تابعنا
مع اقتراب دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ قريباً، تثار تساؤلات حول إذا ما كانت الإدارة الإمريكية سوف تفرض عقوبات على أبوظبي نظراً لعلاقتها مع نظام بشار الأسد وتعاونهما معاً.

بترقب، ينتظر الكثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين المقاربة التي ستتخذها الإدارة الأمريكية في التعاطي مع قانون "حماية المدنيين في سوريا" أو ما بات يُعرف بــ"قانون قيصر"، والذي أقره الكونجرس مؤخراً، ومن المرجح أن يدخل حيز التنفيذ في غضون أيام معدودة، ويُسمح بموجب القانون للإدارة الأمريكية أن تفرض عقوبات على الأفراد والشركات والكيانات والحكومات التي تمدّ يد العون للنظام السوري في حربه على المدنيين.

لقد وفرت الإمارات ملاذاً آمناً للتعاملات التجارية والبنكية للنظام السوري حتى قبل أن تعاود فتح القنوات الدبلوماسية معه بشكل علني، وهو ما يطرح سؤالاً إن كانت الإمارات ستكون إحدى الجهات التي سوف تطالها العقوبات الأمريكية وفق قانون قيصر.

الإجابة بسهولة لا. وذلك لسبب بسيط يعود إلى الدور المحوري الذي تلعبه الإمارات في مسلسل التطبيع الخليجي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. لقد فهم صناع القرار في أبوظبي أنهم ما داموا يقتربون من "تل أبيب" فإنهم يتمتعون بحصانة ضد العقوبات الأمريكية أياً كان سببها.

فإسرائيل الدولة التي تعتبر نفسها فوق القانون قادرة على توفير ذلك الغطاء القذر لأي دولة تقدم لها الخدمات، بغض النظر عن النهج العدواني التي تمارسه هذه الدولة أو تلك ضد حقوق الإنسان.

إن العلاقة بين إسرائيل وأبوظبي ليست مجرد علاقة مغازلة عن بعد بل هي علاقة حميمية في الصميم، فالأمر لايتعلق فقط بإرسال طائرة فاخرة تعود لأحد الأمراء الإماراتيين لإجلاء يهود عالقين في المغرب لتعود بهم إلى "إسرائيل"، أو بسعي الإمارات عبر وسطاء إلى الاستيلاء على عقارات فلسطينية في القدس من أجل تسليمها للصهاينة المحتلين، أو بالسماح للوفود الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية بزيارة الإمارات، والمشاركة في الفعاليات الاقتصادية والدبلوماسية التي تحدث هناك.

إن الأمر أبعد من ذلك بكثير، يصل إلى حد الشراكة السياسية والأمنية في ملفات كثيرة في المنطقة تتعلق بمحاربة التحولات الديمقراطية في المنطقة، ووأد حلم الشعوب بدولة القانون التي تسود فيها العدالة واحترام حقوق الإنسان.

وربما ليس من باب المصادفة أن يخرج السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة في مقاله الذي نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية المحلية المحسوبة على تيار اليمين ليخاطب الإسرائيليين بشكل مباشر، ويضع بين أيديهم جملة من التصورات العربية الجديدة في العلاقة مع "إسرائيل"، ومستقبلها في ظل مشروع ضم غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية لما يسمى بالسيادة الإسرائيلية.

لقد عبّر العتيبة صراحة عن ما يدور خلف الأبواب المغلقة بين الدبلوماسيين العرب والإسرائيليين من أن "إسرائيل" تمثل لهم "فرصة" وليست "عدواً". ولا شكّ أن الضوء الأخضر الذي تناله الإمارات من الولايات المتحدة رغم كل تدخلاتها في دول الجوار والتي أفضت إلى فظاعات هائلة ضد حقوق الإنسان يعتبر لدى صناع القرار في الإمارات فرصة، وفرصة لا تعوض. فما كان لدولة الإمارات وهي الدولة الصغيرة النائية بعيداً في طرف الجزيرة العربية أن تكون لها هذه الصولات العبثية لولا مباركة من الولايات المتحدة بتحريض من إسرائيل.

فالإمارات تتصرف في المنطقة بنفس استراتيجية إسرائيل، أي بعدم المبالاة، والضرب بالقانون عرض الحائط. إنها دولة فوق القانون، هكذا تتصرف. لقد خرقت الإمارات مراراً وتكراراً حظر توريد السلاح إلى ليبيا على سبيل المثال، ودعمت بطريقة غير شرعية الانقلابي خليفة حفتر بالسلاح والمال والمرتزقة بشكل لا تخطئه عين.

كما أنها تعبث بشكل غير شرعي في اليمن من خلال تشجيعها القوى الانفصالية في الجنوب، هذا فضلاً عن العبث الذي تقوم به في أرض الصومال بعيداً عن موافقة الحكومة الشرعية الفيدرالية في مقديشو.

لقد اعتبر العتيبة أن توجه إسرائيل إلى مشاريع الضم أحادي الجانب سوف يضع مشاريع التطبيع العربي في حالة توقف. هذا أقصى ما ذهب إليه العتيبة، فهو لم يهدد إسرائيل بأي شيء سوى أن التطبيع سوف يعاني من انحصار مدروس لفترة معينة، وهو بذلك إنما يحاول التعمية على عجز هذه الدول عن فعل شيء أمام مشاريع الضم التي يسعى إليها الصهاينة بزعامة بنيامين نتنياهو. ففي هذه الفترة الحرجة لا تستطيع الإمارات التفريط بدعم إسرائيل.

إن هذا التصور الذي يقدمه السفير الإماراتي يعد قطيعة مع التوجه العربي الانهزامي الذي دام طويلاً، وكان يقتضي أن التطبيع مع إسرائيل لن يتم إلا بعد أن تبرم إسرائيل سلاماً نهائياً مع الفلسطينيين. اليوم نرى أن التطبيع مستمر على كل الأحوال ولكنه سوف يتعرض إلى إيقاف مؤقت إذا أصرت إسرائيل على الضم. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على انتكاسة عربية جديدة في التعاطي مع القضية الفلسطينية. انتكاسة يقودها الحلف الخليجي.

في نظر العتيبة لم تعد الأراضي الفلسطينية محتلة بل هي أراض ٍ "متنازع عليها". إن هذا الخطاب الذي يطرب آذان وأسماع الصهاينة في تل أبيب وواشنطن هو الذي يمنح أبوظبي الحصانة التي تنشدها لتستمر في مشاريعها التخريبية الممتدة من اليمن إلى ليبيا. لا نتوقع أن تشمل العقوبات بموجب قانون قيصر دولة الإمارات ما دامت تقوم بشكل ممتاز بأداء دورها الوظيفي في تعطيل المشاريع الديمقراطية في المنطقة، وفي التقارب مع "إسرائيل". 


جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي. 

TRT عربي
الأكثر تداولاً