وزير الخارجية الألماني خلال مؤتمر صحفي مشترك جمعه بنظيره الإيراني في طهران (AFP)
تابعنا

في الوقت الذي تدق فيه طبول الحرب بين الولايات المتحدة وإيران في منطقة الخليج، إثر العقوبات الأمريكية على طهران التي تلت انسحابها من الاتفاق النووي، ما زال الأوروبيون، وهم الطرف الثالث في هذا الاتفاق، متمسكين به، محاولين إقناع الطرفين بالعودة عن خيارات التصعيد.

في خضمّ ذلك تأتي زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي حمل في يده رسالة إقناع للإيرانيين بالبقاء ضمن "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والرجوع عن تهديداتها بالانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي وإعادة الحياة لمشاريعها النووية.

لكن لا يبدو أن أوروبا غير معنية بتهدئة الأوضاع، بخاصة مع المخلفات المحتملة من التصعيد كارتفاع سعر برميل النفط وتعطل شركاتها ومصالحها مع إيران، وهو الأمر الذي استدعى كل هذا العناء الأوروبي من أجل الوصول إلى حل يرضي الجميع.

إنقاذ الاتفاق النووي

يعتبر السياق الزمني لهذه الزيارة هو العامل الأكثر أهمية فيها، إذ تأتي كأنها رسالة أمريكية إلى إيران، بخاصة بعد لقاءات تشاورية عدة جمعت بين القادة الأوروبيين والولايات المتحدة من أجل هذا الملف.

وبالتشاور مع بريطانيا وفرنسا يريد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن يقنع الإيرانيين بالبقاء ضمن "خطة العمل الشاملة المشتركة".

وقبل سفره إلى طهران، قالت المتحدثة باسمه، إنه "سيدعو إلى الهدوء والتعقل واحتواء التصعيد". وعلى رأس أولويات مساعي ماس، إقناع إيران بعدم تنفيذ تهديدها القاضي بعدم التزام بعض بنود الاتفاق النووي بعد المهلة التي حددتها، كما أنه سيبذل جهده لمنح ما يُعرف بـ"آلية دعم التبادل التجاري" مزيد من الوقت، وهي آلية مالية للتبادل التجاري مع إيران لتجنب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، أسّستها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا عقب إعلان ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.

وإثر لقائه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، قال ماس إن بلاده وبريطانيا وفرنسا تتمسك بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي مع إيران، داعياً إلى "مواصلة الحوار مع إيران واستخدام المحادثات في إجراء مناقشات صريحة".

في السياق ذاته، قال ظريف، إن بلاده ستتعاون مع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، من أجل إنقاذه، مضيفاً أنه "أجرى محادثات صريحة وجادة مع ماس وإيران ستتعاون مع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق لإنقاذه"، ومشدداً على أن "الهدف المشترك لإيران وألمانيا هو الحفاظ على الاتفاق النووي".

لكن في الضفة الأخرى، يبدو أن الموقف الفرنسي غير منسجم مع خطوات ألمانيا، إذ دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إيران إلى إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، في مغازلة واضحة للموقف الأمريكي.

في السياق ذاته، كان ماس قد تحدث مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، في أثناء لقائه في برلين، حول زيارته لطهران، لكن واشنطن غير راضية عن الجهود التي يبذلها الأوروبيون لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، ومن هنا يُعتقد أن زيارة ماس ستزعج الولايات المتحدة، حسب الإندبندنت.

من الصبر إلى المواجهة

شهدت الفترة القصيرة الماضية تحولاً كبيراً في الموقف الإيراني تجاه العقوبات الأمريكية، إذ أخذت نبرة قادة إيران حدة أكبر وتحدياً غير مسبوق، وهو ما وصفه الكاتب والباحث السياسي الإيراني عماد أبشناس في حديثه لـTRT عربي، بأن "الاستراتيجية الإيرانية لمواجهة الضغوط الأمريكية تحولت منذ نحو شهر من الصبر إلى المواجهة".

وتريد إيران التخلص من فخ العقوبات الأمريكية، إذ إن سياسة "ممارسة أعلى درجات الضغط" التي تمارسها واشنطن، هي أكثر من مجرد حرب اقتصادية من وجهة النظر الإيرانية. إذ ألحقت هذه السياسة بالاقتصاد الإيراني أضراراً كبيرة بعد تراجع كميات تصدير النفط إلى أقل من النصف وفقدان العملة الإيرانية ثلثي قيمتها وزيادة التضخم.

هذا التحدي لقرارات ترمب لم يكن عبر التهديد العسكري والانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي فقط، بل وصل إلى الجانب التجاري، إذ أكّد وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنغنه، في مقابلة له قبل أيام، أن طهران تستخدم طرقاً "غير تقليدية" للالتفاف على العقوبات الأمريكية ومواصلة بيع نفطها، مشيراً إلى أن "لديهم مبيعات غير رسمية أو غير تقليدية، جميعها سرية، لأن الولايات المتحدة ستمنعها إن علمت بها".

يأتي ذلك في ظل تغير واضح في حدة نبرة ترمب في الفترة الأخيرة، الذي أعلن عدم سعيه لتغيير النظام في إيران أو شن حرب عليها مبدياً استعداده لإجراء محادثات معها، وإقراره بأن هدفه من العقوبات الاقتصادية هو منع إيران من امتلاك قنبلة نووية، حسب تصريحاته الأخيرة.

وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي يعتبر من صقور الإدارة الأمريكية، هو أيضا لم يعد يدلى بتصريحات نارية أو يتطرق إلى شروطه الاثني عشر التي ذكرها سابقاً للتفاوض مع إيران، إلا أنه يشترط أن "تتصرف إيران مثل دولة عادية"، كأنه بذلك يسير على خطى ترمب في تصريحاته، لكن الأمر من الناحية العملية مختلف، ومن هنا فإن ما يقلق المراقبين هو أن ترمب فقط مَن يَحُول بين جون بولتون وشن حرب على إيران.

TRT عربي
الأكثر تداولاً