التوتر في الخليج كان عنواناً بارزاً منذ مطلع العام الجاري  (AP)
تابعنا

تسعى الإمارات لإيجاد صلة تربطها بإيران دون أن تتخلى عن علاقتها القوية بالسعودية التي تسير أبو ظبي في اتجاه معاكس لها، مستخدمة في ذلك أمن مياه مشتركة مليئة بالتوترات. هذه التطورات جاءت بعد خطوة لفتت أنظار العالم إلى مساعي الإمارات بتهدئة التوتر مع إيران، غير مكترثة بالمشكلات القديمة معها.

الموقف الإماراتي تَحوَّل فجأة تجاه إيران، وبرز هذا التغير من زيارات مسؤوليين إمارتيين لطهران، كان آخرها زيارة سرية لمستشار الأمن القومي لوليّ عهد أبو ظبي وشقيقه الأصغر طحنون بن زايد، حسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الذي كشف عن الزيارة.

ونقلت وكالة أنباء إيسنا الإيرانية عن مصدر رسمي مطلع، قوله إن مسؤولاً إماراتيّاً زار طهران مرتين خلال الأسابيع الماضية. لكن المصدر الرسمي الإيراني نفى الأنباء التي تحدثت عن زيارة طحنون بن زايد لطهران خلال الـ48 ساعة الماضية، دون مزيد من التفاصيل.

بن طحنون في إيران

وعلى الرغم من هذا النفي، قال محرر موقع "ميدل إيست آي" ديفيد هرست، إن بن زايد زار طهران في الـ48 ساعة الماضية من أجل نزع فتيل الأزمة في الخليج. ونقل هيرست عن مصادر أمنية في الخليج قولها إن زيارة طحنون هي أعلى زيارة من مسؤول إماراتي منذ اندلاع الأزمة، وتأتي في ظل إشارات عن اتباع الإمارات خطّاً مستقلاً مع طهران بعد تخريب ناقلات النفط الأربع في ميناء الفجيرة بالإمارات هذا العام.

ويُعتبر طحنون بن زايد، صاحب الترتيب الرابع في هيكل السلطة الإماراتي، والذراع اليمنى لمحمد بن زايد، رجل الإمارات الثاني الفعلي، وصاحب القبضة الأمنية داخل البلاد.

ويقول هيرست إن "مهمة طحنون السرية تأتي وسط قنوات سرية منها محاولة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي التوسط بين طهران والسعودية". ونقل الموقع بداية الشهر الحالي عن عباس الحسناوي المسؤول البارز في مكتب عبد المهدي، تأكيده جهود الوساطة التي يبذلها عبد المهدي بين طهران والرياض.

ويبدو أن الإمارات لا تحتاج إلى وساطات من أجل نزع فتيل التوتر مع إيران، وبدأت تشقّ طريقها بنفسها بعيداً عن حليفتها السعودية التي بدأ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان جهود وساطة بينها وبين إيران بعد زيارته لطهران الأحد.

وقال خان إن بلاده ستبذل أقصى جهودها لتسهيل إجراء محادثات بين الخصمين الإقليميين إيران والسعودية، مضيفاً أنه سيتوجه إلى السعودية الثلاثاء، وأضاف "لا تريد باكستان صراعاً بين إيران والسعودية... يسرني تسهيل محادثات بين طهران والرياض... يحدوني أمل كبير لأني أجريت محادثات بنَّاءة مع الرئيس الإيراني".

باكستان لا تريد حربا بين الرياض وطهران، وتؤمن بأن الخلاف بينهما يمكن حله عبر الحوار

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان

من جانبه رحّب الرئيس الإيراني حسن روحاني الأحد، بجهود رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان، الرامية إلى حلّ أزمة الخليج، قائلاً في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس الحكومة الباكستانية: "أكّدنا لرئيس وزراء باكستان أن أي حسن نية وكلام طيب سيُرَدّ عليه بشكل مماثل".

واعتبر روحاني أن حل مشكلة اليمن هو المفتاح لحل المشكلة وبداية طيبة لإنهاء الأزمة، كما أبدى تأييده قضايا طرحها عمران خان "ترتبط بالأمن في منطقة الخليج ذات الحساسية".

وفي سبتمبر/أيلول الماضي أكّد خان أنه كُلّف محاولة التوسط مع إيران من جانب الولايات المتحدة والسعودية. وقال خان بعد لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة: "سألني الرئيس الأمريكي ما إذا كان بإمكاننا المساهمة في خفض تصعيد الوضع وربما الحصول على اتفاق جديد حول النووي (الإيراني)".

محاولات إماراتية سابقة للتقارب

المحاولات السعودية المفاجئة في التقرُّب من إيران، يرى محللون أنها جاءت بعد محاولات الإمارات شق طريقها بنفسها لتخفيف التوتر مع طهران وتحسين العلاقات، فقد أظهرت أبو ظبي أنها تسير في طريق مختلف عن الرياض، وأعلنت في الأشهر الماضية سحب قواتها من اليمن، ودعمت الانفصاليين في الجنوب وسيطرتهم على ميناء عدن بشكل يؤدي إلى تقسيم البلاد. وتبادل الحوثيون الذين تدعمهم طهران سجناء مع الانفصاليين، وهو ما لم يحدث مع الحكومة الشرعية التي يتزعمها عبد ربه منصور هادي.

العلاقات تحسنت بين إيران والإمارات، ومسؤولون من البلدين تبادلوا الزيارات

الرئيس الإيراني حسن رواحاني

ورغم إشارة الأميرال مايكل غيلادي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية إلى المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي حمّلت الحرس الثوري الإيراني مسؤولية مباشرة عن قصف المنشآت النفطية في السعودية، فإن الإمارات لم تُشِرْ قط بأصابع الاتهام إلى إيران.

وتسعى الإمارات بشكل لافت نحو خفض التوتر مع إيران، ويشير إلى ذلك الخطوات الإماراتية المتسارعة تجاه الموقف من إيران، إذ كشفت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخرًا زيارة مفاجئة لوفد إماراتي إلى العاصمة الإيرانية طهران لحضور الاجتماع المشترك لقيادات خفر السواحل الإماراتية والإيرانية بعد توقُّف 6 سنوات.

واتفقت إيران والإمارات على ضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية وضمان أمن مياه الخليج، خلال زيارة بدأها وفد عسكري إماراتي إلى طهران لبحث قضايا التعاون الحدودي بين البلدين، رغم التوترات المتصاعدة في الخليج على وقع أزمات الناقلات والتصعيد الأمريكي ضدّ طهران.

وأصدر الطرفان بياناً مشترَكاً بعد لقاء بين قائد قوات حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي، وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي محمد علي مصلح الأحبابي، نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، مع إبراز صورة لهما وهما يتصافحان.

نستطيع من خلال النهوض بمستوى التعاون الثنائي أن نُقِيم ملتقيين سنويّاً في طهران وأبو ظبي، فضلاً عن لقاءات ميدانية في المناطق الحدودية بين قادة البلدين لاحتواء المشكلات الحدودية والعمل على حلّها

قائد قوات حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي

في المقابل رحّب قائد قوات خفر السواحل الإماراتي محمد علي مصلح الأحبابي بتنمية العلاقات الحدودية بين البلدين، وأكّد أن تعزيز العلاقات مع إيران بإمكانه ضمان أمن المياه الخليجية.

من جانب آخر، عندما دعت بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى مواجهة الجهود الأمريكية الرامية إلى تعزيز المواجهة العسكرية، أثنى وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش على الجهود الدبلوماسية، وقال: "في كل تحرُّك حاولت الإمارات تجنُّب المواجهة مع إيران. وسنواصل اتخاذ الإجراءات الهادفة إلى تخفيف التصعيد والأعمال العدوانية، وإن اقتضت الضرورة فنحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا، ولكن بطريقة مناسبة ودقيقة وبانضباط، وسنحاول البحث عن طريق دبلوماسي لتخفيض التوتر وفتح المجال أمام محادثات ذات معنى".

وبدأت الاجتماعات المشتركة لخفر السواحل بين البلدين عام 2009، وانتظمت بشكل سنوي، ثم توقفت عام 2013 بشكل كامل، قبل أن تعود بشكل مفاجئ في الظروف الحالية المشحونة بالتوتُّر.

ويُعتبر هذا الوفد الأمني الإماراتي هو الثاني الذي يزور طهران في غضون أسبوعين، فقبله عقد وفد أمني إماراتي لقاءات مع مسؤولين إيرانيين في طهران، وكانت الرسائل الإيرانية واضحة وصريحة للجانب الإماراتي، وتضمنت تذكيراً بحالات تشير إلى أن الإمارات أصبحت مركزاً ومقرّاً لاستهداف الأمن القومي الإيراني، ومنها أن شبكة التجسُّس التي أعلنت طهران كشفها كانت تعمل من الإمارات، وأن الطائرة الأمريكية المسيَّرة التي أسقطتها إيران انطلقت هي الأخرى من الإمارات.

ويرى محللون أن "هذه العودة المفاجئة قد تكون أمراً طبيعياً في الظروف العادية، ولكنها ليست كذلك في ظروف استثنائية كالتي تمر بها المنطقة حاليّا، ومع ذلك تُعتبر هذه الاجتماعات منسجمة مع ما وُصف قبل أسبوعين على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة تليفزيونية، بأنه "شيء ما يجري في الكواليس بين أبو ظبي وطهران".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً