تابعنا
بعد قطيعة فُرضت على البلدين، تعود العلاقات الدبلوماسية بين الممكلة الأردنية الهاشمية ودولة قطر إلى سالف عهدها إثر تبادل السفيرين لأول مرة منذ بداية الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على الدوحة.

أخيراً قرَّرَت عَمّان إعادة العلاقات مع الدوحة إلى سكتها الصحيحة، فقد قرر مجلس الوزراء أول من أمس، تسمية الدبلوماسي المخضرَم زيد اللوزي سفيراً أردنيّاً في قطر.

الأسماء فيها رسالة ودلالة

اللوزي "السفير الجديد" معروفٌ بخبرته المميزة، وهو ابن عائلة سياسية عريقة، فوالده الشيخ مفلح اللوزي أحد أبرز وجهاء الأردن المعاصر، وشقيقه نائب سابق، وعمّه رئيس وزراء عتيق، وابن عمه رئيس ديوان ملكي هاشمي أسبق.

في ذات السياق، وافق مجلس الوزراء الأردني على الاسم الذي رشَّحَته الدوحة ليكون سفيراً لها في عمّان، وهو الشيخ سعود بن ناصر آل ثاني، المنتمي إلى الأسرة الحاكمة، ويُعَدّ شخصية بارزة ووازنة.

الأسماء ووزنها تقول ببساطة إن تخفيض التمثيل قبل سنتين لم يعُد ممكناً، وها نحن أولاء نعود بأسماء ثقيلة تؤشّر إلى علاقة ساخنة ومجدية وقنواتها مفتوحة.

ارتياح شعبي أردني

"سنتين كبيستين"، على حدّ وصف المخضرم ممدوح العبادي، من المقاطعة الجزئية والخجولة، لم تكُن قراراً ذاتيّاً، ولم تكُن بيننا وبين الأشقاء القطريين مشكلة.

قرار إعادة العلاقة الدبلوماسية وتسمية السفراء، لاقى ارتياحاً شعبيّاً ونخبويّاً أردنيّاً لافتاً، فالتعاطف الشعبي مع قطر في مسألة الحصار واضح، ورغبة الأردنيين في صياغة المسافات المتساوية مع الأشقاء تبدو أوضح وأكثر حضوراً.

تفهُّم القطريين وتسجيل النقاط

القطريون تَفهَّموا بعقلانية كبيرة خطوة تخفيض التمثيل الدبلوماسي قبل عامين، وأدركوا دقة الظرف الأردني وطبيعة علاقته مع حلفائه، وبناء على ذلك لم تُصدِر الدوحة في حينها أي إشارة سلبية تجاه الأردن.

بل على العكس من كل ذلك، ففي أحداث الدوار الرابع الرمضاني عام 2018، سارعت الحكومة القطرية إلى تقديم المساعدة ماليّاً، وتطوعت بتوفير عشرة آلاف فرصة عمل للأردنيين، أما التطبيق للوعود فقد كان سريعاً وصادقاً.

هذا الموقف القطري غير العدواني تجاه خطوة التخفيض الأردني للبعثة الدبلوماسية، ومسارعتهم إلى المساعدة في رمضان، كل ذلك جعل الحكومة الأردنية مُحرَجة أمام الجماهير، وتعاظمت لأجل ذلك مطالبات إعادة السفراء على وجه السرعة.

تراخي قبضة الرياض

لعل من أهم الأسباب التي دفعت الأردن إلى اتخاذ خطوة إعادة السفراء، تكمن في طبيعة العلاقات التي تمرّ بها عمّان مع الرياض. علاقة باردة عنوانها الخلاف في الموضوع الفلسطيني في ما يتعلق بمستحقات صفقة القرن.

لم تعُد الرياض تَحظَى عند الحكومة الأردنية بتلك الأهمية التي يُحسَب لها الحسابات في موضوع العلاقة مع قطر، بل ما تمر به العلاقة مدعاة لمزيد من الاستقلال الأردني في اتخاذ القرارات عن الرياض ومحورها.

بمعنى أوضح، دول حصار ومقاطعة قطر، لم تعُد ذات بريق كبير لكي ننصاع لرغباتها، فما جرى في الملفّ الفلسطيني عمّق مسافة الرغبة الأردنية بالابتعاد عنها بما يخدم مصالحه.

رغم ذلك فلن تكون عملية إعادة العلاقة بين الدوحة وعمّان على حساب علاقة الأردن مع الآخرين، ولا هي بمثابة انقلاب على بعض تلك الدولة، وهذا لا يمنع من كونها رسالة تحمل معنى التغيير في المسافات التي يتخذها الأردن تجاه دول الإقليم.

الأزمة طالت ولا أفق للحلّ

الأردن ليس طرفاً في الخلاف الخليجي الداخلي، وليس معنيّاً بقراءة وتبنِّي النقاط التي قام عليها الخلاف، ولا التفاعل معها، وبمجرَّد أن لاحظت عمّان احتمالات أن تطول الأزمة كان العقل المنطقي يقول بضرورة إعادة العلاقات.

لا يمكن أن تنتظر عمّان إلى ما لا نهاية، ففي حسابات الأردن المباشرة، غدَا إرسال سفير أردني إلى الدوحة متطلباً لا بد منه لأجل حماية المصالح الأردنية وتعزيزها، وكذلك رعاية أكثر من خمسين ألف أردني يعملون هناك.

الأردن وتنويع منطق سلّته الإقليمية

يرى سياسيون "موالاة ومعارضة" أن الخطوة الأردنية باتجاه الدوحة مقدّمة لخطوات مشابهة على مسارات دبلوماسية كانت مُغلَقة أو مشوَّشة.

لقد عانى الأردن طويلاً مع صراعات المنطقة واصطفافاتها، ودفع ثمناً باهظاً من اقتصاده ومستوى معيشته، ومن حقه -كما يرى كثيرون- أن يتحرك بكل الاتجاهات لأجل تعويض خسائره وإنقاذ موازنته.

ضوء أخضر أمريكي

عودة العلاقات مع قطر قرار أردني خالص، هذا صحيح جدّاً، لكنه لا يمنع أن تكون عمّان تحدثت مع واشنطن حول تلك الخطوة، إعلاماً بموقفها أو طلباً للمشورة.

وبتقديري أن عمّان لم تجد ممانعة أمريكية، ممَّا أعطاها دفعة أقوى لاتخاذ القرار والمباشرة فيه، وهذه المشورة تساعد الأردن أمام عتب وغضب بعض الحلفاء.

العَلاقة مع قطر والكلفة المتواضعة

نعود إلى العلاقة مع قطر، فبتقديري أنها ستمرّ في قادم الشهور بمرحلة انفتاح بنيوي غير مسبوقة في تاريخها، لا سيما في الجانب الاقتصادي وحجم العمالة الأردنية، وهناك تقديرات وربما وعود بأن الثمار ستأتي سريعاً.

أيضاً علاقة عمّان بالدوحة ستكون مريحة، فحكام الدوحة "الأمير تميم وطاقمه" لن يحمّلوا العلاقة حمولة أو كلفة سياسية، فسنوات تخفيض العلاقة أثبتت أننا نتعامل مع عقلية خليجية مختلفة تتّسم بالحكمة وحسن إدارة الأزمات.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي