هل يفقد دولار أمريكا مكانته؟ / صورة: Getty Images (Xaume Olleros/Getty Images)
تابعنا

خلال القمة الصينية الخليجية التي عُقدت مطلع الشهر الجاري في الرياض، تحدث الرئيس الصيني حول فكرة تسوية التجارة النفطية والغازية لدول الخليج العربي مع الصين في بورصة شنغهاي باستخدام عملة "اليوان الصيني".

وإذا ما علمنا أن واردات النفط من السعودية للصين قفزت في إبريل/نيسان الماضي 38%، فإن هذا مؤشر إلى أنه إذا جرت فعلا تسوية مدفوعات كهذه فإنها تصبّ في صالح العملة الصينية وتنتقص من حضور الدولار الأمريكي في عالم التجارة النفطية، التي تمثل السعودية واحدة من كبرى القوى فيها. هذه الدعوة لتسوية التجارة النفطية بين الصين والسعودية باليوان سبقتها محاولة روسية لبيع الغاز بالروبل الروسي، بعد نحو شهر من إطلاق العملية الروسية في أوكرانيا.

وتعليقاً على جدوى هذه المحاولات لتسوية المعاملات التجارية بعيداً عن سيطرة الدولار الأمريكي، قال الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنها "لن تؤثر كثيراً في هيمنة الدولار على التجارة العالمية"، لكنه في الوقت ذاته قال إن لهذا المسلك تأثيراً في العملة الأمريكية بلا شك، "ستتراجع مكانتها لكنها تبقى العملة الأهم ولا تجرؤ عملة أخرى على مزاحمتها".

عملة الاحتياطي الدولي

وأوضح أستاذ الاقتصاد أن صندوق النقد أقرَّ بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى اللحظة، أن الدولار "عملة تستخدم للاحتياطي الدولي، وتلقى قبولاً عامّاً في الوفاء بالاتفاقيات الدولية"، مشيراً إلى اتخاذ البنوك المركزية لدول العالم الدولار عملة أساسية بناءً على توجيهات صندوق النقد. وأوضح أستاذ الاقتصاد أن صندوق النقد أقرَّ بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى اللحظة، أن الدولار "عملة تستخدم للاحتياطي الدولي، وتلقى قبولاً عامّاً في الوفاء بالاتفاقيات الدولية"، مشيراً إلى اتخاذ البنوك المركزية لدول العالم الدولار عملة أساسية بناء على توجيهات صندوق النقد.

وأضاف أنه "حتى اللحظة لم تتبع دول الخليج العربي النفطية دعوة الرئيس الصيني، ولم تدخلها حيّز التنفيذ"، معللاً ذلك بأن "اليوان الصينى ليس لديه قوة اقتصادية تحميه كالدولار".

وأشار إلى أنه "حال سحب أمريكا شركاتها العملاقة من الصين سيتزعزع الاقتصاد الصيني كليّاً، ولو على المستوى النظري"، مستبعداً منافسة اليوان للدولار، وذلك لـ"تَحكُّم الولايات المتحدة في 25 بالمئة من التجارة العالمية، ما يجعل عملتها ترتكز على قوة إنتاج عظمى"، حسب قوله.

وعن احتمال منافسة عملة أخرى الدولار، أكّد الفقي أن الأمر "يحتاج إلى عقود طويلة ليحدث ذلك"، لارتباطه بـ"مدى تراجع الاقتصاد الأمريكي"، موضحاً أن قوة اليورو مثلاً أدّت إلى تراجع جزئي لهيمنة الأخضر/الدولار الأمريكي قليلاً، لكونه العملة الأساسية لـ19 دولة بالاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، فهذه الدول تنتج ما يقرب من خُمس إنتاج العالم، ولكي يسيطر اليورو لا بد من أن تصبح البنوك التابعة لدول الاتحاد الأوروبي بنكاً واحداً فقط، وتتحول دول الاتحاد إلى دولة فيدرالية واحدة، مثل أمريكا، ليمكنها منافسة الدولار.

الأخضر مستمر لعقود

من جهته قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، إن "الإدارة الأمريكية لديها علاقات الدولية القوية، التى تمكّنها من حماية عملتها من أي منافسة أو انهيار"، مشيراً إلى بذل أمريكا مجهودات قوية لحماية الدولار وتعزيز مكانته، كـ"قرارات رفع الفائدة ووضع سياسات مالية واستثمارية تجعل هيمنة الدولار أمراً مستمرّاً لعقود قادمة".

وأضاف: "ليحدث تراجع لسيطرة الدولار، لا بد أن تتعامل كل دول العالم بعملتها المحلية، وهذا مستحيل"، حسب قوله، نافياً قدرة الصين على إسقاط أو إضعاف الدولار، فأمريكا، حسب قوله، "تتحكم في الجزء الأكبر من اقتصاد العالم، أما الجزء الثاني فتتحكم فيه دول اليورو، فيما يأتي اليوان الصيني في الترتيب الخامس للعملات الدولية، التي أتاح صندوق النقد التعامل بها بين البنوك المركزية العالمية، وبالتالي فإن إقدام دول الخليج على بيع وتسعير نفطها باليوان يحتاج إلى مباحثات طويلة الأمد ليست في حدود الممكن حاليّاً"، حسب قوله.

الدولار منتصراً بعد الحرب العالمية

أما مجدي صبحي، أستاذ اقتصادات الطاقة والبترول بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيقول إن مكانة الدولار تحددت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عقب خروج غالبية بلدان العالم -بما فيها أوروبا- من الحرب منهكة اقتصادياً، باستثناء أمريكا.

وأوضح أن الناتج الأمريكي بنهاية الحرب العالمية الثانية وصل إلى نحو 60% من إجمالي الناتج العالمي، وبلغت صادرات أمريكا عام 1948 (بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بـ3 أعوام) نحو 22% من صادرات الكرة الأرضية، ووارداتها 13% من واردات العالم، مع فائض بميزانها التجاري قُدِّر بـ4.5 مليار دولار.

ووصف صبحي ما فعله الرئيس الروسي بوتين باشتراطه على الدول "غير الصديقة" دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، بأنه "خطوة رمزية لا تعني إزاحة الدولار من مكانه في صدارة التجارة العالمية".

وتابع بأن دول العالم لم يكن لديها حلّ بعد الحرب العالمية الثانية لإنقاذ اقتصادها إلا عبر "مشروع مارشال" الأمريكي، الذي اعتمد على تصدير السلع الأمريكية إلى الخارج، مما حقّق فائضاً تجارياً لصالح أمريكا حتى عام 1968.

صبحي أشار إلى أن النقود ظاهرة تعكس الوضع السياسي في العالم، إذ صار الدولار بعد الحربين العالميتين وسيلة الدفع المعتمدة للتجارة الدولية، وفي ظل هذه القوة طبعت أمريكا مزيداً من الدولارات، بلا خشية من ارتفاع التضخم، ما دامت دول العالم تقبل أي كمية دولارات تطرحها السلطات النقدية الأمريكية.

متى يهتزّ عرش الدولار؟

وأوضح صبحي أن "أنظمة النقد لا تتغير فجأة، فكما برز الدولار كعملة للتجارة الدولية بعد نحو 80 سنة من تنبُّؤ جون ستيوارت مل عام 1869 إزاحة الإسترليني من المقدمة، فإن وقتاً أطول مطلوب لإزاحة الدولار".

وقال: "حتى احتمال وجود نظام تجاري (متعدد العملات) لا يزال بعيداً، إلا إذا تَحقَّق فعليّاً عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً وسياسياً، ساعتها سيعاد النظر تلقائيّاً في وضع نظام نقدي دولي جديد ليس في مقدمته الدولار الأمريكي".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً