011 في إطار صفقة تبادل أسرى بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية.

وفي 2014 أعادت إسرائيل اعتقال البرغوثي إلى جانب عشرات من محرري الصفقة بالضفة الغربية التي أفرجت بموجبها حماس عن الجندي جلعاد شاليط، الذي احتجزته في عملية نفذتها قرب حدود غزة عام 2006.

تقول أمان نافع زوجة الأسير البرغوثي: "تمنى نائل سابقاً أن نلتقي فخرج من السجن واجتمعنا وتزوجنا، لكن الاحتلال عاد ليفرق بيننا. الأمل متجدد وثقتنا بالله أكبر من كل شيء، فنحن أصحاب حقّ".

وأضافت لوكالة الأناضول خلال مشاركتها في وقفة تضامنية وسط مدينة رام الله مع زوجها بعد مرور 40 عاماً على اعتقاله، أن "الاحتلال الإسرائيلي يحاول قتل الإنسانية فينا، وذلك عندما اعتقل زوجي الذي يقبع 40 عاماً في سجونهم، لكنهم لن يتمكنوا من ذلك".

وتشير أمان التي زارت زوجها في السجن قبل أسبوعين، إلى أن "نائل يتحلى بمعنويات عالية جدّاً؛ يقرأ بنهم في كل المجالات، ويمارس الرياضة، ويقف سنداً لكل أسير معه، ويرفع معنوياتهم ويجدد أملهم بالحرية رغم كل شيء".

وتنقل زوجته عمن عاشوا مع زوجها في المعتقل وصفهم لنائل بأنه "قاموس" وموسوعة لكل ما يجري في العالم، في إشارة إلأى ثقافته الواسعة، ومطالعته المستمرة للكتب. ورغم هذا الأمل تقول أمان: "في أكثر من مرة قال لي نائل: قد يأتي يوم وأكون من شهداء الحركة الأسيرة".

وتقول: "يريد نائل بهذه الحديث أن يهيئني لكل الاحتمالات، فمعتقلون كثر استُشهدوا بعد أن أمضوا سنوات طويلة في الأسر، وقد يكون هو منهم".

وتتابع: "لحظات كثيرة صعبة في هذه الحياة مرّت على نائل داخل سجنه، أصعبها كان وفاة والديه، إضافة إلى استشهاد ابن شقيقه صالح البرغوثي عام 2018، واعتقال إسرائيل عاصم شقيق الشهيد صالح، ووالدهما عمر، وزوجته سهير البرغوثي، إضافة إلى هدم سلطات الاحتلال منزلين للعائلة".

واعتُقل البرغوثي، المولود في قرية كوبر بقضاء رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، للمرة الأولى عام 1978م حين كان يبلغ 19 عاماً.

حُكم عليه بالسجن المؤبد إضافة إلى 18 عاماً بعد أن رفضت إسرائيل الإفراج عنه رغم إطلاق عديد من المعتقلين في إطار المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وتنفيذ صفقات تبادل للأسرى مع الفصائل الفلسطينية.

وبعد 12 يوماً من اعتقاله اعتقل الجيش الإسرائيلي شقيقه الأكبر عمر، وابن عمه فخري، وحوكم ثلاثتهم بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وإحراق مصنع زيوت إسرائيلي، وتفجير مقهى في القدس.

في عام 2009 دخل البرغوثي موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأقدم أسير سياسي بالعالم، لإمضائه في السجون الإسرائيلية أطول فترة اعتقال عرفها التاريخ.

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، وضمن صفقة التبادل التي عُرفت باسم "وفاء الأحرار"، بين حركة حماس وإسرائيل، أُفرِجَ عن نائل البرغوثي، وتزوج بالمعتقلة المحررة أمان نافع.

لكن ما لبثت سلطات الاحتلال أن استهدفته مجدَّداً بالاعتقال في 18 يونيو/حزيران عام 2014، حين أعادت اعتقاله إلى جانب عشرات من المحررين بالصفقة، وأصدرت بحقه حُكماً مدته 30 شهراً.

وبعد قضائه مدة حكمه الأخير، أعيد له حُكمه السابق وهو المؤبد و18 عاماً، إلى جانب عشرات من محرري الصفقة، الذين أُعيدوا إلى أحكامهم السابقة، وغالبيتهم يقضون أحكاماً بالسّجن المؤبد. وخلال سنوات اعتقاله فقدَ البرغوثي والديه، وتوالت أجيال، ومر عديد من الأحداث التاريخية على الساحة الفلسطينية.

توُفّي والده في أكتوبر/تشرين الأول 2004، ووالدته في الشهر ذاته من عام 2005، دون أن يتمكن من وداعهما وإلقاء النظرة الأخيرة عليهما. وكانت والدة نائل دائمة الحديث عنه، وتتمنى أن تعيش لتضمه حرّاً، وتزفه إلى عروسه.

كما كان للأحداث التي تعاقبت على عائلته الأثر الكبير على البرغوثي، بخاصة عندما استُشهد ابن أخيه صالح، برصاص الجيش الإسرائيلي، العام الماضي وهدم الاحتلال منزلين للعائلة، واعتقل شقيقه عمر وزوجته وابنه.

وخلال سنوات اعتقاله كتب البرغوثي عديداً من الرسائل إلى الشعب الفلسطيني وأرسلها عبر محاميه وأفراد عائلته. وأبرز رسائله كانت تلك التي كتبها في ذكرى ميلاده الـ62 بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي نشر نادي الأسير الفلسطيني نصَّها في بيان أصدره الأحد، بالتزامن مع دخول البرغوثي عامه الأربعين داخل السجن.

وقال المعتقل الفلسطيني في رسالته: "يوم ميلادي يذكّرني بميلاد كل ثورة تطالب بالحرية وأشعر كأني أولد من جديد". وأضاف: "إن الأحداث المؤلمة التي تعصف بنا يجب أن تعزّز من وحدة نضال شعبنا في درب التحرير، وليس في درب المشاريع المؤقتة".

وفي رسالة أخرى وجّهها البرغوثي عبر محامي نادي الأسير بالذكرى الرابعة لإعادة اعتقاله، قال إن "محاولات الاحتلال لقتل إنسانيتنا لن تزيدنا إلا إنسانية".

وتابع: "تعزيز الوحدة الوطنية واجب وطني وقومي يجب أن نحقّقه حتى نتمكن من السير نحو درب التحرر".

ودعا إلى ضرورة رفع منسوب الوعي الوطني لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بمصير الشعب الفلسطيني، وأن تكون قضية محرري صفقة الأحرار هي المفتاح لإتمام صفقات تبادل الأسرى.

يُشار إلى أن إسرائيل تعتقل في سجونها 5700 فلسطيني، بينهم 230 طفلاً و48 امرأة و500 معتقل إداري، و1800 مريض بينهم 700 بحاجة إلى تدخل طبي عاجل، حسب بيانات رسمية فلسطينية.

أمان نافع: الاحتلال الإسرائيلي يحاول قتل الإنسانية فينا  (AA)
AA
الأكثر تداولاً