تابعنا
يختلف الديمقراطيون فيما بينهم تجاه تعاطيهم مع تقرير المحقق الخاص مولر، وهو الاختلاف الذي يُضعِف موقفهم وقد يمهّد الطريق أمام ترمب للفوز بانتخابات 2020.

نُشر مؤخرًا تقرير روبرت مولر المحقق الخاص الذي تم تعيينه من قبل نائب وزير العدل الأمريكي رود روزنستين بعد أن أقال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مدير مكتب التحقيق الفيدرالي السابق جيمس كومي.

ورغم أن النسخة التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية تحتوى على مئات السطور المحذوفة، فإن قراءة عامة للتقرير توضح أن المحقق الخاصّ لم يبرئ الرئيس من تهمة التواطؤ أو التنسيق مع روسيا رغم أنه لم يتهمه مباشرة بهذا التواطؤ لعدم وجود أدلة كافية.

لكن التقرير يتكلم على الأقل عن عشر وقائع في إعاقة التحقيق، وهذه تهم خطيرة تعطي الحق للكونغرس الأمريكي بأن يحيل الرئيس الأمريكي إلى إقالة الرئيس عن منصبه. وقد حصل هذا مرتين في تاريخ الولايات المتحدة الممتد لأكثر من مئتين وخمسين عاماً.

يكفي أن تبقى علامات استفهام كبيرة على صلاحية ترمب في البقاء على كرسي الحكم لتضر بسمعته أمام غالبية الأمريكيين.

خالد صفوري

الأولى كانت في عهد الرئيس أندرو جونسون سنة 1868، والثانية في عهد الرئيس بيل كلينتون سنة 1998. ولكن الرئيسين تم تبرئتهما من مجلس الشيوخ. ومن أجل الإقالة فإن النظام الدستوري الأمريكي يتطلب الإدانة من قبل الكونغرس بغرفتيه، وربما يحصل ذلك مرة أخرى خلال الأشهر القليلة القادمة.

حتى الآن ليس هناك اتفاق داخل الحزب الديمقراطي حول هذا الموضوع، إذ ينقسم الحزب الديمقراطي الآن إلى ثلاث مجموعات: الأولى وتتكون من الأعضاء الممثلين لليسار الديمقراطي، وتريد الدخول في مواجهة مع الرئيس لإضعافه ولو لم يؤدِّ ذلك إلى الإطاحة به، هذا من جانب، ولإرضاء القاعدة اليسارية الغاضبة جدّاً من إجراءات الرئيس ترامب التي ألغت إنجازات 8 سنوات من حكم الرئيس باراك أوباما، من جانب آخر.

وهناك المجموعة الثانية داخل الحزب الديمقراطي، وهي في أغلبها وسط الحزب وتمثل أغلب قيادة الديمقراطيين في مجلس النواب بزعامة نانسي بلوسي. وهذه المجموعة لا تريد الإطاحة بالرئيس عن طريق مرافعات الإقالة لعدة أسباب:

أولها: أنها لن تنجح في الإطاحة بالرئيس بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، وثانيها: أن الشارع الأمريكي في أغلبه ضدّ الإطاحة بالرئيس إلا في حالة إثبات الخيانة العظمى.

وفي آخر استطلاع لمحطة "سي إن إن" في يناير 2019 أيّد 43% فقط إقالة الرئيس مقابل 50% ضدّ إقالته. ومشاعر الأمريكيين تجاه استعمال هذه الصلاحية ضدّ الرئيس كانت جليَّة عندما قام الجمهوريون في مجلس النواب بالتصويت لإقالة الرئيس كلينتون سنة 1998، وكان 57% من الأمريكيين غير راضين عن ذلك.

مرشحو أقصى اليسار مثل بيرني ساندرز لن يتمكنوا من الانتصار بالكلام المستمر عن الاشتراكية والآراء التي يعتبرها الشارع الأمريكي ليبرالية أكثر بكثير من إرادة الشارع.

خالد صفوري

وهنالك المجموعة الثالثة من الديمقراطيين والمتمثلة بمرشحي الرئاسة لسنة 2020، فإن هذه المجموعة منقسمة على نفسها وغير متفقة حول هذا الموضوع.

فالسناتور إليزابيث وارن أيَّدَت الإقالة، ودعت مجلس النواب ليبدأ إجراءات إقالة الرئيس مباشرة. وقد أيدها في هذا المسعى أيضًا السناتور كاميلا هاريس من كاليفورنيا.

في حين أعلن عضو الكونغرس من ولاية ماساتشوستس، سيث مولتن، ووزير الإسكان السابق جوليان كاسترو، مطالبتهما لمجلس النواب للبدء في التحقيق مع الرئيس.

كذلك دعا مرشح الرئاسة وعضو مجلس النواب السابق عن ولاية تكساس بيتر أورورك الكونغرس للقيام بنفس الإجراءات وكذلك بيت بوتجيج وعضو مجلس الشيوخ كوري بوكر.

لكن الموقف المختلف جاء من عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك كرستن غليبراند التي طالبت باستدعاء المحقق الخاص مولر وأخذ مرافعته من قبل مجلس النواب قبل اتخاذ أي قرار.

أما السناتور بيرني ساندرز فقد جاء بموقف متمايز، غذ اعترض على إجراءات الإقالة بحجة أنها ستجعل من الرئيس يظهر كالضحية. بالإضافة أن إجراءات الإقالة طويلة ومعقدة وعلى الأغلب غير ناجحة وستؤدي إلى تشتيت الأضواء عن أفعال وإجراءات ترمب غير المحبوبة، وقد ترتدّ العملية على الديمقراطيين.

وأنا أميل شخصيّاً إلى هذا الرأي، وأعتقد أن إجراءات الإقالة ستظهر الرئيس كالضحية أمام الشارع الأمريكي. ويكفي أن تبقى علامات استفهام كبيرة على صلاحية ترمب في البقاء على كرسي الحكم، لتضر بسمعته أمام غالبية الأمريكيين.

لقد ظهر من استطلاعات الرأي وبشكل جلي أن الجزء الأكبر من الشعب الأمريكي يعتقدون الآن أن الرئيس ترمب ليس أهلاً للثقة وأنه كاذب، ويشكّ غالبية الأمريكيين في نزاهته وأمانته.

وإذا أراد الديمقراطيون أن ينتصروا في انتخابات الرئاسة القادمة فعليهم أن يختاروا مرشحاً معتدلاً تقبل به غالبية الشعب الأمريكي، فمرشحو أقصى اليسار مثل بيرني ساندرز وإليزابث وارن لن يتمكنوا من الانتصار بالكلام المستمر عن الاشتراكية والآراء التي يعتبرها الشارع الأمريكي ليبرالية أكثر بكثير من إرادة الشارع.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً