تابعنا
أثارت سياسة النظام المصري في التعامل مع المواطنين المصريين المتواجدين في الخارج والعالقين بسبب تفشي فيروس كورونا موجة استياء عارمة نظراً للطريقة التي تم التعامل بها معهم والتي لم تخل من امتهان وتجاهل.

"ليلى العزيزة، أرسلنا طائرة إسعاف إلى السويد لجلبكم إلى تركيا، شعرنا بالحزن لبعدكم عن بلادنا في هذه الفترة العصيبة، مستشفياتنا وأطباؤنا جاهزون لاستقبال والدك".

بهذه الكلمات ردّ وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه على مواطنة تركية اسمها ليلى تعيش في السويد، أرسلت استغاثتها إلى السلطات التركية كي تنقذ والدها المريض بفيروس كورونا بعد رفض السلطات السويدية علاجه عملاً بمبدأ "بلده أولى بعلاجه".

 تغريدة الوزير التركي أتبعها إجراء هو الأول من نوعه في ظل تلك الجائحة التي تعصف بأرواح مئات الآلاف من البشر حول العالم، إذ أرسلت السلطات التركية طائرة خاصة بفريق طبي وتجهيزات كاملة إلى السويد لنقل والد ليلى وإعادته إلى وطنه تركيا مرة أخرى ليتلقى العلاج اللازم، ولتعلن ابنته بعدها في فيديو مصور شكرها وامتنانها للرئيس التركي أردوغان الذي اتصل بها للاطمئنان على والدها، وشكرها وامتنانها للدولة التركية التي اهتمت بوالدها وأصبحت الدولة الوحيدة التي ترسل طائرة خاصة لإعادة شخص واحد فقط من الخارج.

لو سألت أمر الله غوتشكن والد ليلي الآن عن مدى حبه وانتمائه إلى الوطن لأخبرك دون تردد أنه على استعداد للتضحية بنفسه وروحه فداء لوطن احترم مرضه، وفتح له أبوابه عندما كان الوباء يعصف به في غربة موحشة. هكذا يصنع الانتماء إلى الأوطان، وهكذا يبرز دور الدولة في رعاية أبنائها والاهتمام بمشكلات شعبها في الخارج قبل الداخل.

في بعض الدول العربية، خصوصاً مصر، الأمر مختلف؛ يخرج مواطن مصري مقيم في السعودية في مقطع مصوَّر يطالب بحقه في العودة إلى مصر داعياً إلى التظاهر أمام السفارة المصرية، فيكون الردّ أن تقوم السلطات السعودية بسحله على وجهه وهو مقيد ثم تقوم بتصويره ونشر هذا المقطع كنوع من الإذلال الشديد لهذا المواطن المصري الذي تم عرضه على النيابة السعودية تمهيداً لمحاكمته، وكما جرت العادة انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي غضباً تجاه هذه الإهانة ولم تحرك السلطات المصرية ساكناً لإنقاذه أو إدانة ما حدث له.

في الكويت لم يختلف المشهد كثيراً، فعندما تظاهر مئات المصريين أمام سفارة بلادهم للضغط على السلطات لإعادتهم استخدمت الشرطة الكويتية قنابل الغاز لتفريقهم، وظهر وزير الداخلية الكويتية في مقطع مصور وهو يخاطب السفير المصري بلهجة حادة ويوجه إليه تهديداً صريحاً في مشهد مؤسف للدبلوماسية المصرية وفيه امتهان شديد لكرامة المصريين في الخارج، بعدها بساعات أعادت الكويت العالقين المصريين على نفقتها الخاصة في وقت وقف فيه نظام السيسي موقف المتفرج العاجز عن مساعدة أبنائه.

أزمة العالقين أجبرت مجلس الوزراء المصري أن يصدر بياناً على صفحته الرسمية يشرح ويفصل ويوضح مفهوم العالقين في الخارج، ومن منهم يستحقّ أن تهتمّ الدولة به وتسعى لإعادته إلى وطنه مرة أخرى، ومن منهم لا يستحقّ ذلك، ولا تنطبق عليه شروط العالق فتتخلى عنه دولته ويغلق الوطن بابه في وجهه وضمير المسؤولين فيه مرتاح.

تم تعريف العالق بأنه كل مصري كان في زيارة مؤقتة لإحدى هذه الدول، أو كان مُسافراً بغرض السياحة، أو في رحلة علاج، أو في مهمة عمل، أو نشاط تجاري، أو ثقافي، أو كان حاضراً في مؤتمر بالخارج، أو من شريحة الطلاب ممن أُغلِقَت المدن الجامعية الخاصة بهم، ولم يتمكنوا من العودة إلى مصر بسبب توقف حركة الطيران.

وتم حصر الأعداد من قبل رئاسة الوزراء المصرية وأعلنت أن هذا العدد لا يتجاوز 3378 مواطناً مصرياً فقط، وهو مفهوم قاصر للعالقين المصريين في الخارج ممن لديهم ضرورة ملحة في العودة إلى وطنهم في هذه الأيام بعد انقطاع السبل بهم في بلدان عملهم في الخارج.


وبالأخص في بعض الدول العربية التي تستقبل أعدادًا كبيرة من العمالة المصرية، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر دولة الكويت الشقيقة التي تشير إحصائيات عام 2018 إلى أن قرابة 644 ألف مصري يقيمون ويعملون بها، بينما منهم الآن نحو 6700 مواطن في مراكز إيواء، وينتظرون الترحيل لمخالفة شروط الإقامة.

في تصريح لفؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي قبل بداية شهر رمضان المبارك، قال إن تركيا تلقت طلبات من 26 ألف مواطن تركي في الخارج بهدف العودة إلى بلادهم في هذه الأيام، وسرعان ما أعلنت السلطات التركية خطة الإجلاء وعودة مواطنيها إلى ديارهم.

الرئيس التركي لم يسعَ للقطة أو "الشو" الإعلامي، بل أصدر أوامر واضحة بضرورة إعادة جميع مواطنيه وأبناء بلده إلى وطنهم في أسرع وقت مهما كانت الظروف، بعدها أعلنت الخطوط الجوية التركية تنظيم 159 رحلة طيران جوي لإجلاء المواطنين الأتراك من 59 دولة حول العالم. لم أقرأ في تركيا تعريفاً للعالق، ولم يصادفني بيان للرئاسة التركية يحدد أعداد العالقين المستحقين للعودة، بل كان للدولة دور وواجب تجاه أبنائها تقوم به اسمه رعاية مصالح شعبها في الخارج والداخل.

قبل أزمة كورونا كان المعارضون المصريون في الخارج يواجهون كابوساً شديداً في منتهى القسوة والألم والعجز كلما اضطرتهم الظروف إلى الذهاب إلى قنصلية أو سفارة مصرية لاستخراج أي ورقة رسمية، بخاصة لو كانت تتعلق بتجديد أو استصدار جواز سفر جديد، الأوامر واضحة لدى كل السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، الرفض والرفض فقط. امنعوا عنهم جوازات السفر واعرضوا عليهم فقط وثيقة سفر للعودة إلى مصر، ومن ثم إلقاء القبض عليهم ومواجهة المصير المحتوم في غياهب السجون.

وهذا الأمر أصبح معارضو النظام في الخارج معتادين مواجهته بشكل مستمر، هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً بشكل كبير، فلم يعُد الأمر مقتصراً على معارضي النظام، بل امتدت المعاناة لتشمل قطاعاً كبيراً من العمالة المصرية في الخارج، وباتت السفارات المصرية في بعض الدول العربية مسرحاً لتظاهرات أبناء الجالية المصرية ممن يريدون العودة إلى وطنهم في أسرع وقت بعد أن ضاقت بهم السبل، ولكن لا حياة لمن تنادي.

توحش النظام المصري تجاه أبنائه في الأعوام السبعة الأخيرة لم يعُد يفرق بين معارض ومؤيد، أصبحت سهام النظام المصري موجهة تجاه كل مواطن يحمل جواز سفر مصريّاً، في زمن كورونا وقبله وبعد انتهاء تلك الجائحة بات على المصريين أن يواجهوا نظاماً تخلى عن أبسط واجباته تجاه أبناء شعبه، وبات بلاءً يهدّد مصالح المصريين في الداخل والخارج.


جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي