التصعيد لا يزال سيد الموقف بعد إعلان تركيا استشهاد 33 من جنودها على يد قوات الأسد وداعميه (AA)
تابعنا

على صفيح ساخن تعيش إدلب وحلب وأريافهما، إذ تزدحم الأرض بالجنود والدبابات وتهطل القذائف من الطائرات الروسية وطيران النظام، وتتداخل نقاط السيطرة بين قوات النظام السوري والمعارضة.

وفي وسط هذه التطورات تمّت المهلة التي منحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقوات النظام السوري بالانسحاب إلى ما قبل نقاط المراقبة التركية حسب الاتفاقيات، والتي كان آخرها نهاية فبرير/شباط، إذ تَمادى النظام في انتهاكاته ضدّ الجنود الأتراك، بعد استهدافهم الخميس واستشهاد 33 منهم.

واستوجب هذا الاستهداف الردّ الفوري والمباشر من تركيا، إذ قالت وزارة الدفاع التركية إنه جرى "تحييد 2100 عنصر من قوات النظام السوري منذ بدء العمليات العسكرية"، وأكدت الوزارة في تغريدة أنها مستمرة بنجاح في تدمير أهداف النظام المحددة في سوريا.

وأفاد أبو طالب العبد الله مراسل TRT عربي في هاطاي، استمرار الغارات التركية المكثفة التي تستهدف مواقع وأهدافاً تابعة للنظام السوري في ريف إدلب الجنوبي.

ونوّه المراسل بوجود عشرات القتلى حسب ما قالته مصادر ميدانية لـTRT عربي، مشيراً إلى وجود معارك عنيفة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي، في حين أحكمت الفصائل السورية السيطرة على تلك المناطق بعد اشتباكات عنيفة.

وأضاف: "تَقدُّم قوات المعارضة السورية مستمرّ، والعمليات العسكرية على أشدّها في الشمال السوري"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "غارات تركية مكثفة تستهدف مواقع وأهدافاً تابعة للنظام السوري في ريف إدلب الجنوبي".

ما بعد المهلة

وتحمل الأيام القادمة مزيداً من الردّ والتصعيد المقرَّر أن يبدأ الأحد، وهو اليوم الأول بعد نهاية المهلة.

وقال مدير مركز نورس للدراسات السياسية إياد أبو عمر لـTRT عربي، إن التصعيد العسكري هو اللغة الوحيدة التي يفهمها الروس، ومن الصعب الآن الاتفاق مع النظام الروسي الذي استخدم اتفاقيات سوتشي وأستانا لخدمة مساره العسكري.

وأشار أبو عمر إلى أن "روسيا تسعى لثبيت أقدام نظام الأسد في الشمال السوري وتهدف إلى استعادة جميع المناطق لحسابه، وهذا يعني أن 4 ملايين لاجئ في إدلب ليس أمامهم سوى الهجرة إلى تركيا أو أوروبا".

وأضاف: "لم يعُد الروس يريدون اتفاقية سوتشي، بل يريدون فرض أمر واقع ووضع ملايين اللاجئين في حيّز صغير والعودة إلى اتفاقية أضنة، لسحب أنفسهم وتثبيت نظام الأسد".

التدرُّج في استخدام القوة

في السياق ذاته أقرّت صفحات إعلامية موالية للنظام السوري على مواقع التواصل الاجتماعي السبت، بمقتل ضباط كبار في صفوف قوات النظام جرَّاء عمليات الجيش التركي المستمرة في إدلب، موضحة أن القصف المدفعي أدَّى إلى مقتل العميد الركن برهان رحمون قائد اللواء 124 حرس جمهوري، والعميد إسماعيل علي، والعقيد مازن فرواتي، والمقدّم محمد حمود.

من جانبه قال الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب لـTRT عربي، إن الجيش التركي أثبت نفسه في الميدان وبدأ بضرب أكثر من 200 هدف لقوات النظام، وحطّم القوة الرئيسية التي يهاجم بها النظام على المحاور كافة، بالتوازي مع استمرار تَقدُّم المعارضة السورية في ريف إدلب الجنوبي.

وأشار الخبير العسكري إلى دور كبير للطائرات المسيَّرة في استهداف مواقع النظام، ذلك أن ضرباتها احترافية لم تُصِبْ أيّاً من المدنيين.

وأضاف: "إمكانيات المعارضة السورية متواضعة أمام النظام، لكن بعد دخول تركيا على الخط بعد نهاية المهلة التي منحها لهم الرئيس التركي".

وعن مستقبل التصعيد قال الخبير العسكري إن "القيادة العسكرية التركية لم ترَ حاجة إلى استخدام طائرات F16 وF4 واكتفت بالطائرات المسيرة والراجمات، لكنه تَوقَّع أنه "في حال تطور الأمر قد تلجأ تركيا إلى استخدامها".

احتواء الأزمة سياسيّاً

وفي حين تعمل تركيا ما هو ضروري في الميدان، تتواصل على طاولة المباحثات مع روسيا، حسب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو الذي قال إن بلاده تنتظر من حلف شمال الأطلسي (الناتو) مواقف واضحة بشأن سوريا، مشيراً إلى أن "رسالتنا قد وصلت إليهم".

وأضاف في تصريح لشبكة TRT، أن "النظام السوري لا يزال يخرق القوانين الدولية ويقصف المدنيين الأبرياء بالأسلحة المحظورة دوليّاً، ونحن بحاجة إلى دعم دولي من أجل قوف القصف الذي ينفّذه النظام".

وتتعرض التفاهمات بين تركيا وروسيا حول سوريا، خصوصاً منطقة إدلب، لتحدٍّ كبير على خلفية الاستهداف الأخير للجيش التركي، حسب ما كتبه الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج في مقال لـTRT عربي.

وأشار الحاج إلى نهاية عدة جولات من المحادثات بين الوفدَين الروسي والتركي، وإلى اتصالات بين الرئيسين أردوغان وبوتين، لكنهما لم يعلنا حتى اللحظة توصُّلهما إلى اتفاق جديد أو تثبيت اتفاق سوتشي رغم أنهما متفقان في المجمل على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار".

وأضاف: "ترفع كل تلك الأحداث احتمالات المواجهة بين روسيا وتركيا رغم رغبتهما في تجنُّبها، لكن التفاهمات التركية-الروسية لم تنتهِ تماماً، رغم أن اتفاق سوتشي بذاته بمثابة المُلغَى بعد كل هذه التطورات الميدانية، فالجانبان يؤكّدان ضرورة التوصل إلى اتفاق أو تفاهمات جديدة، لكن فجوة الثقة بينهما باتت أكبر من أن يمكن تجاهلها".

ويستمر الرئيس التركي في بحث التطورات بإدلب، ويفتح الباب أمام الجميع من أجل المساعدة على حلّ الأزمة، فقد أعلن مؤخَّراً أنه بحث مع نظيره الأمريكي دونالد ترمب ديداً من الموضوعات حول سوريا، مؤمناً بأن ما تخوضه تركيا الآن ما هو إلا نضال مصيري وتاريخي من أجل حاضرها ومستقبلها.

كما بحث أردوغان السبت، التطورات في إدلب، مع نظيره الإيراني حسن روحاني، في اتصال هاتفي بينهما، وفق بيان صادر عن دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فيما ناقش الأمر أيضاً مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

عناصر النظام السوري دفعت ثمناً باهظاً لهجومها الدنيء على القوات التركية في إدلب

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

من جانبه دعا ماكرون روسيا إلى "وقف هجماتها فوراً" في إدلب، وَفْقاً لبيان صدر عن قصر الإليزيه. في الوقت ذاته، أوضح أردوغان أنه طلب من بوتين أن تتنحى روسيا جانباً في سوريا وتترك لتركيا التعامل مع النظام السوري بمفردها.

وبدأ العالَم مؤخَّراً التحرُّك ببطء من أجل إنهاء الأزمة، إلا أنه يكتفي حتى اللحظة بالتصريحات، التي كان من بينها الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن عقب هجوم النظام السوري على القوات التركية في إدلب.

وقال الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن "هذه واحدة من أكثر اللحظات إثارة للقلق خلال فترة الصراع السوري، ودون اتخاذ أي إجراءات عاجلة سيزداد خطر تصعيد أكبر كل ساعة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً