قوات الاحتلال أثناء هدم أحد المنازل في بيت كاحل، صباح الخميس.  (AFP)
تابعنا

سنوات مضت والمواطن الفلسطيني معمر حمادنة يعمل يوميّاً ليبني منزلاً له ولأسرته في قرية عصيرة الشمالية التابعة لمدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وبعد حصوله على الأوراق الرسميَّة والقانونية كافة، هدم الاحتلال الإسرائيلي دون سابق إنذارٍ منزله الذي ما لبث أن أقامه.

معمر الذي كان من المفترض أن يتحدث إلى TRT عربي حول تفاصيل الهدم، أغمي عليه من وقع الصدمة، ونتيجة للاشتباكات التي حصلت بين العائلة وجنود الاحتلال الإسرائيلي الذين أطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم، غير آبهين ببقائهم في العراء دون منزل.

تحدثنا إلى مجاهد سعادة، وهو شاهد عيان، أحد أقرباء معمر حمادنة. أكَّد لنا أن معمر حصل على ما يُعرف بـ"الكوشان" أو الطابو من الجهات المختصة، وعلى الرغم من أن المنزل، حسب العائلة، بُني على الأراضي الفلسطينية المعروفة بـA التابعة للسُّلْطة الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو الموقعة بين السُّلْطة وإسرائيل عام 1993، فإن الاحتلال الإسرائيلي رفض الاعتراف بالتصاريح بحجة أن المنزل بُني في المناطقC الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

وقال مجاهد سعادة لـTRT عربي، إن "الاحتلال الإسرائيلي أبلغنا قبل أربعة أشهُر بنية الهدم إذا لم نتمّم الأوراق الرسميَّة للمنزل، وذهبنا إلى الارتباط الإسرائيلي في حوارة، وعملنا اللازم، ولم نتوقع أبداً أن ينفذوا الهدم لأننا أتممنا كل الأوراق الرسميَّة والقانونية، ولم يحذرنا مسبقاً بوجود خلل ما".

وإضافة إلى المنزل المذكور، هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي فجر الخميس أربعة منازل فلسطينية جنوبي الضفة الغربية المحتلة، تعود ملكيتها إلى عائلات أسرى فلسطينيين متهَمين بقتل جندي إسرائيلي.

واقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال بلدة بيت كاحل غربي الخليل، برفقة جرّافات شرعت في عملية هدم أربعة منازل تعود إلى أسيرين، هما الشقيقان قاسم وأحمد العصافرة، وابن عمّهما نصير العصافرة، ويوسف زهور.

قرار الهدم الإداري

ويعلّق قاسم عوَّاد، مسؤول وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للحكومة الفلسطينية، على عمليات الهدم بالقول إنه "من الواضح أن الاحتلال لجأ حاليّاً إلى ما يُسمَّى قرارات الهدم الإداري، التي طُبّقَت في الأشهر الستة الأخيرة بهدف قتل الوقت الذي تستخدمه السُّلْطة في الدفاع القانوني عن منازل الفلسطينيين الذين تُهدم منازلهم أو يتلقَّون إخطارات بهدمها".

ويشير عواد في حديث لـTRT عربي إلى أن المنزل المهدوم في قرية عصيرة الشمالية يقع في منطقةC،"لكن المنازل الأربعة التي هُدمت في منطقة بيت كاحل في محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية مقامة على منطقةA تتبع فعليّاً السُّلْطة الفلسطينية".

أكثر من مئة فلسطيني أصبحوا بلا مأوى بعد هدم الاحتلال خمسة منازل في نابلس والخليل صباح الخميس بالإضافة إلى تجريف عشرات الدونمات في بيت لحم

قاسم عواد - مسؤول وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان

ويضيف: "ليس هذا هو الهدم الأول في المناطق التابعة للسُّلْطة الفلسطينية، فقد سبق وهدم الاحتلال الإسرائيلي 71 شقة سكنية في صور باهر بالقدس لدواعٍ أمنية".

وقال عواد إن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أبلغت لجنة الأمم المتَّحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا" وغيرها من المكاتب المسؤولة في فلسطين عمَّا يجري الآن في عصيرة الشمالية، "وخلال وقت قصير سنذهب إلى منزل المواطن ونجري تحقيقات بحضور وفد من الأمم المتَّحدة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الضفة الغربية".

مشروع استيطاني

وينوّه المسؤول الفلسطيني بأن الاحتلال بدأ بمشروع استيطاني ضخم جدّاً، مبنيّ على إقصاء المواطنين الفلسطينيين ومحاصرتهم في "كنتونات" بعضها معزول عن بعض، وهي سياسة استعمارية جديدة تهدف إلى تحويل الضفة إلى أجزاء.

ويضيف: "طُبّق هذا المشروع في مدينة قلقيلة التي أصبحت الآن معزولة تماماً عن القرى المحيطة بها، تتواصل معها من خلال أنفاق وجسور ومعابر رئيسية يتحكم فيها الاحتلال، كما حوصرت كل أشكال التمدد العمراني بها".

ويرى عواد أن خضوع الاحتلال لاتفاقية تصنيفات A B C غير موجود فعليّاً على أرض الواقع، "لأنه وضع مخططات استعمارية في الضفة الغربية والقدس وشبكات طرق التفافية ومناطق عسكرية، وهو ينفّذ مخططاً استيطانيّاً شاملاً، ولا يفرّق بين المناطق التابعة للسُّلْطة الفلسطينية أو تلك التي يدّعى أنها تابعة له".

ويعتقد عواد أن الضفة الغربية مُقبِلة على مرحلة جديدة من المشروع الاستيطاني الذي يقضي بعزل التجمعات السكنية الفلسطينية تماماً وعدم وجود أي تواصل جغرافي بينها.

هدم الاحتلال 530 منزلاً ومنشأة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس عام 2018 و580 مبنى تحتوي على أكثر من 700 شقة سكنية منذ مطلع العام الحالي وحتى اليوم ، 46% منها في القدس

قاسم عواد - مسؤول وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان

جرائم حرب وعقاب جماعي

إلى جانب سياسة الهدم هذه، يتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة "العقاب الجماعي" ضدّ العائلات الفلسطينية التي يُتهم أحد أفرادها بتنفيذ عملية ضدّ إسرائيليين، ويهدم منازلها.

يقول قاسم عواد تعليقاً على الموضوع، إن "القانون الدولي وضّح بما لا يقبل التأويل أن أي عملية تستهدف نقل أو هدم أو تغيير مكان سكن مواطنين أصليين في إقليم محتلّ هي إجراء باطل وخارج عن القانون الدولي"، مشيراً إلى أن "إسرائيل ترتكب جريمة حرب بطريقة دولة عصابات تمارس عربدتها وعنجهيتها على القانون الدولي".

وعن مواجهة الجهات الرسميَّة هذه السياسة يقول عواد إن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان تعيد بناء كل ما يُهدَم في المناطق المسماةC، وانتهجت الهيئة هذه السياسة العامَّة لتشجيع المواطنين على البقاء في هذه المنطقة وزيادة انتشارهم فيها.

ويؤكّد عواد إحالة ملف الاستيطان إلى محكمة الجنايات الدولية، وفيها تحقيق يجري، "لكن ما يجري على الأرض فعليّاً هو أن دول العالَم تجامل الاحتلال ولا يُتخَذ أي إجراء عقابي بحقّه، وتكتفي بالشجب والإدانة والاستنكار".

ويتابع: "هدم الاحتلال الإسرائيلي 530 منزلاً ومنشأة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس خلال العام الماضي، ومنذ مطلع العام الحالي حتى اليوم هدم 580 مبنى تحتوي على أكثر من 700 شقة سكنية ومنشأة، كان لمحافظة القدس النسبة الكبرى منها بنسبة بلغت 46% من عمليات الهدم".

لا نتحدّث هنا عن مبدأ قانون دولي معقّد أو نظريّ وإنما عن قاعدة أخلاقية-إنسانية أساسية: ممنوع مطلقاً المسّ بأبرياء لا ذنب لهم بجريرة خطأ ارتكبه آخرون

مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة - بتسيلم

وتقول منظَّمة بتسيلم اليسارية الإسرائيلية المعنية بشؤون الأراضي المحتلة، إن "هدم البيوت كعقاب جماعيّ هو إحدى الوسائل الأكثر تطرّفاً التي تستخدمها إسرائيل في الضفة الغربية، في إطار هذه السياسة هدمت إسرائيل مئات المنازل وأبقت بذلك آلاف الأشخاص بلا مأوى".

وتضيف في تقرير لها: "سياسة هدم المنازل أُعِدّت بحُكم تعريفها لإيذاء أشخاص لم يفعلوا شيئاً ولم يُشتبه فيهم بفعل شيء، وفقط لكونهم أقرباء فلسطينيّين ألحقوا الأذى أو حاولوا إلحاق الأذى بمواطنين إسرائيليين أو بعناصر قوّات الأمن".

وتشير إلى أنّه "في معظم الحالات لا يسكن الشخص الذي هُدم المنزل بجريرة أفعاله مع الأسرة أصلاً في وقت الهدم، إمّا لأنّ قوات الأمن قتلته في أثناء العملية التي نفّذها، وإمّا لأنّه اعتُقل على يد إسرائيل وينتظر عقاباً بالسجن لمدَّة طويلة".

وترى بتسيلم أن هذه السياسة تشكّل "عقاباً جماعيّاً ممنوعاً بوصفه انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي التي تُلزِم إسرائيل".

جنود إسرائيليون يحاصرون أفراد عائلة حمادنة في أثناء هدم المنزل (TRT Arabi)
قوات الاحتلال أثناء هدم منزل معمر حمادنة في عصيرة الشمالية  (TRT Arabi)
فلسطينيات يقف على أطلال منزل هدمه الاحتلال في بيت كاحل بالضفة الغربية (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً