تابعنا
أجواء القمة الثلاثين في تونس 2019 تشير ولم تفصح بعد إلى أنها ستكون قمة تمرير صفقة القرن التي بدأت في قمة فاس. منذ ذلك التاريخ ضعف حتى تلاشى الحديث عن جريمة التطبيع. والوضع العربي الآن أسوأ مما كان سنة 1982 رغم موجة الربيع العربي.

كأن العرب الآن في أجواء قمة فاس سنة 1982 التي أطلق فيها ملك السعودية فهد مبادرته للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وقد كانت المنطقة العربية تعيش موجة رفض شعبية جذرية لاتفاقية كامب ديفيد المبرمة بين الكيان والنظام المصري برعاية أمريكية.

أجواء القمة الثلاثين في تونس 2019 تشير ولم تفصح بعد إلى أنها ستكون قمة تمرير صفقة القرن التي بدأت في قمة فاس. منذ ذلك التاريخ ضعف حتى تلاشى الحديث عن جريمة التطبيع. والوضع العربي الآن أسوأ مما كان سنة 1982 رغم موجة الربيع العربي التي رفعت شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين" فغدرت من داخلها حتى صار إنقاذ الكيانات العربية الثائرة مطلبا أساسيا قبل أن تفكر الشعوب في العبور إلى الأرض المحتلة.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه هو التفريط في ما يمكن التفريط فيه

في قمة فاس اعترفت الدول العربية وجامعتها عمليا بالكيان الصهيوني عبر الإقرار بمشروع السلام الذي تقدمت به السعودية. فطلب الانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1967 كان يعني الإقرار بأن أراضي 48 هي أرض إسرائيلية، لها عليها السيادة الكاملة كدولة عضو في الأمم المتحدة. وفي قمة فاس أيضا بدأ الحديث لأول مرة رسميا عن التعويض المادي لمن يتنازل عن حق العودة باعتباره حقا مؤسسا قامت من أجله الثورة الفلسطينية.

مقررات قمة فاس عام 1982 سارت ضد موجة عارمة من الرفض الشعبي للتطبيع. كما أن قمة تونس ستكون معادية لموجة رفض شعبي عميق للتطبيع وللدكتاتوريات العربية.

نور الدين العلوي

حضر صدام حسين "حارس البوابة الشرقية" القمة وقتذاك وكان يقود قبل القمة معركة ضد مصر السادات حيث تم تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية في قمة بغداد عام 1978. ومقابل دعم خليجي في حربه ضد إيران وافق على مقررات القمة وسلم بالاحتلال الصهيوني. وحضر كذلك حافظ الأسد "قائد جبهة الصمود والتصدي" ووافق على مقررات تقدم بها الملك فهد المنعوت قبل القمة بقائد الرجعية العربية.

مقررات قمة فاس عام 1982 سارت ضد موجة عارمة من الرفض الشعبي للتطبيع. كما أن قمة تونس ستكون معادية لموجة رفض شعبي عميق للتطبيع وللدكتاتوريات العربية وقد بدأت تذوق حلاوة الحرية وتربط بين بناء الديمقراطية والتحرير منهجا ووسيلة.

كانت قمة فاس فاتحة للتنازلات الرسمية التي ظلت تختمر حتى وصلت صفقة القرن بعد ثلث قرن. كان الكيان قد خاض فيها حرب لبنان، وإخراج المقاومة الفلسطينية من جوار وطنها، وخيضت معارك كثيرة وتغيرت أنظمة كثيرة باستثناء نظام آل سعود الذي لا يتغير والذي قاد قمة فاس، وستكون قمة تونس تكملة لها بفرض صفقة القرن على أنظمة هشة غير قادرة على الرفض لحاجتها إلى "الرز الخليجي"، وإلى الدعم الأمريكي في مقاومتها لثورة شعوبها المنتفضة بشعارات ليس أهونها الشعب يريد تحرير فلسطين.

صفقة القرن تسابق الزمن.

توجد معركة ضد الوقت لإتمام صفقة القرن. أطراف الصفقة مستعجلون لذلك لن يفوتوا فرصة القمة العربية في تونس.

أولا، دخل الرئيس الأمريكي مرحلة التحضير لعهدة ثانية وهو أول من يعرف أن العهدة مضمونة بمساندة اللوبي الصهيوني في بلاده الذي يشتغل لدعم دولة الكيان بكل ما أوتي من قوة. ويمكن أن يقال حديث مباشر بلا قفازات. إتمام الصفقة ومنها القدس عامة مقابل العهدة الثانية لترمب. لهذا على الطرف الثاني أن يقدم شروط الولاء والطاعة فبعد المال الغزير الذي تدفق على خزينة ترمب وأنقذ عهدته الأولى آن الأوان لضمن العهدة الثانية.

ثانيا، يريد محمد بن سلمان ضمان العرش بعد أبيه وقد مهّد حتى الآن بالمال الكثير وببعض التمويه التحديثي للتغطية. لكن النصير الأمريكي لا يشبع، وهو يطلب إتمام الصفقة ليس بين نظام آل سعود والكيان فقط بل يجب فرض تغطية عربية على الدور السعودي. تحتاج السعودية إلى تشريع فعلها عربيا لكي يتوقف المزايدون ويدخلوا في سلم السعودية-الصهيونية كافة.

وأخيراً، وفيما يسابق ترمب وابن سلمان الزمن لتمرير الصفقة وجني مكاسبها السياسية يتمتع الطرف الصهيوني بهدوئه، باحثا عن مكاسب صافية، كفتح أجواء جديدة أمام حركة طيرانه، وتنشيط صادراته، وتثبيت دولته في المنطقة كحليف يتمتع بالمشروعية ضد خطر متوهم هو إيران.

الوضع لا يحتمل الانتظار. في هذا السياق، تصبح قمة تونس هي أحد الحلول. لا بد من فرض مقررات واضحة تتمم الصفقة. ولتسريع ذلك أو للضغط على الوقت والقرارات يعلن ترمب أن الجولان إسرائيلية. وهو الأعلم أن لا قانونية ولا مشروعية لخطوته هذه، لكن ماذا لو كان يعلن ذلك كورقة تفاوضية على إتمام صفقة القرن. فيظهر من أنقذ الجولان كمن أنقذ أراضي 67 وهو يخفي التنازل عن أراضي 48.

آخرون يطمعون في فتات الصفقة 

من هؤلاء الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ورئيس حكومة تونس يوسف الشاهد فضلا عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وربما من سيحضر من حكومة طرابلس. لا خلاف أن الرئيس المصري باق في منصبه بأمر صهيوني، فقد تحول إلى حارس حدود يقظ يمجده الكيان ويدفع له ثمن البقاء بالرز الخليجي. سأنظر هنا في أطماع الرئيس التونسي الذي سيكون رئيس القمة.

لم يعرف عن الرئيس التونسي السبسي معاداته للتطبيع فقد حضر قمة فاس بصفة وزير خارجية تونس وبعد أن صار رئيسا عام 2014 عين سفير بن علي السابق في الكيان وزيرا لخارجيته. هناك إذن مقدمات للتطبيع أو رسائل قديمة يسعى إلى استطلاع نتائجها أي المطلوب تونسيا لقبض الثمن.

الثورات لم تفرض بعد وقد لا تفلح في جعل الحكام يسعون إلى الشرعية الشعبية عبر الانتخابات بل على شرعية التطبيع وخدمة أعداء البلاد والثورة مقابل السلطة.

نور الدين العلوي

نذكر أن الرئيس فشل في فرض ابنه كخيار سياسي مستقبلي للتونسيين وهو يعاني الإهمال من قبل رئيس الحكومة الذي رباه فكفر به وتجاوزه. لذلك عاد (ربما بنصيحة من وزير خارجيته) يسوق لخطاب استئصال الإسلاميين باعتباره خطابا يضمن سندا خارجيا على الطريقة المصرية. وسيكون استقبال الرئيس المصري في القمة بصفته المطبع الأكبر تشريعا لوجوده وتزكية لسياساته التي يقبض ثمنها سياسيا في الداخل.

وهو نفس شاغل رئيس حكومة التونسية يوسف الشاهد أيضا، وهو الذي خرج من السفارة الأمريكية على قيادة البلد، وهو أول من يعرف أن لا سند له في الداخل، لذلك يسعى إلى سند خارجي، وهذه فرصة له ليقدم فروض الولاء والطاعة، ولو أنه غير معني مباشرة بحضور القمة فهي من مشمولات الرئيس حسب الدستور. لكن لديه رسالة واضحة بعد الرئيس العجوز؛ هناك رئيس شاب قادم وله طموح وليس مثل هذه الفرصة ليقول للراغبين في التطبيع: نحن هنا.

نكتب هذا بالحدس أكثر من المعلومات فقد بات واضحا لكل ذي بصيرة أن الثورات لم تفرض بعد -وقد لا تفلح- في جعل الحكام يسعون إلى الشرعية الشعبية عبر الانتخابات بل على شرعية التطبيع وخدمة أعداء البلاد والثورة مقابل السلطة. سيلعب المال الخليجي هنا دورا محددا وسيدفع الكثير للتغطية على تطبيع سعودي يتخاجل أن يطبع وحده لذلك يعمل على توريط الجميع ولن يكون الثمن أرفع مما دفع لترمب ولن يكون طمع الراغبين في حكم تونس أكثر من طمع ترمب.

قمة التطبيع وإن رفع فيها القوم حديث تحرير فلسطين. فقد رفعوه دوما للتغطية ومرروا الصفقات المفضوحة. لقد وضع الربيع العربي احتمال الحصول على الشرعية الشعبية والحكم بها ضمن الإمكانات السياسية العربية ولكن مسار التطبيع والتودد للكيان مقابل شرعية الحكم هو صوت قادم من الماضي ولا يزال مسموعا ضد صراخ الثورة بالحرية والديمقراطية وتحرير فلسطين.

نكتب بمزيج من الألم والأسف والتفاؤل. فالشعوب ليست مستعجلة. مثل الملهوفين على الحكم. فبعد ثلث قرن من قمة فاس وبعد سبعين عاما من قيام دولة الكيان لا يزال الشعب يرفع شعار: "الشعب يريد تحرير فلسطين" وهو الشعار الذي يقض مضجع الساعين إلى صفقة القرن ويسبب لهم كوابيس تاريخية.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً