قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران خلال إحدى عملياتها في العراق (Reuters)
تابعنا

منذ حرب الخليج الأولى، الذي قادها غريم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط صدام حسين ضد إيران المنتشية بثورتها وقتها، يلعب العراق معركة التناقضات بين طهران التي ترى فيه حليفاً أساسياً في المنطقة وواشنطن التي تعتبره الجوهر الذي يرتكز عليه وجود مصالحها.

كانت لحظة 2003 فارقة بكل المقاييس، عندما أسقط صدام حسين بعد حملة الرئيس الأمريكي جورج بوش، زعيم الجمهوريين آنذاك، والتي هندسها جون بولتون، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض الذي يرأسه دونالد ترمب، زعيم الجمهوريين الحالي.

المفارقة في هذا الحدث، أنه كان بمثابة النافذة التي سمحت لرياح إيران باجتياح العراق، حسب معهد سترافور، ولكنه أيضاً رسم معالم تحالف لم يدم طويلاً بين القوى الشيعية التي تصدرت المشهد السياسي، والولايات المتحدة التي كانت تأمل في حلفاء دائمين لها في العراق.

هنا تكمن أهمية العراق في الصراع الأمريكي الإيراني، والذي يعتبر الساحة الرئيسية للنزال بينهما، فعلى مدار 16 عاماً كان الصراع جلياً على الثروات النفطية والمراكز الجغرافية، لكن يبدو أن الصراع قد يتطور لأكبر من ذلك في المرحلة المقبلة، ليتحول إلى العسكرة وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لسحب ممثليها الدبلوماسيين من سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل.

أرض المواجهة

إلى حد ما، لم يجد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أدلة دامغة لتخفيض تمثيل بلاده الدبلوماسي في العراق، الأمر الذي دعا القوات البريطانية في التحالف الدولي المحارب لتنظيم داعش الإرهابي، لتفنيد الرواية الأمريكية حول وجود مخاطر على جنودها ومقراتها الرسمية بعد وصول تهديدات إيرانية.

وعلى الرغم من إصرار الجنرال البريطاني كريستوف غيكا على روايته، وتوبيخه من القيادة المركزية الأمريكية، التي تدير في التحالف، قامت كل من ألمانيا وهولندا بإجراءات مشابهة لما قامت به واشنطن، إذ أوقفت الدولتان نشاطاتها العسكرية في العراق، لذات السبب.

مجموعة الضغط الدولية رأت في تقرير لها أن المخاوف الأمريكية مبررة في العراق، وعزت ذلك إلى قوة إيران العسكرية هناك، إذ يتواجد أكثر من 125 ألف مقاتل تابع لها، واعتبر تقريرها أن استهداف السفن الإماراتية والمصافي النفطية السعودية هي مجرد رسائل فقط لما يمكن أن تفعله إيران بمصالح الولايات المتحدة في العراق.

وعطفاً على ذلك، اعتبر معهد سترافور أنه إذا تم الحسم في خيار المواجهة ستكون محدودة، فالعراق ستكون هي ملعبها الرئيسي، حيث "ميليشيات إيران القوية" والطرف الأخير لمضيق هرمز، والإمكانية الوحيدة لإجبار إيران على تغيير سياساتها في المنطقة بالتراجع عن دعم مقاتليها.

خيارات ممكنة

شكلت الانتخابات العراقية الأخيرة تحولاً كبيراً في المشهد، بعد فوز التحالف الذي قاده مقتدى الصدر الرجل الشيعي القوي. عُرفت عن الصدر مواقفه القوية من إيران واقترابه من العمق العربي، إذ كانت آخر زياراته للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

جاءت هذه النتائج بعد عودة العلاقات السعودية مع بغداد إثر قطيعة دامت لعقود، إذ قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارة للعراق، وقدم استثمارات هائلة خلالها.

في فبراير/شباط الماضي، عُقد اجتماع ضخم في الكويت لدعم العراق، حضرت فيه كل الدول بما في ذلك إيران، اللافت في الموضوع أن دول الخليج هي من كان لها نصيب الأسد في هذا الدعم السخي فيما اكتفت طهران بالمشاركة البروتوكولية.

معهد الشرق الأوسط اعتبر ذلك نتيجة للعقوبات الأمريكية المتتالية على إيران، الذي أضر باقتصادها وضرب عملتها، لكنه أكد في المقابل تغيير المعادلة في العراق ومحاولة إيجاد التوازن بدعم أمريكي مباشر.

إلا أن المعهد يرى أن الوجود العسكري الإيراني في العراق هو ما يخلق هذا التفاوت في القوى، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستسعى لإضعاف الميليشيات المقاتلة مع الحشد الشعبي وفيلق القدس، وتفكيكها عبر الضغط على حكومة بغداد والضربات العسكرية النوعية.

زيارة بومبيو الأخيرة، والتي كانت مفاجئة، وحسب وول ستريت جورنال، جاءت من أجل هذا الغرض، وهو مطالبة رئيس الحكومة العراقي عادل عبد المهدي بالضغط على القوات الموالية لإيران بالتراجع، كما طالبه بالوقوف إلى جانب العقوبات الأمريكية.

مجموعة الضغط الدولية اعتبرت أن العراق حالياً يعيش خطراً غير مسبوق تحسباً لأي محاولة لتحوليه أرض مواجهة بين واشنطن وطهران، وأرضاً مفتوحة لمُهربي النفط والسلاح، بخاصة مع عدم الانتهاء فعلياً من تنظيم داعش الإرهابي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً