تابعنا
في ظل إقالة الجيش للرئيس بوتفليقة، هل سيلجأ العسكر إلى المادة 105 من الدستور لإعلان حالة الاستثناء أو حالة الحصار كحلّ أخير للخروج من المأزق الدستوري؟ أم سيتم التوافق على خارطة طريق للانتقال الديمقراطي خارج النص الدستوري؟

تعيش الجزائر اليوم مرحلة حاسمة في حراكها الشعبي الذي بدأ يوم 22 فبراير/شباط 2019، وهي مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات قد تفضي إلى الانتقال الديمقراطي السّلمي، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى قَرصنة الحراك والركوب على الثورة من طرف العسكر مثلما حدث في "تفويض 30 يونيو" الشهير الذي ألغى ثورة 25 يناير في مصر.

ولو أنّ السيد بوتفليقة كان قد امتنع عن الترشح للعهدة الخامسة مباشرة بعد الجمعة الأولى من الحراك، لكان ذلك بداية حلّ للأزمة، ورسالةَ احترام للإرادة الشعبية، واستجابةً لملايين المتظاهرين في مختلف المدن الجزائرية؛ بل أكثر من ذلك كان سيعطي الرئيس فرصة الخروج المُشرّف بعد 20 سنة من الحُكم؛ ولكن استقالة الرئيس يوم 2 أبريل جاءت بعد ساعتين من إصدار الجنرال قايد صالح لبيانه الثاني، والذي طالب فيه بالتنفيذ الفوري لأحكام المادة 102 من الدستور والتي تتحدث عن الاستقالة أو عن إعلان شغور منصب الرئاسة. لذلك قد نكون أمام إقالة في الجوهر وإن اتخذت شكل استقالة، تماماً مثلما حدث مع الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1992.

وبالعودة إلى رسالة "الاستقالة" نجدها تتحدث عن تجنيب الجزائر "انزلاقات وخيمة على الممتلكات والأشخاص"، ونحن نعلم أنّ الجهات التي تَحكم باسم الرئيس كانت قد أصدرت، قبل ذلك بيوم واحد، بياناً تتحدث فيه عن نية الاستقالة قبل 28 أبريل، تاريخ انتهاء الولاية الرابعة للرئيس، وأضاف البيان أنّ الرئيس سيتخذ خلال تلك الفترة "قرارات مهمة". ولكن الاستقالة تمت بعد ذلك بيوم واحد ودون اتخاذ أي قرارات مهمة، مما يرجح فرضية الإقالة.

كما أن بيان أركان الجيش يقوّي هذا الطرح؛ حيث تحدث عن "اعتماد العصابة مُخططات مشبوهة لزعزعة الاستقرار" في إشارة إلى اجتماعٍ حضره مقربون من الرئاسة مع الجنرال المتقاعد توفيق، رئيس المخابرات العسكرية سابقاً، والرئيس الأسبق الجنرال اليمين زروال. ويبدو أنها كانت محاولة أخيرة لعزل الجنرال قايد صالح في إطار صراع الأجنحة داخل النظام الجزائري الذي طفا إلى السطح منذ 2015 مع إقالة الجنرال توفيق وتقسيم جهاز المخابرات العسكرية، ثم حملة التطهير والإحالة على التقاعد التي شملت حوالي 12 جنرالاً سنة 2018.

لذلك يمكن قراءة موقف الجنرال قايد صالح بأنه قفز من المركب في آخر لحظة قبل غرقه، لضمان مكان له في المرحلة القادمة؛ بل يمكن اعتبار موقفه التفافاً على مطالب الشعب بتغيير النظام الفاسد الذي لا يمثل بوتفليقة إلاً رمزاً له، وباستعمال نفس عبارات الجنرال، فإنّ قايد صالح هو عضو في "العصابة" ولا يمكن أن يقدم نفسه منقذاً للشعب من العصابة، فهو شريك للرئيس بوتفليقة ورئيس لأركان الجيش منذ 2004، وكان قد وصف المتظاهرين في أول تصريح له بعد الحراك "بالمُغرّر بهم"، ولوّح بتهديدات مُبطّنة.

يمكن القول إنّ النظام الجزائري يحاول التمويه على الشعب بإزالة قناع من أجل استبداله بآخر بعد أن استنفذ بوتفليقة دوره واحترقت ورقته.

أحمد نوردين

ثمّ إنّ الجيش هو الذي استقدم بوتفليقة للرئاسة سنة 1999، والجيش هو الذي أصرّ على ترشيحه وتلاعب بالدّستور مرّتين للسماح له بالبقاء على رأس السلطة، لذلك يمكن القول إنّ النظام الجزائري يحاول التمويه على الشعب بإزالة قناع من أجل استبداله بآخر، بعد أن استنفذ بوتفليقة دوره واحترقت ورقته.

ولكن يبدو أنّ تسارع الأحداث أفسد حسابات الماسكين بخيوط اللّعبة، وأوقعهم في "الفراغ الدستوري" الذي اتُّهم قايد صالح "العصابة" الحاكمة بجرّ البلاد إليه. ولعلّ أوّل عائق دستوري سيواجه قائد الجيش هو غياب "الهيئة العليا للانتخابات" بسبب حَلّها من طرف الرئيس بوتفليقة يوم 11 مارس 2019.

والدستور الحالي لا يسمح للرئيس في الفترة الانتقالية، السيد عبد القادر بن صالح، بالتّعيين في المؤسسات الدستورية، فمن سيشرف إذن على الانتخابات الرئاسية خلال المرحلة الانتقالية التي تستغرق 90 يوماً؟ ومن سيشرف على انتخاب المجلس التأسيسي الذي يبقى أهم مطلب للحراك؟

الوزير الأول الحالي السيد نورالدين بدوي هو المُشْرف على تزوير الانتخابات السابقة بوصفه وزيراً للداخلية آنذاك وبالتالي لا يمكن قبول إشرافه على المرحلة الانتقالية.

أحمد نوردين

ثمّ إنّ هناك مَطلباً رئيساً تبلور في الحراك الشعبي يتمثل في اختيار حكومة مستقلة ونزيهة من خارج النظام للسّهر على المرحلة الانتقالية، بينما الحكومة الحالية تتشكل من ستة وزراء سابقين، وبقية أعضائها كانوا يشغلون مناصب الكُتاب العامّين للوزارات في الحكومة السابقة.

كما أنّ الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة، على حد سواء، يعتبرون الوزير الأول الحالي السيد نورالدين بدوي هو المُشْرف على تزوير الانتخابات السابقة بوصفه وزيراً للداخلية آنذاك، وبالتالي لا يمكن قبول إشرافه على المرحلة الانتقالية. وهذا مأزق دستوري آخر حيث يمنع الدستور إقالة الحكومة خلال الفترة الانتقالية.

أمّا المادة 87 من الدستور فتتحدث عن أنّ الرئيس يجب أن تكون جنسيته الجزائرية أصليّة وليست مُكتسبة، وهو ما لا ينطبق على رئيس مجلس الأمة الحالي عبد القادر بن صالح، الذي سيؤول إليه منصب الرئيس الانتقالي، فهو مغربي الأصل، ولم يحصل على الجنسية الجزائرية إلاّ سنة 1964 أي بعد الاستقلال بِسَنتين، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق الدستوري؟

هل سيلجأ العسكر إلى المادة 105من الدستور لإعلان حالة الاستثناء أو حالة الحصار كحلّ أخير للخروج من المأزق؟ أم سيتم التوافق على خارطة طريق للانتقال الديمقراطي خارج النص الدستوري؟ هذا ما سنراه في الأيام القادمة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً