تظاهرات غاضبة في أوساط اليهود الإسرائيليين من ذوي الأصول الإثيوبية إثر مقتل شاب إثيوبي على يد شرطي إسرائيلي (Reuters)
تابعنا

لم تمر حادثة مقتل شاب إثيوبي، الأحد الماضي، على يد شرطي إسرائيلي بسهولة، إذ أشعلت غضباً كبيراً في أوساط اليهود الإسرائيليين من ذوي الأصول الإثيوبية. وخرج حشد كبير منهم في تظاهرات تنديداً بالعنصرية الممنهجة ضدهم. الأمر الذي أعاد إلى المشهد المكون اليهودي الإثيوبي وتحدياته في إسرائيل كجزء من الوجود الإفريقي عامة.

الحادثة 

قُتل شاب إثيوبي يدعى سلمون تيكا، يُرجح أن عمره بين 18 و19عاماً، على يد شرطي لم يكن في مهمة عمل في بلدة كريات حاييم بشمال مدينة حيفا الساحلية.

وحسب رواية الشرطة فإن الضابط لاحظ شجاراً بين الشبان في مكان قريب وحاول الفصل بينهم. وبعد أن عرّف الضابط عن نفسه بدأ الشبان يلقون الحجارة عليه، وقام الشرطي بإطلاق النار بعدما شعر أن حياته في خطر.

الرواية جاءت على عكس ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية من أنّ شباناً آخرين وأحد المارة نفوا أن يكون الشرطي قد تعرض لهجوم.

التداعيات

وفي الوقت الذي يخضع فيه الشرطي المذكور للإقامة الجبرية في منزله بعد أن استجوبه المحققون بشأن القضية، يشارك حشد كبير من اليهود الإسرائيليين ذوي الأصول الإثيوبية في مظاهرات ضخمة تتواصل منذ يوم الإثنين. سدّوا فيها مفارق الطرق السريعة، ووجهوا اتهامات جديدة بالعنصرية إثر هذا الحادث.

وأغلق المتظاهرون طرقات رئيسية في كل أنحاء البلاد وأشعلوا إطارات السيارات ونددوا بما يرون أنه تمييز ضد الإسرائيليين من أصول إثيوبية. وتقول الشرطة إنها اعتقلت 136 شخصاً، وأن 111 ضابطاً أصيبوا بجروح وألقيت عليهم الحجارة والزجاجات والقنابل الحارقة.

وأظهرت لقطات تلفزيونية ومقاطع فيديو جرى تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إطارات مشتعلة في وسط تقاطع طرق مرورية.

واعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الشرطة تعمدت عدم تصعيد الوضع تجنباً لإثارة المشاعر بشكل إضافي، في الوقت الذي تحدثت فيه الشرطة مع زعماء الجالية الإثيوبية لتهدئة الخواطر وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن شرطي.

وشكل مقتل سولومون مأساة شخصية لعائلته، وأثار غضب الإثيوبيين الذين يقولون إنهم يعيشون في خوف دائم من مضايقات الشرطة لأنهم من ذوي البشرة السوداء.

وقال والد الشاب المقتول سولومون "أريد أن تستمر التظاهرات لكن بدون عنف حتى محاكمة الشرطي الذي أطلق النار على ابني".

واتخذ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو موقفاً حذراً خلال الاحتجاجات، ووصف مقتل تيكا بأنه "مأساة" مقرّاً بوجود مشاكل تحتاج إلى حل على حد قوله.

لا نستطيع أن نصف ما حصل عند يهود الفلاشا الإثيوبيين بأنها انتفاضة بمعنى الكلمة ولكن هذه ممكن أن تكون طفرة غضب انفجرت في وجه المؤسسة الإسرائيلية

خالد زبارقة - محامي حقوقي

وفيما وصفت به الحادثة بأنها "انتفاضة يهود الفلاشا الإثيوبيين" ضد العنصرية الإسرائيلية، يعلّق المحامي خالد زبارقة من القدس لـTRT عربي بقوله "لا نستطيع أن نصف ما حصل عند يهود الفلاشا الإثيوبيين بأنها انتفاضة بمعنى الكلمة ولكن هذه يمكن أن تكون طفرة غضب انفجرت في وجه المؤسسة الإسرائيلية".

وأضاف زبارقة "من اللافت للانتباه في هذا الموضوع أن هذه التحركات أو المظاهرات التي قام بها يهود الفلاشا هي نتاج تراكم كبير وكثير من السياسات الإسرائيلية العنصرية التي تمارَس بحقهم على مستويات عدة، منها المستوى الرسمي والشرطي والمخابراتي والشعبي".

وعزا سبب الانفجار والغضب لدى الإثيوبيين عقب الحادثة إلى أن "يهود الفلاشا في المجتمع الإسرائيلي يعانون من عقدة النقص وعندهم شعور دائم بأنهم ليسوا يهوداً متكاملي الحقوق".

إثيوبيون في إسرائيل

يبلغ عدد اليهود من أصول إثيوبية في إسرائيل حوالي 140 ألف شخص بينهم أكثر من 20 ألفاً ولدوا في إسرائيل. وينحدر معظمهم من مجتمعات منعزلة لقرون عدة عن العالم اليهودي، واعتُرف بهم كيهود في وقت متأخر من قبل السلطات الدينية الإسرائيلية.

وحسب وكالة الأنباء والإعلام الفلسطينية "وفا" فإن إسرائيل قررت عام 1973 استجلاب العديد من يهود الفلاشا الإثيوبيين لمواجهة النمو الديموغرافي العربي، وذلك حين قرر حاخام الطائفة السفاردية الشرقية عوفاديا يوسف اعتبار طائفة بيتا يسرائيل الإثيوبية، طائفة يهودية خلافاً للحاخام الأشكنازي شلومو غورين.

ويواجه الإثيوبيون في إسرائيل، واقعًا صعباً في مجالات السكن والتعليم والعمل والدين والهوية، ونمطًا جديداً من العيش في مجتمع يعاملهم بعنصرية، ويشك في يهوديتهم على أساس اللون والمظهر وفق وكالة وفا.

ويقول المحامي زبارقة إنه تبين من خلال المظاهرات الأخيرة للإثيوبيين في المجتمع الإسرائيلي أنه مجتمع عنصري يمارس العنصرية بداخله أمام فئات مختلفة منه ويقيّمها على أساس لون البشرة، فضلاً عن أن يهود الفلاشا محرومون من كثير من الحقوق داخل المجتمع الإسرائيلي على حد توصيفه.

المجتمع الإسرائيلي مجتمع عنصري يمارس العنصرية بداخله أمام فئات مختلفة منه ويقيّمها على أساس لون البشرة، فضلاً عن أن يهود الفلاشا محرومين من كثير من الحقوق داخل المجتمع الإسرائيلي

خالد زبارقة - محامي حقوقي

ويذكر زبارقة عدداً من مظاهر التمييز الشعبية من طرف المجتمع الإسرائيلي تتجلى فيها النظرة الدونية ليهود الفلاشا خلال السنوات الأخيرة، منها مطالبة أهل الطلاب في مدارس أحد البلدان الإسرائيلية في المركز بإخراج الطلاب الإثيوبيين من صف أولادهم. وامتناع المستشفيات الإسرائيلية عن أخذ دم من الإثيوبيين لمن يريد أن يتبرع بالدم منهم.

ويضيف "تبين لنا في حالات أخرى قيام مستشفيات ومراكز الإسعاف الإسرائيلية بسكب وإلقاء للدم الذي أخذ من الإثيوبيين في سلات القمامة".

يدلل ذلك وفق زبارقة على حجم تراكم الغضب الموجود لدى هذه الفئة في المجتمع الإسرائيلي تجاه كل ما هو إسرائيلي على المستويين الرسمي والشعبي.

وحول أفق ما يوصف بالانتفاضة الإثيوبية وتردداتها فإن زبارقة يرى أنها لن تتطور إلى أكثر مما هي عليه الآن، ويعيد ذلك إلى أن "هناك كثيراً من المحادثات بين قيادة يهود الفلاشا والقيادة الرسمية في الدولة". متوقعاً عودة الغضب من العنصرية والنظرة الدونية للآخر المتفشية في المجتمع الإسرائيلي.

لم يكن مقتل الشاب سولومون المرة الأولى التي يؤدى فيها إطلاق نار من الشرطة إلى احتجاجات. إذ تظاهر آلاف الإثيوبيين في تل أبيب في يناير/كانون الثاني بعدما قتل شاب من أصل إثيوبي برصاص ضابط شرطة ادعى أن الشاب توجه نحوه مسرعاً وكان يحمل سكيناً.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً